مع أعظم آية في كتاب الله

  • 8/5/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم‭: ‬د‭. ‬غريب‭ ‬جمعة‭ ‬   الحلقة‭ ‬الثانية وكيف‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬الحي‭ ‬القيوم‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬أصغر‭ ‬ذرة‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬مجرة‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬بعلمه‭ ‬وإرادته‭ ‬وحفظه‭ ‬ورعايته،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬القيوم‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬جلال‭ ‬قيوميته‭ ‬وكبير‭ ‬هيمنتها‭ ‬وسلطانها‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬كافة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬عوالمه‭ ‬سواه‭ ‬سبحانه‭ ‬ولو‭ ‬غفل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬وطرفة‭ ‬عين‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لتداعي‭ ‬كله‭ ‬بعضه‭ ‬فوق‭ ‬بعض‭ ‬وزال‭ ‬تماما‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬الجملة‭ ‬التالية‭ ‬وهي‭:‬ الثالثة‭: ‬‮«‬لاَ‭ ‬تَأْخُذُهُ‭ ‬سِنَةٌ‭ ‬وَلاَ‭ ‬نَوْمٌ‮»‬‭: ‬ لما‭ ‬كانت‭ ‬حياة‭ ‬الحي‭ ‬وقيومية‭ ‬القيوم‭ ‬لا‭ ‬تدل‭ ‬بطريق‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬التيقظ‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬وانتفاء‭ ‬الغفلة‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬لتصفه‭ ‬تعالى‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬تأخذه‭ ‬سنة‭ ‬ولا‭ ‬نوم،‭ ‬أي‭ ‬حياته‭ ‬وقيوميته‭ ‬لا‭ ‬تفترقان‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغاليه‭ ‬سنة‭ ‬وهي‭ ‬تباشير‭ ‬النوم‭ ‬ومقدماته‭ ‬حينما‭ ‬يقبل‭ ‬على‭ ‬الجفون‭ ‬فيداعبها‭ ‬وعلى‭ ‬الشعور‭ ‬فيخدره‭ ‬ولا‭ ‬نوم‭ ‬وهو‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬قهرًا‭ ‬للأحياء‭ ‬وغلبة‭ ‬عليهم‭ ‬واخذالهم‭.‬ يقول‭ ‬صاحب‭ ‬تفسير‭ ‬التحرير‭ ‬والتنوير‭:‬ ‮«‬ونفى‭ ‬استيلاء‭ ‬السنة‭ ‬والنوم‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬تحقيق‭ ‬لكمال‭ ‬الحياة‭ ‬ودوام‭ ‬التقدير‭ ‬وإثبات‭ ‬لكمال‭ ‬العلم،‭ ‬فإن‭ ‬السنة‭ ‬والنوم‭ ‬يشبهان‭ ‬الموت‭ ‬فحياة‭ ‬النائم‭ ‬في‭ ‬حالهما‭ ‬حياة‭ ‬ضعيفة‭ ‬وهما‭ ‬يعوقان‭ ‬عن‭ ‬التدبر‭ ‬وعن‭ ‬العلم‭ ‬بما‭ ‬يحصل‭ ‬وقت‭ ‬استيلائهما‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬ونفي‭ ‬السنة‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬عن‭ ‬نفي‭ ‬النوم‭ ‬عنه‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬تعتريه‭ ‬السنة،‭ ‬فإذا‭ ‬نام‭ ‬نام‭ ‬نومًا‭ ‬عميقًا‭ ‬ومن‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬تأخذه‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬وقت‭ ‬النوم‭ ‬غلبة‭ ‬عليه‮»‬‭ ‬أهــ‭(‬1‭).‬ لذلك‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الجمع‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬النفي‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭.‬ الرابعة‭: ‬‮«‬لَّهُ‭ ‬مَا‭ ‬فِي‭ ‬السَّمَاوَاتِ‭ ‬وَمَا‭ ‬فِي‭ ‬الأَرْضِ‮»‬‭.‬ جاءت‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬لتقرير‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬الحقيقي‭ ‬ينفرد‭ ‬به‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬دون‭ ‬سواه‭ ‬وتقرير‭ ‬الملك‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬إثبات‭ ‬الحياة‭ ‬والقيويمة‭.‬ وخسر‭ ‬وخسئ‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬لسواه‭ ‬سبحانه‭ ‬ملك‭ ‬ذرة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الذرة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬العوالم‭ ‬إيجادًا‭ ‬وإعدامًا‭ ‬أو‭ ‬زوالاً‭ ‬وبقاء،‭ ‬أو‭ ‬تصريفًا‭ ‬وتحويلاً‭ ‬أو‭ ‬تغييرًا‭ ‬وتبديلًا‭ ‬تعالى‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬علواً‭ ‬كبيرًا‭.‬ الخامسة‭: ‬‮«‬مَن‭ ‬ذَا‭ ‬الَّذِي‭ ‬يَشْفَعُ‭ ‬عِندَهُ‭ ‬إِلاَّ‭ ‬بِإِذْنِهِ‮»‬‭:‬ جاءت‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬لتنكر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لأحد‭ ‬أمر‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الحي‭ ‬القيوم‭ ‬المالك،‭ ‬فقد‭ ‬كانو‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتخذونه‭ ‬من‭ ‬آلهة‭ ‬سيكونون‭ ‬شفعاءهم‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬فأنكر‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬شفاعة‭ ‬الشافع‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عند‭ ‬سلطان‭ ‬عادل‭ ‬أو‭ ‬سلطان‭ ‬جائر،‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬عند‭ ‬سلطان‭ ‬عادل‭ ‬فشأن‭ ‬الشافع‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬له‭: ‬إنك‭ ‬فعلت‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭ ‬اعتقادًا‭ ‬منك‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬المصلحة‭ ‬ولكني‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬أشفع‭ ‬فيه‭ ‬معذور‭ ‬بكذا‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يقصد‭ ‬كذا،‭ ‬فإن‭ ‬قبل‭ ‬منه‭ ‬صاحب‭ ‬السلطان‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬علم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعلم‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬المشفوع‭ ‬فيه‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬هو‭ ‬الجهل‭ ‬بعينه‭.‬ وإن‭ ‬كانت‭ ‬الشفاعة‭ ‬عند‭ ‬سلطان‭ ‬جائر‭ ‬فيجوز‭ ‬أن‭ ‬يقبلها‭ ‬ويترك‭ ‬الذنب‭ ‬لأجل‭ ‬مرضاة‭ ‬الشفيع‭ ‬وذلك‭ ‬إفساد‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬ ‭ ‬وكذا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬أحد‭ ‬يشفع‭ ‬أي‭ ‬شفاعة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬وكيفما‭ ‬كانت‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يأذن‭ ‬الله‭ ‬ويرضى‭ ‬وهي‭ ‬شفاعة‭ ‬موقوتة‭ ‬موزونة‭ ‬مقدرة‭ ‬بتقديره‭ ‬وإرادته‭ ‬وعلمه‭ ‬وقدرته‭.‬ ومن‭ ‬شفع‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬إنما‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬الشافع‭ ‬وإنما‭ ‬هذا‭ ‬الإذن‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬شرف‭ ‬الشافع‭ ‬وجلاله‭ ‬عند‭ ‬ربه‭ ‬وحبه‭ ‬له‭ ‬وتقديره‭ ‬وإلا‭ ‬فالشافع‭ ‬والمشفع‭ ‬هو‭ ‬منه‭ ‬وإليه‭ ‬تعالى‭ ‬وليس‭ ‬لسواه‭ ‬من‭ ‬شفيع‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬ستنال‭ ‬المشفوع‭ ‬له‭ ‬بلا‭ ‬ريب‭.‬ ‭(‬وإلى‭ ‬حلقة‭ ‬قادمة‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭) ‬

مشاركة :