طالما حيرتني مسألة استمرار الحال على ما هو عليه رغم كل المجهودات والبرامج والمشاريع التي تستهدف إحداث التغيير في أنماط البشر فيما يتعلق بالتعامل مع متغيرات هذا العصر الذي خلق لنا واقعا جديدا يختلف بشكل كبير عن الماضي الذي كنا عليه حتى سنوات قليلة ماضية، بل أصبح الحال يتصارع في ذاته ما بين شد باتجاه الخروج والتغيير وبين جذب نحو الداخل والانغلاق، فاستمر الحال على سكون ولم يتحرك شيء نحو مواكبة هذا الزمن. يقول وول ديورانت إنه "عندما يحاول أحدنا تغيير نظم المجتمع من غير أن يقوم بمحاولة تغيير طبيعة الناس فإن هذه الطبيعة غير المتغيرة سرعان ما تبعث الحياة في هذه النظم التي تم تغييرها"، أي أن التغيير الخارجي المتمثل في الأنظمة والقوانين والتشريعات وكل ما يرتبط بالجانب غير الإنساني سيخضع لهيمنة إرادة طبيعة الإنسان التي لم تتغير، والتي لا توجد قوة على الأرض قادرة على فرض ممارسة أو منهج أو فكرة ما لم تكن هي قابلة بها، وهو ما يدفعنا للقول إن التغيير الذي يجب أن نسعى إليه لا يمكن أن يتحقق ما دام المجتمع ذاته ما زال على منهج الرفض مما يقدمه التغيير من حلول، فمثلا كم من قتيل سيقتل ما دام منهج الانتقام لا يزال ساريا في عقلية ترى في الثأر رجولة وفي القانون مخرجا للضعفاء فقط؟ إذا كيف يمكن إدخال التغيير وفرضه على عقلية المجتمع. وكيف يمكن أن يتحول المجتمع من عائق للتطوير إلى مساهم وعنصر أساسي له؟ والجواب في رأيي يكمن في العمل بشكل حثيث نحو استخدام التعليم كناقل لفكر التغيير، فزرع المبادئ في النشء أسهل من استجداء التغيير في عقول كبرت وتكلست، إلا أن تلك العقول المتكلسة يمكن تغييرها إذا ما كنا على قدر كاف من الصبر في التثقيف ومصارحة المجتمع برجعيته باعتمادنا على السلمية لا المواجهة. مسألة الاختلاف بين البشر مثال حي لمعضلة حالنا اليوم، فقد عاش المجتمع لعقود لا يستطيع التعبير عن رأيه خوفا من المساءلة، بينما استغل الحرية النسبية اليوم ليشيطن كل من اختلف مع رأيه، فالتغيير هنا أتى عبر استنهاض ما كان متأصلا في ذاتنا من معاداة وشك في الغير، لا من خلال قبول مبدأ الاختلاف الذي وصفه فولتير ببراعة حينما قال "أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلته، ولكني سأدافع عن حقك في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك حتى الموت".
مشاركة :