صدق من أطلق مسمى «ميزانية التحدي» على ميزانية الدولة لعام 2016، فهي في كل المقاييس الاقتصادية موازنة تتحدى الظروف التي تشهدها المرحلة التي يمر بها العالم بكل تصنيفات دولة المتقدمة والنامية، فالجميع يعاني وكلٍ له أسبابه، وإذا كانت الدول المنتجة للنفط قد نجت من مراحل عديدة من تراجع معدلات النمو، فإن المرحلة الحالية تكشف من هي الدولة التي استفادت من «الطفرة النفطية» وأنجزت قاعدة وبنية اقتصادية أساسية تجعلها تتكيف مع التراجع التي تشهده مرحلة تراجع الإيرادات. نعم يجب أن نعيش مرحلة التحدي وأن نتعايش مع هذه المرحلة لنطور أداءنا الاقتصادي ونحسن من سلوكنا. بدءاً من ممارساتنا اليومية وأساليب الحياة التي جعلت البعض منها اتكالياً يعتمد في كثير من احتيجاته على الدولة.. صحيح أن المملكة العربية السعودية مثلها مثل الكثير من الدول المنتجة للبترول دولة رعوية تتكفل برعاية المواطن من مولده حتى وفاته، وهذا شيء محمود، ولكنه يجب أن يكون في حدود، لا مانع من أن تضمن وتوفر الدولة الحاجيات الأساسية وتضمن حياة ومعيشة المواطن، وتؤمن له احتياجاته من التعليم والخدمات الصحية والسكن، وأن تبني قاعدة أساسية للتنمية من طرق ونقل وتوفير الكهرباء والماء النقي وتمد شبكات الصرف الصحي، وتقدم الخدمات الاجتماعية لمن يحتاجها، ولكن ألا يكون ذلك بإسراف وهدر يصل إلى حد تبديد الثروة. المملكة ودول الخليج العربية والعراق وإيران ليست وحدها التي تنتج النفط، فهناك دول صناعية كبرى كبريطانيا والنرويج وروسيا، وهي تختلف عنا بأن اقتصادها لا يعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات النفط، فإن ارتفعت أسعاره زاد دخلها وحولته إلى الاحتياطي واستثمرته لصالح مستقبل أجيالها. دولنا والتي تصنف جميعها دولاً نامية لا تزال تحاول اللحاق بالدول المتقدمة، بعضها والحمد لله منها المملكة استثمرت إيرادات النفط وأنشأت بنية أساسية وقاعدة اقتصادية قوية وشبكة متنوعة من الخدمات التعليمية كإنشاء الجامعات وخدمات صحية متطورة، والمملكة إن لا تزال تحتاج إلى حسن إدارة وخدمات بلدية وطرق ومواصلات، إلا أن بعض الدول بددت ما حصلت عليه من إيرادات ضخمة للصرف على الحروب والتدخل في شئون الآخرين كإيران والعراق وفنزويلا. واليوم تتراجع إيرادات النفط وهو ما يفرض علينا أن نواجه الواقع ونقبل التحدي حتى نتواءم على الواقع من الواقع الذي يفرض علينا أن نقلل اعتمادنا على إيرادات البترول.. وميزانية هذا العام البداية حيث سيشكل 27 % من إيرادات الميزانية على مصادر غير نفطية.. هي البداية والتي يمكن أن تتوسع ونصبح مثل النرويج وبريطانيا، ولكن هذا يتطلب أن نغير من سلوكنا الاستهلاكي والاتكالية الماضية التي تعتمد على الدولة التي تقدم كل شيء والمواطن يستهلك كل شيء دون أن يقدم شيئاً.. فالواجب أن يشعر الجميع مواطنين ومقيمين بأن ما يحصل عليه يجب أن يكون له ثمن حتى يكون حريصاً في طرق وعادات استهلاكه. مقالات أخرى للكاتب نجاح معارك استعادة الأنبار الصيادون القطريون مأساة حريق مستشفى جازان نذر الخلافات الروسية-الإيرانية تطفو على السطح السوري صفقات تقاسم النفوذ خلف الأبواب المغلقة
مشاركة :