يتخذ الصراع بين الفلسطينيين في القدس الشرقية والحكومة الإسرائيلية أشكالا مختلفة ليطال مناهج التعليم. وتعتمد المدارس في القدس الشرقية على المنهاج الفلسطيني الذي يختتم بشهادة الثانوية العامة “التوجيهي”، ولكن إسرائيل تريد من تلك المدارس تدريس المنهاج الإسرائيلي الذي يتكلل بامتحان “البجروت”. والمساعي الإسرائيلية لفرض منهجها التعليمي على المقدسيين ليست جديدة بل تعود إلى عام 1967، لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق مرادها، غير أن ذلك لم يمنعها من المحاولة مجددا، وبإصرار أكبر في السنوات الأخيرة. وثمّة أربعة أنواع من المدارس في القدس الشرقية: الخاصة، والتابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، والتابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتابعة للبلدية الإسرائيلية في القدس الغربية. عدد الطلبة الفلسطينيين المتقدمين لامتحان البجروت، ارتفع من بضع مئات في عام 2013 إلى 8400 طالب عام 2020 ووفقا للقانون الإسرائيلي لا يمكن تفعيل أي مدرسة في القدس الشرقية دون ترخيص صادر عن وزارة التعليم، وبالتالي فإن كل المدارس الأهلية والبلدية تحصل على ترخيص منها. ولكنّ أغلبية هذه المدارس تُدرّس المنهاج الفلسطيني بموجب الكتب الدراسية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي توزعها مجانا على هذه المدارس. ويقول نهاد أرشيد، محامي الكلية الإبراهيمية (خاصة)، إن “الأوضاع بدأت تتغير منذ عام 2011، حيث لم تكن إسرائيل قبل هذا التاريخ تتدخل في فحوى المناهج التي تُدرس بالقدس الشرقية بما في ذلك المدارس التابعة لبلدية القدس (الإسرائيلية)”. ويضيف أرشيد “في سنة 2011، ولأول مرة، كانت هناك مطالبة من قبل المؤسسات الإسرائيلية بحذف جزء من الكتب التدريسية المعمول بها في المنهاج الفلسطيني”. وتابع “آنذاك قامت وزارة التعليم الإسرائيلية وبلدية القدس بطباعة كتب شبيهة بتلك المعمول بها في مناطق السلطة الفلسطينية، ولكن من ناحية الغلاف تم نزع جميع الرموز الفلسطينية، أمّا من ناحية الفحوى فقد تم حذف عدة نصوص من مضمون الكتب بذريعة أنها مُحرّضة”. ورأى أرشيد أن هذه كانت بمثابة المحاولة الثانية من قبل إسرائيل، بعد أن رفض الفلسطينيون منهاجها التعليمي سنة 1967، وهو عام احتلال القدس. وقال “الفكر البديل الذي توجّهت إليه إسرائيل هو تغيير المضمون، وبدلا من الرواية الفلسطينية في الكتاب يتم وضع رواية أخرى، بحيث أن الطالب الفلسطيني عندما يدرس في مدارس القدس الشرقية يتعلم رواية أخرى تختلف كليا”. وطرح أرشيد مثالا يتمثل في شطب السلطات الإسرائيلية النص الموجود في كتاب الدراسات الاجتماعية للصف التاسع والذي يقول “وكانت الكارثة العنصرية الكبرى التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 عندما احتلت العصابات الصهيونية المسلحة 77 في المئة من فلسطين وارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين وتدمير 531 قرية فلسطينية وتهجير مليون فلسطيني إلى أماكن اللجوء فيما تبقى من فلسطين أو إلى دول الجوار كالأردن وسوريا ولبنان وغيرها من أماكن الشتات”. وأشار أرشيد إلى أن هذا النص شطبته السلطات الإسرائيلية من الكتب بداعي أنه نص مُحرض ضدها. إسرائيل تضيق على التعليم في القطاع إسرائيل تضيق على التعليم في القطاع وكشف عن قضية أخرى تتعلق بهذا الملف، وهي أن السلطات الإسرائيلية لا تكتفي بحذف أجزاء من مضمون المناهج، بل تضيف فقرات بديلة. وأردف “الإسرائيليون يقولون لنا بما معناه: إذا كنتم تريدون نظاما توجيهيا، فليبقى، على أن يكون التوجيهي الذي نحدده نحن، وليس التوجيهي الذي يريد الطلاب تعلّمه”. ورفض الفلسطينيون في القدس الشرقية التعاطي مع هذه الخطوة الإسرائيلية، وأصروا على مواصلة الدراسة بالكتب الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. واتخذت محاولات إسرائيل فرض منهاجها التعليمي أساليب جديدة من بينها الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى. وأوضح أرشيد أن “إسرائيل بدأت تكثف جهودها في تغيير المناهج منذ العام الدراسي 2017 - 2018، من خلال استدراج المدارس في القدس الشرقية لتعليم المنهاج الإسرائيلي (البجروت) عن طريق اقتراح منح مالية، بمبالغ عالية جدا للمدارس الخاصة، التي تفتح مسارا له، ومن خلال المدارس الحديثة التي أقامتها بلدية القدس في القدس الشرقية التي تُعلم المنهاج الإسرائيلي”. وأضاف “ارتفع عدد الطلبة الفلسطينيين المتقدمين لامتحان البجروت الإسرائيلي بشكل ملحوظ، من بضع مئات في عام 2013 إلى 8400 طالب عام 2020”. وفقا للقانون الإسرائيلي لا يمكن تفعيل أي مدرسة في القدس الشرقية دون ترخيص صادر عن وزارة التعليم الإسرائيلية وفي يوليو الماضي لجأت السلطات الإسرائيلية إلى خطوة جديدة، تتمثل في ترهيب المدارس؛ إذ دعت الكلية الإبراهيمية، التي تحتضن ما يزيد عن 1300 طالب في جميع مراحلها، ومدارس الإيمان، التي تضم خمسة فروع ويصل عدد طلابها إلى 2000 طالب، إلى جلسة استماع في وزارة التعليم الإسرائيلية. وقال المحامي أرشيد، الذي يُمثّل الكلية الإبراهيمية، “في كتاب الدعوة الذي تم توجيهه إلى الكلية، تم اتهامنا بشبهة أننا نستخدم كتبا تدريسية تشمل مضامين محرضة ضد دولة إسرائيل، ومواد لها تأثير على طلاب المدرسة”. وأضاف “وتمت الإشارة بشكل خاص إلى النص الذي يختصر الرواية الفلسطينية من النكبة حتى جدار الفصل العنصري (المقام على أرض الضفة الغربية) على أنه نص تحريضي ضد دولة إسرائيل”. وتابع “بعد أن تم استعراض الشبهة المنسوبة إلى المدرسة تمت الإشارة إلى أن الوكيل العام لوزارة التعليم (الإسرائيلية) يدرس إمكانية سحب الترخيص وإصدار أمر بإغلاق المدرسة”. وقال “ككلية إبراهيمية كان موقفنا أننا غير قادرين على الإجابة في هذه المرحلة على الشبهة التي تُلصق بالنصوص المشمولة في هذه الكتب بأنها نصوص تحريضية، فهذا موضوع بحاجة إلى دراسة وتدقيق وفحص”. وأضاف “انتهت الجلسة بمنحنا خمسة أيام إضافية لاستكمال ردنا على الشُبَه المنسوبة إلينا بشكل مكتوب، وتقدمنا برد خطي ومازلنا في انتظار قرار الوزارة الإسرائيلية”، لكن الأخيرة أصدرت بيانا في الثامن والعشرين من يوليو الماضي، أعلنت من خلاله سحب التراخيص القائمة من الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان، ومنحهما ترخيصا مؤقتا لسنة تدريسية واحدة من أجل التعامل مع الكتب التدريسية. وذكر أن السلطات الإسرائيلية عمّمت لاحقا رسالة على باقي المدارس في القدس الشرقية، تدعوها إلى الاعتبار بما حدث مع مدارس الإيمان والإبراهيمية، وتفادي أي إشكالية في السنة الدراسية القادمة باستعمال الكتب الصادرة عن وزارة التعليم الإسرائيلية، وعدم استعمال الكتب الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. وأثار القرار الإسرائيلي موجة استياء في القدس الشرقية، ولكن الفلسطينيين أدركوا أن معركة الحفاظ على المنهاج الفلسطيني في مدارسهم دخلت مرحلة جديدة.
مشاركة :