منذ إصدار مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني فتوى تجيز هدر دمه عام 1989 بعد صدور روايته الشهيرة “آيات شيطانية”، سعى الكاتب البريطاني الهنديّ الأصل سلمان رشدي إلى تبديد الصورة التي علقت في أذهان الناس والتي تظهره مجرد هارب من فتوى تهدر دمه، وترسيخ بدلها صورة مفكر حر. وقال هذا المفكّر الحرّ الذي يحدد نفسه ككاتب وليس كرمز وأصيب بجروح بالغة في هجوم طعنا بسكين الجمعة في ولاية نيويورك، إن “مشكلتي هي أن الناس ما زالوا ينظرون إليّ من منظار الفتوى فقط”. وقالت الشرطة الأميركية إن “رشدي تلقى يوم الجمعة طعنات في الرقبة والبطن وهو على المنصة خلال محاضرة في ولاية نيويورك الأميركية ونُقل جوا إلى المستشفى”. وبعد جراحة دامت ساعات تم وضع رشدي على جهاز تنفس صناعي مساء الجمعة في أعقاب هجوم ندد به كتّاب وساسة في جميع أنحاء العالم باعتباره اعتداء على حرية التعبير. وقال آندرو ويلي وكيل أعمال رشدي “الأنباء ليست طيبة… من المرجح أن يفقد سلمان إحدى عينيه. أعصاب ذراعه انقطعت وأصابت الطعنات كبده”. بعد تنامي التطرف الإسلامي ترسّخت صورة رشدي كرمز للكفاح ضدّ التطرف ولحرية التعبير، وهي صورة لازمته ووقع الهجوم بينما كان يتم تقديم رشدي لإلقاء محاضرة عن حرية الإبداع أمام المئات من الحاضرين في معهد شوتاكوا في نيويورك، حين انطلق رجل مسرعا صوب المنصة وسدد عدة طعنات للكاتب الذي رُصدت مكافأة منذ الثمانينات لمن يُجهز عليه. وبعد تنامي التطرف الإسلامي في السنوات الأخيرة ترسّخت صورة رشدي كرمز للكفاح ضدّ التطرف ولحرية التعبير، وهي صورة لطالما لازمته في الغرب. واعتبر رشدي عام 2005 أن الفتوى بحقّه كانت مقدمة لاعتداءات 11 سبتمبر 2001. وكتب في 2016 “لم تكن حالتي سوى تمهيد لظاهرة أوسع بكثير باتت تعنينا جميعا”. وروى في مذكراته بعنوان “جوزف أنطون” الصادرة عام 2012 كيف انقلبت حياته رأسا على عقب في 14 فبراير 1989 حين دعا آية الله الخميني مسلمي العالم إلى قتله إذ اعتُبرت روايته “آيات شيطانية” مسيئة للقرآن وللنبي محمّد. وانطلاقا من ذلك التاريخ اضطر إلى التواري والعيش في السريّة تحت حماية الشرطة، متنقّلاً من مخبأ إلى مخبأ تحت اسم مستعار هو جوزف أنطون، اختاره تكريما لكاتبيه المفضّلين جوزف كونراد وأنطون تشيخوف. عانى من العزلة، واشتدت وحدته إثر انفصاله عن زوجته الروائية الأميركية ماريان ويغينز التي أهدى إليها روايته “آيات شيطانية”. وكتب “إنني مكموم الفم ومسجون … أودّ أن ألعب كرة القدم مع ابني في المنتزه. حياة طبيعيّة، عاديّة، حلم مستحيل عليّ”. لكن اعتبارا من عام 1993 ضاعف السفر والظهور العلني وقد سئم أن يكون “رجلا خفيّا”، فيما أبقت الحكومة البريطانية على مراقبته. ومع انتقال الكاتب إلى الإقامة في نيويورك استعاد حياة شبه طبيعية واصل فيها الدفاع في كتبه عن الحق في التهكم وفي انتقاد الأديان. ولم ترفع الفتوى بحقّه وتعرض العديد من مترجمي روايته لهجمات أصيبوا فيها أو حتى قتلوا على غرار الياباني هيتوشي إيغاراشي الذي قضى طعنا بخنجر عام 1991. ورغم ذلك قال رشدي في خريف 2018 “مضت ثلاثون سنة. الآن كلّ شيء على ما يرام. كان عمري 41 عاما في ذلك الوقت (عند صدور الفتوى)، عمري اليوم 71 عاما. نعيش في عالم تتبدّل فيه المواضيع ذات الاهتمام بسرعة كبيرة. هناك الآن دوافع أخرى تبعث على الخوف، أشخاص آخرون مطلوب قتلهم…”. اعتداء إرهابي عنيف على سلمان رشدي وحرية التعبير اعتداء إرهابي عنيف على سلمان رشدي وحرية التعبير وإذ يقول إنه غير سياسي، يؤكّد أن روايته “أسيء فهمها إلى حدّ بعيد”، موضحا “إنها في الواقع رواية تتحدث عن المهاجرين الآسيويين في جنوب لندن، ولم تكن ديانتهم سوى جانب من تلك القصّة”. وللمفكّر الواسع الثقافة الذي يعتبر من كبار أدباء الواقعيّة السحريّة، حوالي 15 مؤلّفا ما بين رواية وقصص للأحداث وقصص قصيرة ومقالات وكتابات نقدية، كتبها بالإنجليزيّة في حين أن لغته الأم هي الأردو. ولد سلمان رشدي في 19 يونيو 1947 في بومباي بالهند في عائلة من المثقفين المسلمين غير الممارسين للشعائر الدينية، عائلة ثرية وتقدميّة ومثقفة. قرأ بنهم الملاحم الهندية وشارك في الأعياد الهندوسية كما المسلمة والمسيحية. في الثالثة عشرة من عمره توجه إلى إنجلترا لإتمام دراساته. وبعد تخرّجه من جامعة كامبريدج عمل منتجا تلفزيونيّاً في باكستان غير أنه اصطدم برقابة متواصلة، فعاد إلى لندن حيث كسب عيشه في مجال الإعلانات. اشتهر إثر صدور روايته الثانية “أطفال منتصف الليل” التي فازت بجائزة بوكر عام 1981. وتلتها “العار” التي حازت جائزة أفضل كتاب أجنبي في فرنسا عام 1985، و”تنهيدة المغربيّ الأخيرة” و”الأرض تحت قدميها” و”شاليمار المهرّج” و”ساحرة فلورنسا” وغيرها. غالبا ما يتحدث رشدي، الذي يهوى الملاحم الخارقة، في مؤلفاته التخييليّة عن الهند وعلاقاتها مع الغرب، مندّدا بسقوط المعالم الذي يبلبل الغرب -حسب رأيه- منذ سنوات. كان رئيسا سابقا لمركز “بين” الأميركي للدفاع عن حرية التعبير. تزوج وطلّق أربع مرات آخرها مع الممثلة وعارضة الأزياء الهنديّة الأصل بادما لاكشمي التي طلقها عام 2007. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :