ما إن انقضت أيام قليلة على توقيع العقد الاجتماعي بين كل من رئاسة الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (اتحاد الأعراف) حتى غير اتحاد الشغل نبرة خطابه في اتجاه التصعيد والتلويح بالإضراب، ما يطرح تساؤلات عن الجهة التي تريد إحراج الأمين العام نورالدين الطبوبي الذي وقع على العقد وإظهاره بمظهر الطرف الضعيف الذي لا يمتلك القرار وأنه لا يعدو أن يكون مجرد واجهة. وقالت أوساط سياسية تونسية إن تصريحات الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري التي لوح فيها بالإضراب العام تكشف أن الخلاف داخل المنظمة النقابية قد خرج إلى العلن، وأن هناك مجموعات يسارية وقومية غير راضية عن توقيع الطبوبي على العقد الاجتماعي الذي يلزم الاتحاد بالتهدئة خلال المرحلة القادمة. وأشارت هذه الأوساط إلى أن هذه المجموعات تريد إفشال العقد الثلاثي بسرعة حتى لا يصبح حجة على اتحاد الشغل لدى أطراف داخلية وخارجية، وهو ما يمنعها لاحقا من تحريك الإضرابات والاعتصامات ضمن أجندة سياسية خاصة بها تقوم على توظيف الاتحاد والدفع به إلى التصعيد لتحقيق أهداف دعائية ضمن الصراع على المواقع بين المجموعات المختلفة داخل الاتحاد. المجموعات الأيديولوجية دأبت على نقض مواقف الطبوبي بالشكل الذي يجعله يبدو في موقف ضعيف وهامشي ورأت هذه الأوساط أن هذه المجموعات دأبت على نقض مواقف الطبوبي وتصريحاته بالشكل الذي يجعله يبدو في موقف ضعيف وغير قادر على الالتزام بالاتفاقيات، ما يدعو الأطراف الحكومية إلى البحث عن الأطراف الفاعلة للتفاوض معها وقراءة حساب لمطالبها وأجنداتها بدل التعاون مع قيادة منتخبة يفترض أن تكون صاحبة القرار. وسعى سامي الطاهري إلى التقليل من قيمة العقد الاجتماعي معتبرا أنه لا يعدو أن يكون سوى خطوة روتينية تجمع اتحاد الشغل واتحاد الأعراف بالحكومة، ويتم خلالها تحديد جدول جلسات الحوار الاجتماعي المقرر انطلاقه قريبا. وقال الطاهري في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية إن الحوار الاجتماعي المنتظر سيتمحور أساسا حول ملفين اثنين؛ يتعلق الأول بمضمون برقية الإضراب الصادرة في 16 يونيو الماضي، فيما يتعلق الثاني بجملة الإصلاحات التي تخص العديد من الملفات كالجباية والدعم وإصلاح المؤسسات العمومية. وعن مدى تفاؤل الاتحاد بتحقيق نتائج مرضية من هذا الحوار، قال الطاهري إن اتحاد الشغل لم يعهد من هذه الحكومة إلا عدم تطبيق الاتفاقيات والوعود التي لا تطبَّق. وأضاف أن اتحاد الشغل قد يذهب إلى الإضراب العام في أقرب الأوقات وفق مخرجات اجتماع الهيئة الإدارية التي أوكلت للمكتب التنفيذي تحديد موعده، وأن من المنتظر أن تصدر قريبا برقية إضراب ثانية تخص القطاع العام والوظيفة العمومية حول مطالب من بينها فتح المفاوضات في القطاع العام والوظيفة العمومية والزيادة في الأجر الأدنى وإصلاح المؤسسات العمومية. وتساءل مراقبون محليون عن مدى مصداقية الطبوبي بعد أن أمضى الاتفاق الثلاثي الجمعة ثم بدأ أحد مساعديه الاثنين يلوّح بالإضرابات على أكثر من واجهة؟ وهل سيكون الأمين العام للمنظمة النقابية قادرا على التوصل إلى اتفاقٍ مع الحكومة مُلزِمٍ وذي مصداقية؟ ويعتقد المراقبون أن اتحاد الشغل في حاجة إلى فهْم أن سياسة تعدد الوجوه والمواقف لن يسمح لها الرئيس قيس سعيد بالمرور ولا حكومته التي تختلف عن الحكومات السابقة التي ضغط عليها الاتحاد وحصل منها على تنازلات كثيرة زادت في تأزيم الوضع الاجتماعي وإثقال كاهل الدولة. وكان الطبوبي قد أشاد الجمعة بالاتفاق الثلاثي الذي وقعه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ورئيس اتحاد الأعراف سمير ماجول، وقال إن تونس لديها تجربة عريقة ورائدة في الحوار الاجتماعي، مشيرا إلى وجود اتفاقيات مشتركة وأنظمة أساسية تحل في إطار المجلس الوطني للحوار الاجتماعي. اتحاد الشغل في حاجة إلى فهْم أن سياسة تعدد الوجوه والمواقف لن يسمح لها الرئيس قيس سعيد بالمرور ولا حكومته وذكرت وكالة الأنباء الرسمية التونسية نقلا عن بيان حكومي الجمعة أن نجلاء بودن ونورالدين الطبوبي وسمير ماجول اتفقوا على عقد اجتماعي لمواجهة التحديات في البلاد. وأبدى المجتمعون اقتناعا تاما بأن “الحوار البناء بين الأطراف الاجتماعية القائم على الثقة والشفافية وروح المسؤولية، هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة” التي تشهدها تونس. وقال البيان إن الشركاء الاجتماعيين وقّعوا على “عقد اجتماعي هو عقد المثابرة لمجابهة التحديات الاستثنائية الاجتماعية والاقتصادية والمالية بكل مكوناتها ودعم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني”. ويعتقد مراقبون تونسيون أن التوافق بشأن إصلاحات صندوق النقد الدولي هو محور العقد الاجتماعي الثلاثي، وأن الأمر يتعلق أساسا بموقف اتحاد الشغل وسط إشارات وتصريحات متناقضة من قادة المنظمة بخصوص القبول بالإصلاحات أو رفضها، وهو ما أوحى بأن الاتحاد يبدو كأنه ليس جهة موثوقة يمكن الرهان عليها لبدء هذه الإصلاحات، خاصة أن الأمر لا يهم الحكومة وحدها، ذلك أن صندوق النقد وجميع المتدخلين يطلبون توافقا تونسيا قبل إعطاء ضوء أخضر لرعاية هذه الإصلاحات وتمكين تونس من التمويل اللازم. ويريد صندوق النقد الدولي من الاتحاد العام التونسي للشغل أن يوافق رسميا على الإصلاحات الحكومية، وهو ما يعني تحديد موقف واضح من الإضرابات ومن الضغط على الحكومة للمطالبة بالزيادات في وضع لا يسمح لها بذلك، خاصة أن جهدها منصب على توفير التمويلات للإيفاء بتعهدات تونس الخارجية وتوفير الرواتب لمئات الآلاف من الموظفين وتمويل العمل الروتيني للوزارات والإدارات. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :