تونس: المنجي السعيداني تواصلت مشاورات اللحظات الأخيرة لاختيار رئيس حكومة جديدة في تونس دون التوصل الحقيقي إلى نور في آخر النفق. ومثل قبول مصطفى الفيلالي تولي المهمة ثم تراجعه بعد فترة زمنية قصيرة مفاجأة لكل الطبقة السياسية. وكان الفيلالي أول من تولى حقيبة وزارة الفلاحة بعد الاستقلال سنة 1956 قد وافق في البداية على تولي المنصب إلا أنه رفض الأمر وقال: إن «القرار نهائي لا رجعة فيه». ورغم تصريحات «النوايا الحسنة»، لا يزال مصير الحوار الوطني في تونس متأرجحا بين خيار مصطفى الفيلالي الرافض لتولى المنصب، وبين أحمد المستيري الذي يلاقي ترشحه اعتراضا منن قبل بعض الأحزاب المعارضة. وفي صورة التوافق على رئيس جديد للحكومة، فإن سلة المشاكل والعوائق لن تنتهي وستواصل تأرجحها، حيث ستصطدم بتأزم المسار الانتخابي (تشكيل هيئة الانتخابات والتصديق على القانون الانتخابي وتحديد موعد إجراء الانتخابات) والمسار الدستوري (الانتهاء من صياغة الدستور) وأعلن حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) خبر التوصل إلى اتفاق حول رئيس الحكومة قبل أن يصرح الفيلالي على أمواج إحدى الإذاعات المحلية بأنه «لم يترشح ولا يقبل بهذه المهمة» وبرر رفضه بعوامل كثيرة من بينها تقدمه في السن وجسامة المسؤولية ومشاكل البيئة السياسية وعدم وضوحها. وهدد أكثر من طرف سياسي بالانسحاب من الحوار وفندت قيادات الجبهة الشعبية المعارضة التي يقودها حمة الهمامي خبر الانسحاب من الحوار وقال الجيلاني الهمامي القيادي بحزب العمال أحد أهم مكونات الجبهة الشعبية أن حزبه يتدارس كل الخيارات الممكنة قبل انتهاء المهلة المحددة للفصل في مآل الحوار. وتمسكت الأحزاب السياسية المهيمنة على الساحة السياسية بمواقفها السابقة وعادت حركة النهضة والتكتل الديمقراطي من العمل والحريات شريكها في الحكم، إلى خيار أحمد المستيري (88 سنة). وفي هذا السياق، قال زياد العذاري المتحدث باسم حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» بأن «الحركة متمسكة بالوصول إلى توافق وطني حول اسم رئيس الحكومة القادمة قبل انتهاء الحوار الوطني»، واستبعد فشل الحوار وتوقع الإعلان عن المرشح القادم لرئاسة الحكومة منتصف نهار اليوم. وعادت حركة النهضة في المقابل لتبني خيار أحمد المستيري السياسي التونسي الذي عارض نظام بورقيبة نهاية عقد السبعينات، واقترحت إضافة بعض التحسينات على مستوى تركيبة الحكومة. ويحظى ملف ترشح أحمد المستيري لرئاسة الحكومة، بموافقة 115 نائبا بالمجلس التأسيسي (البرلمان) وقد مضوا على عريضة ويدعمهم الحزب الجمهوري في هذا الاختيار ولا واصلت أقلية منحصرة في الجبهة الشعبية وحركة نداء تونس اعتراضها على أحمد المستيري. ومن ناحيته أشار عصام الشابي القيادي في الحزب الجمهوري المعارض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لدى الفرقاء السياسيين تصميم على إنهاء ملف رئاسة الحكومة، وقال: إنهم «لن يغادروا طاولة الحوار قبل التوافق حول اسم رئيس الحكومة القادمة». وكانت سبعة أحزاب كبرى قد اجتمعت بقيادات الرباعي الراعي للحوار واتفقت على تولي مصطفى الفيلالي لتولي المهمة إلا أنه رفض قبول المهمة في اللحظات الأخيرة. من ناحية أخرى، شرع المجلس التأسيسي (البرلمان) يوم أمس في مناقشة مشروع قانون العدالة الانتقالية، وتزامن ذلك مع وقفة نظمتها بعض المنظمات احتفاء بانطلاق هذا المشروع وطالبت بمعرفة كل الحقيقة حول انتهاكات حقوق الإنسان في تونس. ووجه محمد كمال الغربي رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية مجموعة من الانتقادات لهذا القانون الجديد وقال لـ«الشرق الأوسط»، بأن إدراج قانون تحصين الثورة صلب قانون العدالة الانتقالية على سبيل المثال غير مجد وهو سيعطل هذا القانون. وأشار من ناحية أخرى، إلى أن تركيبة لجنة التحكيم والمصالحة بالصيغة المقدمة في المشروع الحالي تخول شراء صمت الضحايا والتحكيم والمصالحة في الجرائم الجسيمة في حقوق الإنسان مثل القتل والاغتصاب والتعذيب. ويتضمن مشروع القانون الجديد للعدالة الانتقالية 77 فصلا قانونيا ومحورين يتعلق الأول بالمبادئ العامة لأسس العدالة الانتقالية أما المحور الثاني فيهتم بإحداث «هيئة الحقيقة والكرامة» وهي التي ستشرف على مسار العدالة الانتقالية. وحدد مشروع القانون مدة عمل هيئة الحقيقة والكرامة بأربع سنوات ويمكن التمديد لها لمدة سنة واحدة وهي تتركب من 15 عضوا يختارهم أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان).
مشاركة :