تلعب السياحة دورًا اقتصاديًا بالغ الأهمية للعديد من دول العالم، وتؤكد «منظمة التجارة العالمية»، أنها هي القطاع الخدمي الوحيد الذي لم يتأثر سلبًا بالتباطؤ الاقتصادي الذي عانته معظم دول العالم نتيجة الأزمة المالية العالمية في نهاية 2008، كما أن العوائد المباشرة لهذا القطاع تتفوق على عوائد القطاعات والأنشطة الخدمية الأخرى، فيما تعد من أهم مصادر الدخل لدول متقدمة، كفرنسا وأسبانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا، وكذلك لدول عربية كالسعودية والإمارات والمغرب ومصر، وإلى هذا تنظر مملكة البحرين بالنسبة إلى قطاع السياحة في رؤيتها الاقتصادية 2030، كأحد الأعمدة القوية لتنويع مصادر الدخل. وفي إدراك لأهمية هذا القطاع، خصصت البحرين للسياحة منذ يونيو 2022 وزارة قائمة بذاتها، بعد أن كانت جزءًا من وزارة التجارة والصناعة، بهدف تعظيم قدرتها ودورها في الاقتصاد الوطني. ولعل هذا التطوير المؤسسي، كان نتيجة إرادة سياسية عبر عنها الملك «حمد» في تصريحاته، واهتمامه بتنمية هذا القطاع، وهو ما كان محل تقدير «المنظمة العربية للسياحة»، التي منحته قلادة السياحة العربية من الفئة الممتازة عام 2018. علاوة على ذلك، فإن هذا التطوير يعد من أهم ممكنات تحقيق الأهداف المرجوة من هذا القطاع في خطة التعافي الاقتصادي (2022 - 2026)، التي تتطلع إلى زيادة نسبة إسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي البحريني إلى 11.4% بنهاية 2026، لتصبح الرابعة بعد النفط والخدمات المالية والصناعة، فضلاً عن آثار الانتشار التي يحققها هذا الهدف، لجهة توفير فرص عمل لائقة بأجور عالية للشباب البحريني، وإنعاش الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها كالتشييد والصناعات الحرفية والفنادق والمطاعم والمواصلات والاتصالات والتعليم الفني والتدريب. وجاء إصدار الملك المرسوم رقم «25» لسنة 2022، بإنشاء وزارة السياحة، وتعيين «فاطمة بنت جعفر الصيرفي»، وزيرًا لها - وكانت تشغل نائب الرئيس التنفيذي لهيئة البحرين للسياحة والمعارض - بعد أن بلغ معدل تعافي القطاع 82% في الربع الثاني لعام 2022، مقارنة بالربع الثاني لعام 2021، وبلغ عدد الليالي السياحية نحو 3 ملايين ليلة في الربع الثاني2022، مقارنة بنحو 600 ألف ليلة في الربع الثاني 2021، وارتفاع إيرادات السياحة إلى 330.4 مليون دينار، مقارنة بـ94.2 مليون دينار في 2021، ليأخذ هذا القطاع دوره كمورد متجدد للاقتصاد الوطني، وينفذ الاستراتيجية التي أطلقها في نوفمبر 2021. وتستهدف استراتيجية تنمية السياحة البحرينية (2016-2019)، رفع مستوى مؤشرات السياحة بشكل عام، كإنفاق السياح 2 مليار دينار بحريني، ووصول متوسط الليالي السياحية لكل سائح إلى 3.5 ليلة، ومساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 11.4%، وأعداد السائحين إلى 14.1 مليون زائر، ومتوسط إنفاق الزائر إلى نحو 75 دينارا. ويتم ذلك عبر زيادة عدد الدول المستهدف جذب السياح منها، بإضافة 18 سوقا جديدة بدعم من قطاع الطيران، وتنويع المنتج السياحي، وتسهيل الدخول، وتطوير عناصر الجذب السياحي، والتسويق والترويج، وتعدد خيارات الإقامة، وتعدد مجالات الأنشطة السياحية، لتشمل إلى جانب السياحة الترفيهية، العلاجية، والرياضية، والثقافية، وسياحة الأعمال. وهذه الأرقام رغم طموحها، إلا أنها أهداف واقعية في ضوء ما تملكه المملكة من إمكانات سياحية في هذه المجالات، وقد صيغت كتطور طبيعي ممكن الوصول إليه بناءً على ما تحقق قبل ذلك من أرقام تنفيذًا لاستراتيجية (2016-2019)، في الفترة ما قبل جائحة كورونا، حيث ارتفع إسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 4.6% في 2015 إلى 6.8% في 2019، وارتفع إجمالي إنفاق السياحة الوافدة من 1.1 مليار دينار إلى 1.5 مليار دينار، وارتفع عدد الزوار القادمين إلى المملكة بغرض السياحة من 9.7 مليون إلى 11.1 مليون سائح، وزاد متوسط الليالي السياحية من 2.3 ليلة إلى 3.4 ليلة، وبلغ متوسط إنفاق الزائر 72.4 دينار في 2015 ومتوسط هذا الإنفاق 71 دينارا في 2019. ويعزز تحقيق هذه الأهداف ما تتمتع به المنامة من سمعة سياحية، جعلت مجلس وزراء السياحة العرب يسميها عاصمة للسياحة الخليجية في 2016 وللسياحة العربية في 2020، وتنفيذ عدد من المشاريع السياحية كتطوير بلاج الجزائر، والمدينة السياحية، ومشروع منتجع جميرا خليج البحرين، ومركز البحرين الدولي الجديد للمعارض والمؤتمرات، والمدينة الجنوبية، وفندق العنوان مراسي البحرين، والعنوان رزيدنس، وفندق فيدا مراسي البحرين، وفيدا رزيدنس، ومراسي جاليريا، وواجهة الغوص البحرية، والواجهة البحرية لساحل فيلالي، ومشروع سعادة، وفندق ومنتجع مانتفيس بجزر حوار، واحتضان البحرين أكثر من 190 فندقا ومنتجعا، بعد أن كانت 83 فندقًا ومنتجعًا في 2001، وتسعى المملكة من خلال هذه الاستراتيجية إلى الفوز بنصيب كبير من تعافي السياحة في منطقة الشرق الأوسط بعد انحسار جائحة كورونا، حيث توقع الاتحاد الدولي للنقل (آياتا) أن المنطقة ستعود إلى المستويات التي سجلتها في 2019 بصورة تدريجية حتى 2024. ويدعم تنفيذ استراتيجية التنمية السياحية في المملكة تنظيم المهرجانات والمؤتمرات والمعارض الفنية والموسيقية والترفيهية والرياضية، كمهرجان ربيع الثقافة، ومهرجان صيف البحرين، ومهرجان تاء الشباب، ومهرجان الموسيقى، وتذليل العقبات وانخفاض التكاليف، ما يشجع المستثمر على الاستثمار في هذا القطاع، وتوفير إمكانية امتلاك أصحاب المشاريع لمنشآتهم من مطاعم وفنادق، وما تتمتع به البحرين في مجال السياحة الثقافية من مواقع أثرية، كقلعة البحرين، وقلعة بوماهر، وقلعة عراد، وقلعة الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح، ومتحف البحرين الوطني، ومنازل المحرق القديمة، وقد أضافت اليونسكو 3 مواقع بحرينية ضمن قائمة التراث العالمي، وهي مدافن دلمون، وجزيرة المحرق، وقلعة البحرين الأثرية. وبالإضافة إلى ذلك، تتعدد مجالات السياحة الرياضية، كالإبحار والغوص والصيد وركوب الخيل وسباق السيارات، وقد غدت المملكة تستضيف في إبريل من كل عام الفورمولا (1)، كما تتعدد مجالات السياحة الترفيهية، كزيارة حديقة واهوو المائية، وهي من أفضل وأحدث الحدائق المائية في الشرق الأوسط، ومملكة طيور العزيزية، التي تضم العديد من أنواع الطيور في العالم، وزيارة سوق باب البحرين، ومحمية العرين، ومنتدى جنة دلمون المفقودة. إلى جانب مجالات السياحة العلاجية، ويخدم التدفقات السياحية لهذه الأغراض كفاءة الكوادر المؤهلة من الشباب البحريني وحالة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الذي تتمتع به المملكة، وتوافر الرعاية الصحية، وسرعة إنجاز المعاملات وسهولة التواصل، وعدم وجود حواجز لغوية. ومع ذلك، فإن المهمة الملقاة على عاتق الوزارة الجديدة ليست بالمهمة السهلة، إذ وضعت كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي في رؤيتها المستقبلية، السياحة على رأس اهتماماتها في استراتيجيتها لتنويع مصادر الدخل، حيث نجد تطورا سريعا في هذا الشأن في كل من الإمارات والسعودية. وبينما تمثل السياحة من السعودية أكثر من 60% من إجمالي السياحة الوافدة للبحرين، فإن النسبة المتبقية تعني أن هناك العديد من الفرص التي لم تُغتنم بعد، مع ما يؤهله لها موقع البحرين الاستراتيجي على خطوط التجارة، ومناخها المعتدل خريفًا وشتاءً، فضلاً عن مواهبها الطبيعية. وقبل قيام وزارة السياحة كانت هناك ثلاث منظمات حكومية متكاملة تسعى لتعزيز مؤهلات البحرين السياحية، وهي «هيئة البحرين للثقافة والآثار»، و«هيئة البحرين للسياحة والمعارض»، و«مجلس التنمية الاقتصادية». وبمجهود هذه الهيئات ارتفع عدد زوار المملكة بنسبة 26% خلال الفترة من 2010 – 2016، وتم تأسيس مكاتب سياحية في دول تعتبر من الشركاء الاقتصاديين للمملكة، كالصين والهند وروسيا والمملكة المتحدة. وتم وضع أهداف محددة لعام 2018، منها استقطاب 15.2 مليون زائر، وزيادة الإنفاق اليومي للسائح بنسبة 15%، وزيادة متوسط مدة الزيارة من 2.2 ليلة إلى 2.5 ليلة، وتعزيز مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي كي تصل إلى 6.6%. وبشكل عام، تُبنى الاستراتيجية الجديدة على ما سبق، مثل الهوية السياحية التي أطلقتها هيئة البحرين للسياحة والمعارض في أبريل 2016 «بلدنا بلدكم»، ووضع تطوير قطاع السياحة في أولويات برنامج عمل الحكومة، التي تحفز المستثمرين، بتوفير البيئة الحاضنة للمشروعات السياحية والترويج للبلاد كواجهة سياحية. وترتكز هذه الاستراتيجية على تطوير المنافذ كجسر الملك فهد، ومطار البحرين الدولي، وميناء خليفة بن سلمان، وتطوير المرافق البحرية لاستيعاب اليخوت الخاصة من الدول المجاورة، والجذب السياحي بإقامة فعاليات داعمة من خلال تطوير مركز البحرين للمعارض، وتعزيز المرافق السياحية للسكن من فنادق وشقق مفروشة وشقق سكنية، ودراسة إنشاء معهد خاص للفندقة والضيافة، ووضع السائح الخليجي في مقدمة اهتماماتها وتنشيط السياحة العائلية، وتوسيع الدائرة لاستيعاب السياح من الدول الأخرى. وترويجًا لقطاع السياحة البحرينية، فإنه تزامنًا مع اختيار المنامة عاصمة للسياحة العربية من قبل وزراء السياحة العرب في 2020، استضافت المملكة في أواخر يناير 2020، ملتقى دولي للسياحة الفاخرة، وشاركت في الاجتماع التاسع للجنة السياحة والتنافسية لمنظمة السياحة العالمية بالأمم المتحدة، ومعرض جنوب آسيا للسفر والسياحة بالعاصمة الهندية، فضلاً عن إقامة الفعاليات التسويقية المحلية. وفي فبراير 2020، وقبل زيادة حدة الانتشار جائحة كورونا، وقعت هيئة البحرين للسياحة والمعارض، اتفاقية تعاون مشترك مع وزارة التراث الثقافي والأنشطة السياحية في إيطاليا، كما وقعت اتفاق تعاون مع هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية لتنفيذ المرحلة الرابعة من مشروع إحصاءات السياحة الذي انطلق من عام 2015. وفي عام 2020 أيضًا كانت البحرين قد وضعت حجر الأساس لمركز البحرين الدولي الجديد للمعارض والمؤتمرات في منطقة الصخير، مستهدفًا تعزيز موقعها على خارطة صناعة المعارض والمؤتمرات العالمية. إلى جانب افتتاح توسعة مطار البحرين الدولي. وقبل الجائحة كانت المملكة قد تقدمت 31 مركزا في الرقم القياسي لمؤشرات السياحة والسفر الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس». على العموم، فإنه إذا كانت السياحة الخليجية مازالت تمثل أهم روافد السياحة البحرينية، فإن التكامل السياحي بين دول المنظومة الخليجية يعد دعامة رئيسية لتنفيذ استراتيجية تنمية السياحة البحرينية، فهو يعزز هذا القطاع، وينظم الاستفادة المشتركة في استقبال السياحة غير الخليجية، وإلى هذا بادرت المملكة في يوليو 2022 من خلال وزارة السياحة، إلى استكمال المباحثات مع وزارات وهيئات السياحة في عدد من الدول الخليجية؛ بهدف إطلاق برامج سياحية مشتركة، تكون فيها مملكة البحرين محطة أساسية ضمن الجولة الخليجية للسياح من دول الخليج والسياح الأجانب.
مشاركة :