تونس تحتاج إلى هدنة اجتماعية لمواجهة الإصلاحات العميقة تونس - طرحت المرحلة الجديدة التي تشهدها تونس وخصوصا بعد ختم الدستور ومسار المفاوضات مع الجهات الدولية المانحة التي تطالب بإصلاح المؤسسات العمومية ومراجعة منظومة الدعم وكتلة الرواتب، تساؤلات بشأن إرساء هدنة اجتماعية في المفاوضات بين الشركاء الاجتماعيين لمواجهة تلك الإصلاحات العميقة. وتطرّق وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي إلى مسألة المفاوضات مع الشركاء الاجتماعيين، وأكد السعي لتحقيق هدنة اجتماعية ومرافقة التونسيين لمواجهة الإصلاحات العميقة. وقال خلال افتتاحه المنتدى الاقتصادي لتونسييّ العالم تحت شعار “نستثمرو في تونس” الذي ينظمه ديوان التونسيين بالخارج بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة في محافظة بنزرت (شمال)، إنه “ليس بالغريب على تونس المفاوضات والجلوس إلى طاولة الحوار”. وأضاف الزاهي أنه “تم إجراء سلسلة من الجلسات وتوجت بتوقيع عقد اجتماعي مهم جدا طُرحت فيه العديد من المشاكل التي تعرضت لها الحكومة والتي تعاني منها الطبقة العاملة وتم سابقا العمل عليها صلب لجنة 5 زائد 5”. وتسعى تونس، التي تعاني أسوأ أزمة مالية، للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات يصفها خبراء اقتصاد بـ”المؤلمة”، لضبط الاختلالات المالية المزمنة. وتشمل الإصلاحات المقترحة من صندوق النقد الدولي زيادة أسعار الوقود والكهرباء وتجميد رواتب القطاع العام، وهي خطوات يرفضها بشدة الاتحاد العام التونسي للشغل. ويرى خبراء الاقتصاد أن إرساء الهدنة الاجتماعية ضروري في هذه المرحلة خصوصا بعد الاتفاق الثلاثي المبرم مؤخرا بين الحكومة والمنظمات الوطنية، وهو ما يعبّد الطريق أمام المفاوضات بشأن القيام بالإصلاحات المطلوبة. وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “هذه التصريحات جاءت بعد توقيع العقد الاجتماعي بين رئاسة الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، ونحن الآن في الحلقة الأخيرة مع صندوق النقد الدولي من أجل التوقيع على الشروط التي ينادي بتنفيذها، والآن لا بدّ من هدنة أو انخراط اتحاد الشغل في عملية الإصلاح”. وأضاف أن “ملف المؤسسات العمومية (7 مؤسسات عمومية) تقريبا متّفق عليه، ومراجعة منظومة الدعم أيضا، حيث لا يرى اتحاد الشغل مانعا في مراجعتها على امتداد خمس سنوات وليس في أقل من سنتين، لكن يبقى الملف الوحيد الذي يكتنفه الغموض هو ملف الرواتب، والاتحاد يقول إذا كنا سنذهب في مقاربة اقتصادية فلا يتمّ المساس بالرواتب”. وتابع الشكندالي “صندوق النقد الدولي يريد انخراط اتحاد الشغل في المفاوضات، وبالتالي الدخول في هدنة، وهي مرحلة أخيرة في هذا المسار”. ووقّعت رئيسة الحكومة نجلاء بودن والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي ورئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، الأسبوع الماضي، عقدا اجتماعيا هو “عقد المثابرة لمجابهة التحديات الاستثنائية الاجتماعية والاقتصادية والمالية بكلّ مكوّناتها ودعم السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني”، وذلك بحضور مديرة مكتب منظمة العمل الدولية لبلدان المغرب العربي رانيا بخعازي في قصر الحكومة بالقصبة. وقال بيان الحكومة “اتفق الشركاء الاجتماعيون على عقد جلسات حوار للوصول إلى اتفاقات، سواء كانت ثنائية أو ثلاثية، فيما يتعلق ببعض الملفات ذات الصلة بالاستحقاقات الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية المنتظرة، وذلك ابتداء من يوم الاثنين 15 من الشهر الجاري (شهر أغسطس 2002)”. ويأتي هذا العقد في إطار التمهيد لاستئناف المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، بهدف الاتفاق على خطة إصلاح اقتصادي شاملة، والحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، لإصلاح عجز الموازنة. وتتطلب الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الموجعة اتفاقا اجتماعيا بين مختلف الأطراف، وسط وعي جماعي يراعي قيمة المطالب وإمكانية تحقيقها، على أن تتكفل الحكومة بلعب دور تعديلي مهم في تقريب وجهات النظر والخروج بصياغة جماعية توافقية. وقال الخبير الاقتصادي الصادق جبنون إن “الإصلاح الاقتصادي في كل السياقات دائما يقوم على اتفاق اجتماعي، والمرحلة الحالية والمقبلة هي مرحلة القطاع الخاص، وضروري أن تكون هناك هدنة اجتماعية كعامل هام لمساندة ذلك الانتقال”. وصرّح بالقول “كل جهة اجتماعية تأتي بأعلى سقف ممكن في المفاوضات والمطالب، ليتم الاتفاق فيما بعد وفق موقف الحكومة التعديلي، وكل الأطراف الآن واعية بهذه المسألة، وهناك بوادر إيجابية، وهذا يمكن أن يشجع صندوق النقد الدولي على إقراض تونس”. وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة وارتفاعا في نسبة التضخم، حيث بلغ العجز التجاري للبلاد 4.3 مليار دينار (1.44 مليار دولار) في الربع الأول من 2022، مقابل 3 مليارات في نفس الفترة من 2021. وبلغ إجمالي الدين العام لتونس، حتى نهاية 2021، 37 مليار دولار، ما يمثّل 85.5 في المئة من الناتج الداخلي الكلّي، ووصل حجم الدين الخارجي إلى 23.3 مليار دولار، بنسبة 62.8 في المئة من إجمالي قائم الدّين، ويتكوّن من ديون متوسطة وطويلة الأمد، منها ديون متعددة الأطراف تبلغ 12.4 مليار دولار، وديون ثنائية تبلغ 4.7 مليار دولار. ويأتي ذلك في وقت تولّى فيه الرئيس قيس سعيّد ختم دستور الجمهورية التونسية الجديد، “دستور 25 يوليو 2022″، والإذن بإصداره. وأعلن سعيّد خلال كلمة بثّها التلفزيون الرسمي أنه “سيتم في الفترة القادمة وضع قانون انتخابي جديد وإرساء المحكمة الدستورية للحفاظ على علوية الدستور وحماية الحقوق والحريات بشكل خاص”. كما شدّد على أنّ ” الشعب يريد تطهير البلاد وأنه على القضاء أن يكون في الموعد لمحاسبة كل من خرّب البلاد واستولى على حقوق الشعب ومقدراته”. وأضاف “آن الأوان لوضع سياسات جديدة وتشريعات مختلفة حول العدل الاجتماعي في ظل مقاربة وطنية شاملة”.
مشاركة :