مع ساعات الفجر الأولى يصطحب المزارع الستيني عادل حيدر أفراد عائلته السبعة قاصدا هضبته الصخرية الوعرة المزروعة بنبات السماق والمطلة على مجرى نهر الحصباني بجنوب لبنان ليتعاون الجميع في حصاد عناقيدها اليانعة والتي بدت حمراء داكنة محاطة بأوراق خضراء مزخرفة. المزارع حيدر والذي كان يعتمر قبعة من القش اتقاء لأشعة شمس أغسطس الحارقة أوضح لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن موسم حصاد النباتات الصيفية يبدأ عادة مع مطلع أغسطس ويستمر نحو شهرين. وقال النباتات الصيفية وبينها الزعتر والسماق والخروب هي زراعات حرجية قديمة العهد في لبنان وغير مكلفة على الإطلاق لأنها تنمو في الأراضي الوعرة خارج أي عناية مثل الري والحراثة والاسمدة والمبيدات، ومن طبيعة هذه النباتات التكيف مع عوامل الطقس فالحشرات تنفر منها ولا تقربها ولا تؤثر بها مختلف أنواع الفطريات. وأضاف "من ميزات نبات السماق مثلا أنه يتكاثر عاما بعد عام من خلال بذوره التي تنبت بمفردها وبشكل مكثف دون اية عناية ليزداد الانتاج سنويا بنسبة 15 % لينعكس ارتفاعا في دخلنا بحوالي الـ20 %". ولفت إلى أن الزراعات الصيفية باتت محط اهتمام المزارعين والجهات الزراعية المعنية والبلديات وهناك توجهات جدية لتعزيزها نتيجة لربحيتها المؤمنة بعيدا عن اية رعاية أو تكاليف. وأشار إلى أن سعر الكيلو غرام من السماق البلدي الجاهز تجاوز هذا العام الـ15 دولارا (يشار إلى أن سعر الدولار الأمريكي الواحد حسب مصرف لبنان المركزي يعادل 1507.5 ليرة لبنانية، في حين يصل السعر في السوق الموازية غير الرسمية نحو 30 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد) ويفوق الطلب عليه المعروض ليسد النقص عبر استيراد كميات كبيرة من الخارج. من جهته، قال مدير مكتب وزارة الزراعة بجنوب لبنان اسماعيل أمين لـ((شينخوا)) إن الزراعات النباتية الصيفية وضعت على سكة العناية وباتت تحظى في هذه الفترة باهتمام واسع عبر خطة تهدف لتوسيع زراعتها باستغلال المساحات الجرداء الوعرة حيث زادت المساحات المزروعة بهذه النبات حوالي 25 % خلال السنوات الثلاث الماضية، وان هذه المساحة يمكن ان تتضاعف في ظل المساعي الحثيثة الهادفة لتنشيط وتعزيز هذه الزراعة. ومن ضمن مشروع إعادة احياء الزراعات التقليدية ذات الفائدة الغذائية والمردود المادي السريع، اطلق اتحاد بلديات جبل عامل بجنوب لبنان الذي يضم 16 بلدية مشروعا لتعزيز وتوسيع زراعة السماق والزعتر بحيث نظم الورش الزراعية التى تضمنت ندوات تثقيفية وأعمال تطبيقية حول هذه الزراعات وكيفية التعامل معها. وأشار رئيس الاتحاد علي رمال إلى أن المشروع يهدف إلى احياء هذه الزراعات التي لها مردود اقتصادي وغذائي كبيرين ولا تأخذ من المساحات الزراعية المروية وليست بحاجة للمياه وتؤمن دخلا اضافيا للعائلات يتفاوت بين 1000 إلى 5000 دولار للعائلة الواحدة. ويشير آخر احصاء لوزارة الزراعة اللبنانية إلى أن المساحات المزروعة بنبات السماق تقدر بحوالي 850 ألف دونم معظمها في المناطق الجرداء بجنوب لبنان وانتاجها السنوي بحدود 145 الف طن. ويدخل السماق في صنع الكثير من التوابل ويضاف إلى العديد من الوجبات، كما يستخدم في انتاج عدة أنواع من الصباغ ويدخل في تحضير مجموعة من الأدوية والمراهم. ونبات الزعتر يصفه المزارعون بـ"الذهب الأخضر" نتيجة لمردوده المربح والمضمون بعيدا عن الجهود المضنية والعناية المرهقة، وقد شهد اقبالا لزراعته في معظم المناطق بجنوب لبنان. المهندس الزراعي أحمد حيدر الذي يشرف على مجموعة حقول مزروعة حديثا بالزعتر في منطقة الوزاني بجنوب لبنان قال لـ((شينخوا)) إن هذه الزراعة تعتمد كزراعة بديلة لخلق مداخيل إضافية للمزارعين، ومن ايجابياتها انها تعطي مردودا انتاجيا من السنة الأولى. وأضاف أن الدونم الواحد من الأرض يستوعب ما بين 4000 إلى 5000 شتلة زعتر انتاجها السنوي يتجاوز الـ 500 كيلو غرام ليشكل مورد رزق خاصة وان سعر كيلو غرام الزعتر تجاوز الـ 250 ألف ليرة لبنانية، وينتج لبنان حسب احصاء وزارة الزراعة 15 ألف طن سنويا. اما زراعة أشجار الخروب فعادت لتزدهر من جديد في جنوب لبنان مستفيدة من اهتمام العديد من البلديات التي نفذت بالتنسيق والتعاون مع جهات دولية ومحلية مانحة أعمال تشجير مكثفة من ضمن مشروع بيئي يهدف لتوسيع رقعة المساحات الخضراء، لتحتل هذه الشجرة حيزاً مهماً من هذه الحملات. وقد غرست آلاف الأشجار من الخروب عند جوانب الشوارع والطرق الرئيسة والمشاعات البلدية والعامة وفي أملاك خاصة لتصبح من المصادر المهمة في دخل المزارعين والبلديات والتي بدأت باستثمارها لتنمية صناديقها المالية عن طريق بيعها عبر المناقصة بالظرف المختوم. وأشارت احصائية وزارة الزراعة اللبنانية إلى أن الخروب يحتل مساحة حوالي 300 هكتار، انتاجها السنوي يتجاوز 3100 طن. وأضافت الإحصائية أن في لبنان حوالي 60 معصرة لإنتاج دبس الخروب، أكبرها وأحدثها واحدة اقامتها الجمعية التعاونية الزراعية في بلدة عربصاليم بتمويل من جمعيات ومؤسسات مانحة بتكلفة حوالي 60 ألف دولار ولها قدرة إنتاج تصل إلى مائة طن من الدبس وبنوعية عالية الجودة. وقال أحمد منير أحد تجار الخروب لـ((شينخوا)) إن هذه الزراعة بدأت تلقى اهتماما رسميا وشعبيا لربحيتها في ظل تدني مصاريفها. ولتنشيط هذه الزراعة بادرت بلدية عربصاليم بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية المحلية بزراعة 80 دونما من مشاعات البلدية بهذه الأشجار التي تدر على صندوقها البلدي دخلا سنويا مقبولا بعدما ارتفع سعر الكيلو غرام منه من 10 آلاف إلى 50 ألف ليرة لبنانية مع ازدياد الطلب على ثمارها. وأوضح المزارع جاد الله عطوي لـ((شينخوا)) أنه بعد صناعة الدبس من الخروب يتم تحويل البقايا الناتجة عن العصر إلى سماد زراعي أو علف للحيوانات، كما يستفاد من بذور الخروب في صناعة أدوية التجميل حيث تصدر إلى فرنسا بسعر 30 دولاراً للكيلو غرام الواحد، مشيرا إلى أنه يحضر من الخروب نوع من الشراب ومسحوق يوازي مسحوق الكاكاو. وأشارت اخصائية التغذية ليندا أبو غصن لـ((شينخوا)) إلى أن للنباتات الصيفية فوائد صحية متعددة لغناها بالكالسيوم وفيتامين سي، كما تسهم في علاج العديد من الأمراض ومنها خفض مستوى الكوليسترول في الدم ومعالجة مشاكل الاسهال والنزلات الصدرية والتهابات الحنجرة وتعتبر فاتحا للشهية وتبعث الحيوية والقوة والنشاط في الجسم. ويشكل القطاع الزراعي في لبنان ثالث أهم القطاعات الاقتصادية بعد قطاع الخدمات والصناعة كما يُساهم بقرابة 7 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويؤمن دخلا لحوالي 15 % من السكان، وتشمل المحاصيل الزراعية الرئيسة القمح والشعير والفاكهة والخضار والزيتون والعنب والتبغ.
مشاركة :