نجح المدرب الألماني يورغن كلوب في زرع بذور الأمل داخل نادي ليفربول، لكن هل بمقدوره النجاة في خضم ثقافة طرد المدربين التي شاعت داخل الحقل الرياضي؟ بمقدور الجماهير الإنجليزية الترحيب بيورغن كلوب داخل الدوري الممتاز لكرة القدم.. ودعونا نقول له: أهلاً بك، حاول أن تتصرف وكأنك في بيتك، لكن احذر من الشعور براحة مفرطة، لأنك هنا منذ ثانيتين ومع ذلك لم تفز بعد بأي بطولات. والواضح أن الكثير من الأسئلة تدور في الوقت الحاضر حول نوعية العقلية التدريبية العبقرية التي تسمح بالسقوط أمام واتفورد بثلاثة أهداف مقابل لا شيء.. وهل كلوب الذي لم يستمر أكثر من شهرين بات مهددا بخسارة عمله. إنها ليست نبرة ساخرة، لكن لا نزال نتذكر كيف أن تعادل ليفربول أمام وست برومويتش ألبيون بهدفين لكل منهما منذ أسبوعين جرى تصويره باعتباره لحظة كاشفة في مسيرة كلوب مع النادي. قبل هذا اللقاء، كان المدرب قد مر بثلاثة انتصارات وثلاثة تعادلات وهزيمتين، وسجل فريقه 12 هدفًا، بينما دخلت شباكه تسعة أهداف خلال أول ثماني مباريات خاضها ليفربول بقيادته في إطار الدوري الممتاز. في المقابل نجد أنه خلال آخر ثماني مباريات له مع ليفربول، مر المدرب بريندان رودجرز بثلاثة انتصارات وثلاثة تعادلات وهزيمتين وفارق أهداف يبلغ سالب اثنين. وعند اقتطاعها من سياقها، قد تبدو هذه الأرقام مثيرة للقلق. ومع ذلك، كان ليفربول تحت قيادة رودجرز ينجرف بعيدًا عن المسار الصحيح. وبينما لا يزال من المبكر تحديد مساره في ظل قيادة كلوب، فإنه من الواضح أن المدرب الألماني لديه خطة واضحة وأسلوب متناغم في اللعب وشخصية جذابة قادرة على إقناع اللاعبين بالالتزام بالنهج الذي يرسمه لهم. المعروف أن كلوب قدم أداء متألقًا خلال فترة عمله مع بوروسيا دورتموند، ومن غير المستبعد أن ينجح بالفعل في إنهاء فترة تعطش ليفربول الطويلة لاقتناص بطولة الدوري حال حصوله على الوقت والمساحة والدعم اللازمين. بيد أن هذا لا يمنع من التساؤل حول إلى متى يمكن أن تستمر فترة شهر العسل بين إدارة النادي والمدرب، خاصة إذا بدا أن ليفربول في طريقه لإنهاء الدوري خارج المراكز الأربعة الأولى. من جهته، لا يعبأ أرسين فينغر، مدرب آرسنال، بمحاولة إخفاء نبرة السأم في صوته لدى الحديث عن أننا نعيش في عصر التعجل وغياب الصبر. والواضح أن المدربين يسقطون ضحايا لهذا التعجل، حيث يكافئون بعقود سخية في لحظة ما، وسرعان ما يتلقون صفعة على الوجه في اللحظة التالية، حتى في المواقف التي لا يستحقون اللوم عنها بمفردهم. وعن ذلك، قال فينغر: «المجتمع اليوم لديه دومًا حاجة لأمر جديد كل نصف ساعة أو دقيقة. لذا يتعين عليك إعلان أمر جديد، لكن دعونا لا ننسى في خضم ذلك أن كرة القدم في جوهرها تتعلق بالتناغم والاستقرار». الواضح أن ثقافة إقالة المدربين تترك آثارًا سلبية على اللعبة. وقد اعتاد جمهور الكرة والمتابعين على التكهن بمن سيكون الضحية التالية الذي سيطرد من عمله، كما لو أن كرة القدم تحولت لواحد من برامج الواقع التي يتعرض خلالها المتسابق الذي يحصد العدد الأقل من الأصوات للطرد. وفي خضم ذلك، كثيرًا ما نغفل الثمار المحتملة للإبقاء على ثقتنا في مدرب يمر بظروف سيئة. ونتجاهل إمكانية أن تتحسن النتائج فقط إذا سمحنا للأشخاص بالتعلم من أخطائهم. المؤكد أن الخوف حتى من الأخطاء الصغيرة يعوق تطور أي فريق ونموه. تجدر الإشارة هنا إلى أن سير أليكس فيرغسون احتاج لست سنوات ونصف للفوز بأول بطولة من بطولات الدوري الـ13 التي فاز بها داخل إنجلترا. من ناحية أخرى، فإن آرسنال يبدو مرشحًا للفوز بالدوري هذا العام خاصة بعد فوزه على مانشستر سيتي واعتلاء القمة بالفوز على بورنموث أول من أمس. ورغم أنه لا يزال على الفريق إقناعنا بأنه هجر للأبد ميوله نحو تدمير ذاته، فإن هذا لا ينفي أنه حقق نضجًا كبيرًا هذا العام. ولا شك أن عدم فوز فينغر ببطولة الدوري منذ 12 عامًا يمكن أن يمثل نقطة تحول كبرى للمدربين داخل إنجلترا، حيث اضطر النادي للبقاء بعيدًا عن الأضواء منذ الإنجازات الكبرى التي حققها وحصوله باستحقاق على لقب «الفريق الذي لا يقهر» عام 2004. ومرت عدة مواقف على امتداد العقد الماضي كان طرد فينغر خلالها سيبدو قرارًا مبررًا ووجيهًا. وربما كانت الهزيمة التي تعرض لها الفريق على يد مانشستر يونايتد عام 2011 بثمانية أهداف مقابل هدفين النقطة التي انهار عندها. وكذلك الحال بالنسبة لهزيمته أمام تشيلسي بستة أهداف مقابل لا شيء خلال المباراة رقم ألف لفينغر مع النادي. وفي الوقت ذاته، تعرض الفريق لمواقف محرجة لا مبرر لها خلال لقاءاته مع أندية أصغر، وساد شعور عام بأن آرسنال تفصله انتكاسة واحدة أخرى عن الانهيار الكامل. وهنا، سيكون لأسلوب الاستجابة الذي سيختاره الفريق بعد فوضى «يوم الملاكمة» في ساوثهامبتون والذي خسره آرسنال بأربعة أهداف أثر محوري في تحديد مساره الفترة المقبلة. لقد وصل فينغر بآرسنال إلى الحضيض عام 2006، إلا أنه حال استقرار درع الدوري داخل استاد الإمارات للمرة الأولى منذ 11 عاما سيجري النظر له الفوز باعتباره انتصارًا للاستقرار والولاء والتخطيط المسبق طويل الأمد. وينبغي أن يشعر الكثير من المدربين بداخلهم بالبهجة حيال هذا الفوز لأنه يعد بمثابة دليل ملموس على ثمار الصبر وأهميته. وهنا، يمكن النظر كمثال إلى ليفربول الذي يتعين عليه الصبر على كلوب الذي لا يزال يناضل لنقل أفكاره إلى لاعبيه بعد مرور عام أو عامين على توليه تدريب الفريق. في الوقت ذاته، فإنه ليس جميع المدربين يستحقون الحصول على فرصة وبعض الوقت، خاصة وأن البعض ارتقى سريعًا للغاية وقفز إلى التدريب داخل الدوري الممتاز بدلاً من اكتساب الخبرة في درجة أقل أولاً. وهنا أول من يقفز إلى الذهن غاري مونك، الذي رغم قيادته سوانزي سيتي للمركز الثامن الموسم الماضي، فإن حقيقة قدراته تكشفت بمجرد بدء تراجع النتائج. والواضح أن رئيس النادي، هو جينكينز، كان على قدر كاف من الذكاء للتعرف على حقيقة مستواه. علاوة على ذلك، فإن طرد مونك يعد بمثابة جزء من توجه عام متنام يتمثل في ارتفاع سريع ثم سقوط مدو. وفي بعض الأحيان يصبح في حكم المستحيل معرفة ما إذا كان مدربا ما جيد بما يكفي، لأن أحدًا لا يتابعه على مدار فترة طويلة تكفي لإطلاق رأي قاطع بشأنه. واللافت على الصعيد الرياضي حاليًا أن جميع القضايا أصبحت إما أبيض أو أسود، رغم أنه في الواقع لا يكون الخطأ دومًا من قبل المدربين، فكثيرًا ما تكمن أسباب الفشل في هيكل النادي أو سياساته في استقدام لاعبين جدد. ورغم أن الأمور داخل مانشستر يونايتد قد تنصلح بسرعة حال الاستعانة بجوزيه مورينهو بدلاً من لويس فان غال، فإنه من غير المحتمل أن يشكل ذلك علاجًا طويل الأمد. عندما تولى كلوب مسؤولية تدريب ليفربول، وجد فريقًا يفتقر إلى الشجاعة والثقة والتناغم والحافز والجودة. ولم تختف عيوب اللاعبين بطريقة سحرية بمجرد طرد المدرب رودجرز في أكتوبر (تشرين الأول) . وحتى عندما كان ليفربول يقوم بدوره في التعجيل بنهاية مورينهو داخل تشيلسي، بجانب فوزه على مانشستر سيتي بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، حرص كلوب على تنبيه الجميع بألا يصيبهم الغرور ويبالغوا في التوقعات نتيجة لهذه الانتصارات. وفي هذه اللحظات، بدا شبيهًا بفينغر. إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان مسؤولي النادي سيعطونه الفرصة التي يحتاجها.
مشاركة :