يعمل حزب العدالة والتنمية على إعادة صياغة خطابه السياسي، وذلك بعد الهزيمة التي مني بها في الانتخابات التشريعية الماضية وكذلك في الانتخابات الجزئية بدوائر الحسيمة (شمال شرقي المغرب) ومكناس (وسط) ومديونة (جهة الدار البيضاء). واتخذ الحزب من القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل وسيلة سياسية لاستعادة ما خسره من شعبية داخل المجتمع، وكذلك لاستعادة ثقة القواعد الانتخابية في تكرار لنهج أحزاب الإسلام السياسي في اللعب على العواطف كلما تلقت هزائم في صناديق الاقتراع. ومثّل استخدام الحزب لمفردات قوية وغير مسبوقة في بيان له بشأن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وخاصة انتقاد بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية بشأن التصعيد العسكري الإسرائيلي، دليلا على النهج الجديد للحزب لكسب التأييد الشعبي من خلال الاستثمار في القضية الفلسطينية. شريفة لمويير: موقف العدالة والتنمية ردا على بلاغ وزارة الخارجة لا يعدو أن يكون محاولة للركوب على وتر المشاعر القومية للقضية الفلسطينية ورغم واقعية بلاغ وزارة الخارجية المغربية بشأن التطورات في قطاع غزة، إلا أن قيادة العدالة والتنمية المهووسة بالسلطة وبالعودة إلى الحكم وذراعها الدعوية، حركة التوحيد والإصلاح، أظهروا مواقف صدامية ومزايدة غير مسبوقة. وأكدت الخارجية بشأن التصعيد الإسرائيلي أن “المغرب يتابع بقلق الأوضاع بغزة ويدعو لتجنب التصعيد”. لكن يبدو أن هذا الموقف العقلاني من الأزمة لم يرق لحزب العدالة والتنمية الذي سعى للمزايدة في الملف لغايات سياسية لا أكثر. وتأسف حزب العدالة والتنمية، في بيان، عما أسماه بـ”اللغة التراجعية لبلاغ وزارة الخارجية الذي خلا، على غير العادة، من أي إشارة إلى إدانة واستنكار العدوان الإسرائيلي ومن الإعراب عن التضامن مع الشعب الفلسطيني والترحم على شهدائه، بل وخلا أيضا من أي إدانة لاقتحام الصهاينة لباحات المسجد الأقصى المبارك”. ويبدو أن هذا الموقف بعيد كل البعد عن مواقف الحزب من الاعتداءات الإسرائيلية على غزة عندما كان في السلطة وممسكا بزمام الأمور حيث كان خطابه أقل صدامية. وشددت شريفة لمويير الباحثة في العلوم السياسية بجامعة الرباط، في تصريح لـ”العرب”، على أن موقف العدالة والتنمية ردا على بلاغ وزارة الخارجة لا يعدو أن يكون محاولة للركوب على وتر المشاعر القومية للقضية الفلسطينية، لجذب تعاطف المغاربة داخليا بعد التراجع الذي سجله الحزب سياسيا وانتخابيا، وأيضا بعث رسالة لحركات الإسلام السياسي خارجيا، يلفت فيها الانتباه إلى أنه حزبيا لا يزال موجودا وله مواقف خاصة. وجدد العدالة والتنمية التأكيد بأن بلاغ وزارة الخارجية “يخذل مواقف المغرب الرسمي والشعبي كما هي معهودة في الاصطفاف مع الشعب الفلسطيني وفي إدانة العدوان بالوضوح التام واللازم، لكونه ساوى بين المحتل والمعتدي الإسرائيلي والضحية الفلسطيني”. وتعليقا على البيان أكد المحلل السياسي نوفل بوعمري أن المغرب استطاع رسميا أن يستثمر العلاقة مع إسرائيل لصالح فلسطين وأن يلعب دورا إيجابيا في دعم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني والقدس خاصة الشرقية منها والحفاظ على طابعها العربي الفلسطيني، مضيفا أن من يتهجم اليوم على الدور الرسمي المغربي لا يستحضر مواقف رئيس لجنة القدس من كل ما طال القدس من عمليات تهويد وطمس ملامحها. وأكد بوعمري، في تصريح لـ”العرب”، أن العدالة والتنمية لم يستحضر الوساطة التي قام بها المغرب مؤخرا والتي أدت إلى إعادة فتح معبر الملك حسين، ويستنكر عن عمد حجم المساعدات والإعانات التي يقدمها المغرب رسميا للشعب الفلسطيني بغزة ورام الله، وهي ليست بصدقة بل واجب المغرب اتجاه فلسطين. نوفل بوعمري: المغرب استطاع رسميا أن يستثمر العلاقة مع إسرائيل لصالح فلسطين وأن يلعب دورا إيجابيا في دعم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني والقدس وفي كل مرة تنزلق لغة ومواقف الحزب في اتجاه يعارض مواقف الدولة المغربية ومبادئها، يعود إلى التذكير بموقفه الذي يعتبره “المشرف” في 2011 “حين تبنى بوطنية ودافع بقوة عن خيار الإصلاح في إطار الاستقرار، وتجاوب بحماس مع خطاب الملك في التاسع من مارس 2011″. ويسعى حزب العدالة والتنمية لمغالطة الرأي العام بشأن السياسات الخارجية للدولة رغم أنه تولى قيادة حكومتين في السابق. ويحاول الحزب التعمية على حقيقة يعلمها كل المغاربة وهو أن وزارة الخارجية جزء من مؤسسات الدولة ولا يمكنها أن تصدر إلا بموافقة تامة من السلطات العليا في الدولة، لأن الخارجية وزارة سيادية ولا يمكن أن تكون مناقضة للمواقف الرسمية للمملكة. وسعى حزب العدالة والتنمية في افتتاحية نشرها الموقع الرسمي للحزب الثلاثاء للرد على الاتهامات التي قال إنها تعمل على “شيطنة العدالة والتنمية” بعد ما نقد مواقفه بشأن بيان وزارة الخارجية. وذكر الحزب، ضمن صحيفته الناطقة باسمه، أنه “ما إن توالت ردود فعل حزب العدالة والتنمية المنددة بالعدوان الصهيوني على غزة والرافضة للتطبيع والداعمة للمقاومة الفلسطينية، حتى جاءت المواقف لـ’شيطنة العدالة والتنمية’ والتشكيك في ولائه لوطنه”. واتهم الحزب المنتقدين لخطابه السياسي والأيديولوجي بأنهم أكثر من الصهاينة أنفسهم. وتعليقا على مواقف العدالة والتنمية أكدت لمويير أن حزب العدالة والتنمية يتقن ازدواجية المعايير واللعب على المتناقضات، لذلك فالبلاغ الصادر عن لجنة العلاقات الدولية للحزب الذي ندد بغياب اللغة التضامنية مع الفلسطينيين، وفي نفس الوقت هاجم لجنة القدس، هو محاولة للتغطية على واقع أن استئناف العلاقات المغربية – الإسرائيلية تم خلال تزعم حزب العدالة والتنمية للحكومة السابقة، وهذه المحاولة للمزايدة ليس أكثر خاصة وأن لجنة القدس يرأسها ملك البلاد، في محاولة لإيهام المجتمع بالموقف التصعيدي الذي يخفي غايات أخرى. وتحدث العدالة والتنمية في بيانه عن لجنة القدس، مذكرا بأن الهدف منها حماية القدس من المخططات والمؤامرات الصهيونية لتهويد القدس، مشددا على أنه “لا يمكن لبلدنا الذي يرأس لجنة القدس في شخص الملك محمد السادس إلا أن يكون سباقا للدفاع عن القدس الشريف وعن الأقصى المبارك”. قيادة العدالة والتنمية أظهرت مزايدة غير مسبوقة رغم واقعية بلاغ وزارة الخارجية المغربية بشأن التطورات في غزة واستهجن بوعمري دمج فقرات بيان العدالة والتنمية لا رابط بينها، تتحدث عن لجنة القدس وسياق تأسيسها وعن رئيسها، مؤكدا في تصريح لـ”العرب” إقحام رئيس لجنة القدس في بيان العدالة والتنمية، معتبرا أن هذا التوجه قد يخدم مصلحة جهة في المنطقة ممن لا تعجبها رئاسة لجنة القدس من المغرب وملكه. وفي محاولة للعب على العواطف ولكي يعطي انطباعا سياسيا بأن موقفه لا يحمل أي أجندة ضد الدولة، أشار حزب العدالة والتنمية إلى أن الملك محمد السادس “الذي يعرف هذا الحزب جيدا، قد عين من هذا الحزب ثلاث مرات رئيسا للحكومة، مرتين مع عبدالإله بن كيران، ومرة مع سعدالدين العثماني”، متسائلا “هل يجوز بعد كل هذا الحديثُ واللمزُ في ولاء الحزب لبلده ولثوابته الجامعة؟”.
مشاركة :