القصور الأثرية في عسير.. سياحة ثقافية بعبق التاريخ

  • 8/20/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم تعد القصور الأثرية في منطقة عسير مواقع شاهدة على زمن مضى وتاريخ عريق يقصدها الباحثون والمهتمون فقط لأجل المتعة البصرية أو الدراسة العلمية، بل تحول كثير منها إلى مواقع جذب سياحي لجميع فئات المجتمع خلال العام الجاري. وأسهم ترميم وتأهيل عدة حصون أثرية يعود بعضها إلى أكثر من 200 سنة في تصدرها للمشهد السياحي، بعد أن أضاف إليها هذا الترميم أبعاداً جاذبة أخرى مثل المقاهي العصرية التي تقدم المشروبات الساخنة والباردة في إحدى غرف أو زوايا القصر الأثري في مزج جاذب مع الماضي بكل جمالياته المعمارية، إضافة إلى النزل التراثية التي تتوزع في جنبات القصور من خلال غرف للإقامة اليومية تم تأثيثها بالمكونات التقليدية المستخدمة قديما. وبرزت خلال صيف هذا العام عدة حصون أثرية أعيد ترميمها وتأهيلها بواسطة الأهالي لاستقبال الزوار مثل قصور آل أبونقطة المتحمي في مركز طبب شمال غرب مدينة أبها على مسافة 25 كيلومترا تقريباً، وقصور آل أبوسراح في قرية العزيزة التابعة لمركز السودة، إضافة إلى قصر لهج الواقع في قرية الدارة بأبها. مطعم متحف ويشير رئيس مجلس إدارة مركز آل أبونقطة سعيد بن سعود المتحمي في حديثه لوكالة الأنباء السعودية "واس" إلى أن "فكرة إعادة ترميم وتأهيل القصور الأثرية جاءت بناء على التوجهات الجديدة لدعم السياحة الثقافية في المملكة لما تملكه من إرث تاريخي عريق تدل عليه بوضوح جماليات وهندسة القصور القديمة في منطقة عسير، فمثل هذه الأماكن تحتوي على مخزون ثقافي يستحق أن تعرفه الأجيال الجديدة لتعرف عمق هذه الثقافة والتاريخ الذي كون الوحدة الوطنية التي نفخر بها جميعا". وتتكون القصور من ستة مواقع مختلفة الأحجام والارتفاعات على مساحة تقارب 4000 متر مربع، ويوجد داخل هذه الحصون، وداخل أسوارها الداخلية عدد من المدافن متنوعة الأحجام والأعماق، ويتراوح عمقها ما بين مترين وثلاثة أمتار وعرضها بين ستة وخمسة عشر متراً مربعاً كانت تستخدم لدفن المحاصيل الزراعية للمحافظة عليها وتخزينها لسنين طويلة لاستخدامها في سنين الجدب، وفي سنين الحروب والخوف، واستخدمت بحكم أهمية المكان كذلك لإخفاء الذخائر أثناء المواجهات والحروب. وتحتوي قصور آل أبونقطة المتحمي على نزل تراثية تمزج بين متطلبات العصر وهوية المكان ومواقع لبيع المنتجات التراثية مثل الملابس التقليدية ومخبز بلدي يقدم مأكولات شعبية إضافة إلى مقهى شعبي وآخر أجنبي يقدمان المشروبات الساخنة والباردة. وحرص القائمون على مشروع القصور على تسمية المواقع التي يرتادها الزائر بأسماء من عبق المكان مثل أسماء الخيول والسيوف والرماح التي اقتناها أجدادهم. في انتظار سياح لا يأتون في انتظار سياح لا يأتون من جهتها تبرز قصور آل أبوسراح كإحدى أهم الوجهات السياحية التراثية في منطقة عسير، حيث تقع إلى الغرب من مدينة أبها وتتوسط قرية العزيزة المحاذية لمرتفعات السودة، ويتجاوز عمرها الـ200 عام وتتميز بمبانيها العالية، وهي عبارة عن ثلاثة مبانٍ: قصر وازع، وقصر عزيز، وحصن المصلى، ويتكون كل من قصر عزيز وقصر وازع من ستة طوابق، وحصن المصلى من ثلاثة طوابق مبنية من الحجر وخشب العرعر ومغطاة بمادة القضاض من الخارج. ويقول المشرف على الموقع عبدالعزيز أبوسراح إن مثل هذه القصور وغيرها الكثير التي تزخر بها منطقة عسير تعتبر شواهد على حضارة المكان وأهميتها في أنها تحكي للأجيال الحالية بعضا من ثقافة وفنون أهالي المنطقة قديما. وأشار إلى أن هناك شغفاً وإقبالاً كبيراً من جميع فئات المجتمع على زيارة الحصون التراثية لأنهم يجدون فيها رسائل ثقافية كثيرة جاذبة لهم. ◙ إدخال المظاهر الحديثة يكون في المطاعم والمقاهي، ولكن الترميم ومواد البناء يجب أن تكون تقليدية من البيئة المحيطة وتظهر في عدد من المواقع الأثرية المعاد تأهيلها أهمية هذا النوع من الاستثمار في دعم السياحة المحلية، حيث لم يعد ارتياد هذه الأماكن مقتصراً على المهتمين والباحثين وعاشقي التراث، بل أصبحت جاذبة لكل فئات المجتمع من الأطفال والشباب وكبار السن، فالأطفال والشباب يقفون مشدوهين أمام ما يرونه ويسمعونه عن تاريخ وتراث الأجداد، وعدد من كبار السن يشرحون لأبنائهم وأحفادهم طرق البناء التقليدي وأسماء المواد المستخدمة في الحياة اليومية بكل سعادة وانشراح، وبعضهم ينهي شرحه بدموع تترقرق في عينيه عندما يتذكر ماضيه. وتتطلب إعادة تأهيل وترميم الحصون والقصور التاريخية مهارات خاصة ومعرفة دقيقة بآليات وطرق البناء التقليدية، وفي هذا الإطار ينبه المتحمي إلى أهمية أن يكون الترميم مواكباً لقيمة المكان حتى لا يتحول إلى تشوه بصري، مضيفا "إدخال المظاهر الحديثة قد يكون في مكونات المطاعم والمقاهي مثلا، ولكن الترميم ومواد البناء يجب أن تكون تقليدية ومن عناصر البيئة المحيطة دون إدخال أي عنصر حديث، وذلك من خلال إشراف خبراء بناء من أهل المكان". وفي إحدى قرى مدينة أبها يخوض الشاب عبدالعزيز مخافة تجربة جديدة في الاستثمار في التراث من خلال حصن "لهج" المكون أربعة أدوار، مشيراً إلى أن الموقع بدأ في استقبال الزوار منذ العام الماضي، حيث تتوافر للزائر أجواء الماضي بكل تفاصيله، بداية من المبيت في نزل تراثية والطعام المقدم الذي يقتصر على الأكلات الشعبية، حيث يشهد المكان إقبالا جيدا فاق توقعاته. ويؤكد مخافة أن أكثر ما شجعه على هذه الخطوة هي مبادرات رؤية المملكة 2030 التي تركز على استثمار المقومات التراثية والثقافية في الجذب السياحي بشرط أن يكون الترميم والتأهيل على أسس علمية صحيحة.

مشاركة :