كرة الثلج تتدحرج.. الحرب الإثنية تقترب

  • 8/14/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

15 أغسطس 2021 هو تاريخ مفصلي؛ يمثل نهاية الحرب التي دامت 20 عاماً في أفغانستان، كما زعمت الإدارة الأميركية، عندما انسحبت تاركة أسلحة تقدر بمليارات الدولارات، ودولة أفغانية هشة وانقسامات إثنية، وبؤر عرقية. حركة طالبان أعادت تموضعها على الفور، واستمرت في سياستها بإعطاء العرقية البشتونية الأولوية في السيطرة على مراكز صناعة القرار في المشهد الأفغاني الجيد، وحرصت طالبان من اليوم الأول، على تجاهل العرقيات والإثنيات الأفغانية في تركيبة الحكومة التي شكلتها، فضلا عن إبعادها ايضا لقيادات طالبانية من الطاجيك والأوزبك من صناعة القرار، وأدى ذلك لحدوث حالة تمرّد صامت قام بها مقاتلون من الأقليات العرقية خاصّة في الأقاليم الشمالية، في مؤشر على التآكل من الداخل، وصعود القومية البشتونية مجددا وخروج الأقليات العرقية من الحركة، وعدم قدرتها على تحقيق الاستقرار في نظام إدارة الدولة، وتُعتبر الانقسامات والتوازنات العرقية العميقة في أفغانستان، أحد المحرّكات الرئيسة لعقود من الحرب والتدمير التي أدت لعدم نجاح أي محاولة للعمل المؤسسي الممنهج لقطاعات الدولة، ويعارض الأوزبك والطاجيك، وغيرهم من الأقليات العرقية في الأقاليم الشمالية، طالبان التي يُسيطر البشتون عليها كونهم مستبعدين من تركيبة الحكم، ومع ذلك، انضم بعض أعضاء الجماعات العرقية الشمالية في فترة سابقة إلى الحركة، ولعبوا دورًا مهمًا في سيطرتها على البلاد العام الماضي، وتعتبر الانقسامات الإثنية بمثابة، كرة الثلج التي تزداد تعاظما ويتردد صداها عبر صفوف طالبان غير البشتونية، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب أهلية وانهيار الحكومة التي شكلتها طالبان والتي لم تتضمن كافة الأقليات العرقية، وفق مطالبات الغرب مقابل الاعتراف بالحركة. في 7 سبتمبر الماضي، شكّلت طالبان حكومتها، وضمّت معظم أعضائها من القومية البشتونية ومن لونٍ طالباني واحد، ودفع هذا الواقع بالمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة، وبات واضحا أن طالبان عام 2022 ما زالت تضم تياراً إيديولوجيا واحداً، في ما يتصل بطرق إدارة الدولة وطبيعة العلاقات مع المجتمع الدولي، حيث تصر في المضي في الحكم وفق الرؤية الإيدولوجية المتطرفة وبسيطرة القومية البشتونية عبر تيار الحرس القديم الذي يقوده قادة ومقاتلون من حراس المدرسة الطالبانية القديمة، ويمثله جناح سراج حقاني ويعقوب ابن عمر، ويقف بمواجهة تيار سياسي معتدل إلى حد كبير، والذي برز للوجود عبر جولات المفاوضات الطويلة في قطر 2020 - و2021، بحرسه الجديد وفكره المتغير. هذا التفاوت في الفكر الطالباني وعدم التناغم ساهم بانقسام أو الغاء فكرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الشاملة لكل الأطياف وتأخير الاعتراف الدولي بها، حيث أعلنت عن تشكيل حكومة تصريف أعمال تتكون من عناصر الحرس القديم للحركة، مانحة عدة مناصب عليا لشخصيات يترأسها محمد حسن آخوند، الطاعن في السن والذي يعيش معظم وقته في قندهار. ولم تستطيع هذه الحكومة تطمين الداخل وإرضاء الخارج، حول توجهاتها، ومدى استيعابها للمتغيرات المحيطة بها، وقابليتها للتعايش، ومدى قدرتها على اكتساب الشرعية والاعتراف من المجتمع الدولي. المواقف الدولية بدت في طابعها العام حَذِرة من طالبان منذ اللحظة الأولى، وما زالت تنتظر وعود تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة. وبحسب مصدر افغاني رفيع مستقل فإن الوضع في أفغانستان ما زال يراوح مكانه من 15 أغسطس الماضي حتى اليوم، مؤكداً خلال حديثه لـ"الرياض" طالباً عدم ذكر اسمه: فإن "اقتصاد الدولة متدهور للغاية والوضع المعيشي مترهل، وليس هناك دولة تحكم أفغانستان عبر الطريقة التقليدية، ومخالفة طالبان لنصائح القوى العالمية بضرورة تمثيل الحكومة كل أطياف المجتمع الأفغاني، أصاب الدول المعنية بالشأن الأفغاني بخيبة الأمل من إمكانية تغيير طالبان لسلوكها، خصوصا أن طالبان تشكلت حصراً من أفراد ينتمون للبشتون أو مقربين منها، حيث بدأت الخلافات الجوهرية تنخر جسد طالبان منذ عام 2015 بعد وفاة محمد عمر، حيث خرجت مجموعة من قياداتها إلى وسائل الإعلام على غير عادتها ورفضت تعيين أختر محمد منصور أميرًا لها، ونادت بتعيين ابن محمد عمر محمد يعقوب أميرًا لطالبان ( الذي يعتبر وزيرا للدفاع في الحكومة الطالبان)، ومذاك الحين والخلافات في تفاعل مستمر، و كانت سرًّا، لكنها وصلت اليوم إلى نقطة ظهرت فيها إلى العلن، وما زال التصدع آخذا في الازدياد؛ فقد بدأت أصوات مختلفة تتصاعد بين قادة طالبان تنتقد أوامر الله آخوند زاده، زعيم الخصوص من جناح سراج الدين حقاني ويعقوب. وكان المراقبون يعتقدون أنه عندما عادت طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، أن نهجها في الحكم لربما يصبح أكثر اعتدالا من ذي قبل، إلا أن الواقع بعد مرور عام لا يعطي أي مؤشر حول ذلك. وما زالت، تتنازع الفصائل لنيل المكاسب وتقسيم الكعكة للقيادات العتيدة. في المقابل، تنفي طالبان على لسان المتحدثين باسمها بأنه لا وجود أي خلافات أو انقسامات داخل أروقتها، وتصر على أن الحركة لا تزال موحدة بقوة. ولا تزال معظم الفصائل داخل طالبان موالية لابن عمر الذي تولى القيادة العام 2016، الذي يسيطر على مقاليد الحكم مع حقاني الذي يرأس وزارة الداخلية، رغم سعيها الصوري لإظهار نفسها ككيان متحد أمام المجتمع الدولي. فمنذ اللحظة التي استولت فيها طالبان على السلطة، حدثت اشتباكات داخل قيادتها. وعلى الرغم من النجاح الذي حققه عبدالغني برادر في قيادة طالبان، فقد تم تخفيض رتبته إلى منصب ثانوي كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، يتمتع حقاني بسلطة واسعة وثقة القيادة العليا، وعلى الرغم من بقائها في السلطة لمدة عام، فشلت طالبان في إظهار القدرة على حكم البلاد بفعالية، وتواجه حكومة طالبان تحديات تراكمية اقتصادية. ومن غير المرجح أن تتغلب عليها في المستقبل طالبان، والتي تحركها إيديولوجيتها المتطرفة وموقفها المتطرف حيث تتجه نحو مزيد العزلة الدولية بسبب رفضها الانخراط في حوار موثوق ومفتوح مع العالم الخارجي، وتقديم ضمانات أمنية للبلدان المجاورة، والتعاون بحسن نية في مكافحة الإرهاب". وبحسب قائد أفغاني سابق طلب عدم ذكر اسمه فان الحاضنة القبلية تحكُمّ بالإيدولوجية المتطرفة، ولن تسمح بحدوث تغيير في سياسات الحركة التي تنحدر من عرقية البشتون كبرى التكوينات القبلية في أفغانستان (نحو 42–45 % من إجمالي السكان)، الذين يتموضعون في مناطق واسعة من شرق وجنوب البلاد، تصل إلى نحو 50 % من مساحة أفغانستان؛ ما جعلها تتمتع بحاضنة اجتماعية راسخة مكنتها من احتواء الصدمات الأمنية والعسكرية التي تعرضت لها طوال العقدين الماضيين. وحول السيناريوهات القادمة المرتقبة، قال القائد الأفغاني لـ"الرياض": "سيناريو تفجر الحرب الأهلية هو الأكثر ترشحا في المستقبل، خصوصا أن القبائل الطاجيكية والأزبكية في الشمال تغلي، لا سيما أن التحالف الشمالي السابق ما زال يرغب في المقاومة في ولاية بنجشير لاستعادتها من طالبان". وينتشر الخوف وخيبة الأمل لدى قطاعات واسعة من الأفغان مع عدم وجود أفق للإصلاح مع استمرار الفوضى، فضلا عن عدم وجود جيش أفغاني نظامي، بعد انهيار نظام غني وتفكك القوات المسلحة الأفغانية وقوات الأمن التي افتقرت أساسا إلى القدرات الكافية والاستقلالية المطلقة، على الرغم من إنفاق الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (مليارات الدولارات على مدى السنوات العشرين الماضية لتدريب قوات الأمن الأفغانية وتجهيزها). وفي المحصلة النهائية، يبقى الوضع في أفغانستان مفتوحاً على احتمالات متعددة بسبب غموض وضبابية الأوضاع الراهنة، ويبقى السؤال.. ما الذي ينتظر أفغانستان في المستقبل؟ منذ سيطرة طالبان وأوضاع أفغانستان متدهورة

مشاركة :