بقلم: د. غريب جمعة الحلقة الثالثة السادسة: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ» لما أشارت الجملة السابقة إلى أن الشافاعة تكون لدى الله الحكم العدل جاءت هذه الجملة لتبين السبب في إنكار أن يشفع عند الله أحد إلا بإذنه وهو: أن يعلم كل شيء من أمور الدنيا التي خلفوها وأمور الآخرة التي يستقبلونها، فلا يمكن أن يخفى عليه من أمور المشفوع فيه ما يجعله ينزل على حكم الشافع فهو تعالى كما هو منزه عن الظلم منزه عن الجهل لذلك قال تعالى: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ». وما ورد من أحاديث الشفاعة فهو محمول على الدعاء الذي يفعل الله تعالى عنه ما سب في علمه الأزلي أنه سيفعله. هذا مع القطع بأن الشافع لا يغير من علمه شيئًا ولا يحدث تأثيرًا في إرادته. وبذلك تظهر كرامة الله لعبده بما أوقع من الفعل عقب دعائه (قاله شيخ الإسلام بن تيمية (1)) السابعة: «وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء» أي ولا يطلع أحد على شيء من علم الله إلا بما أعلمه إياه عزوجل وأطلعه عليه، ومن تلك الأشياء الشفاعة فهي متوقفة على إذنه تعالى وإذنه لا يعلم إلا بوحي منه جل جلاله. والله تعالى واسع الملك والقدرة والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه يحيط علمه بجميع ما في السماوات والأرض ويعلم صغار الأمور وكبارها ودقيقها وعظيمها لا يشغله سمع عن سمع ولا يشق عليه أمر. الثامنة: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ». نسمع علماء الفلك وغيرهم يقولون اكتشفنا النجم الفلاني والكوكب الفلاني وأمواجًا من الطاقات مترامية في أبعادها يرونها خيالًا من الخيالات، وما هي إلا حقائق ماثلة بين أيديهم. ولكن ما يدخل في حدود الفكر الإنساني إن هو إلا في حدود ما يتصور ولكن هناك مسافات وأبعادا فوق الحدود والتصور وفوق المقادير المعروفة، وفوق المسافات التي تدرك، حدود لا نهاية لها إلا في علمه تعالى وإحاطة العلماء بشيء منه مما وصلوا إليه ومما سيصلون إليه إن هو إلا ما شاء الله لهم وسوف يرون ما هو أدهش وأعجب «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ..» وكل ذلك محاط بسعة كرسي الله الذي يقول فيه «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ». وقد تعددت الأقوال والآراء في قوله تعالى: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ» هل هو علم الله أو ملك من الملائكة أو جسم كثيف أو لطيف إلى آخر هذه الأقوال. وخير لنا ان نختار بين رأي السلف الصالح فنسلم ونقول: له تعالى كرسي كما أنبأ عن نفسه ولا ندري كنهه ناظرين إلى ذلك في دائرة «ليس كمثله شيء» أو نتبع رأي الخلف فنقول كما قيل في الاستواء على العرش، أن ذلك تمثيل لملك الله على حد ما يعرفه الناس من شأن الملوك. وكاتب هذه الصفحات يأخذ برأي السلف الصالح رضي الله عنهم فهو أسلم ورضي الله عن الإمام الشافعي الذي كان يقول: «آمنت بكلام الله على مراد الله». (الكرسى: الياء لغير النسب وهو مشتق من الكِرس وهو الجمع ومنه الكراسة للصحائف الجامعة للعلم). (وإلى حلقة قادمة إن شاء الله)
مشاركة :