في يونيو الماضي، توقع تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن البنك الدولي أن يدخل العالم «فترة طويلة» من «النمو الضعيف والتضخم المرتفع»، وقال ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، إن «إجراء تغييرات في السياسات المالية والنقدية والمناخية وسياسة الديون» تم «لمجابهة سوء تخصيص رأس المال وعدم المساواة». وبعد شهرين، لا تزال هذه المخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي طويل الأجل حادة. وصرح بيير أوليفييه جارينشا، المستشار الاقتصادي الرئيسي لصندوق النقد الدولي، بأن الآثار الاقتصادية السلبية لحرب أوكرانيا، جنبًا إلى جنب مع الآثار الطويلة الأمد لوباء الفيروس التاجي، فضلًا عن عدد لا يحصى من العوامل المالية الأخرى، قد دفعت الاقتصاد العالمي إلى «الترنح على حافة هاوية ركود عالمي». وبشكل خاص، أدى الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة للمستهلكين في الدول الغربية منذ فبراير 2022 إلى ارتفاع معدلات التضخم في اقتصاداتها الوطنية، ومن ثم دق ناقوس الخطر بشأن مخاطر حدوث انكماش اقتصادي كبير لبقية هذا العام و2023. وقد رفع البنك الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، أسعار الفائدة بشكل كبير لمحاولة مكافحة ارتفاع مستويات التضخم، ووصف لاري إليوت، من صحيفة الجارديان، مؤخرًا توقع بنك إنجلترا لمعدل تضخم مرتفع بنسبة 13% بـ«المتفائلة»، وترى إيزابيل شنابل، الاقتصادية الألمانية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، في ظل نظرة البنك الأوروبي السلبية لـ«توقعات التضخم» منذ رفع أسعار الفائدة في يوليو 2022 «لم يتم تخفيفه» بعد شهر، أنه يجب توقع المزيد من سعر الفائدة. في الوقت نفسه، في الولايات المتحدة، حذر الرئيس التنفيذي لبنك أوف أمريكا، بريان موينيهان، سواء كنا في حالة ركود أم لا فإنه «ليس بالأمر المهم حقًّا»، حيث إن تصور الركود هو الذي قلل من ثقة المستهلك، وبالتالي المخاطرة بمزيد من التضخم والانكماش الاقتصادي في العام المقبل. إن مثل هذه التوقعات الاقتصادية القاتمة من الخبراء قد تُرجمت بشكل غير مفاجئ إلى تنبؤات اقتصادية عالمية منخفضة من قِبَل المنظمات المالية الدولية الرائدة مثل صندوق النقد الدولي. وأفادت «جينيفر سور»، من موقع «بيزنس إنسايدر»، أن الولايات المتحدة «من المرجح أن تصارع التضخم المرتفع حتى عام 2023»، مع تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي (GDP) الآن عند مستوى إلى 2.3% لعام 2022، منخفضًا من 5.7% في عام 2021. علاوة على ذلك، حذر صندوق النقد الدولي من أن مستويات التضخم ستبلغ 6.6% في المتوسط ??للعام الحالي. وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في يوليو 2022، توقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة ليسجل 3.2% لعام 2022 و0.5% فقط للعام التالي، جنبًا إلى جنب مع 2.6% مقارنة بـ1.2% خلال هذين العامين في منطقة اليورو. ووسط ارتفاع مستويات التضخم في أوروبا المرتبطة مباشرة بانعدام أمن الطاقة، حذرت أمريتا سين، مديرة الأبحاث في إنرجي أسبكتس، من أن القارة ستشهد «انكماشًا حادًّا» في العام المقبل، وسط «ترشيد الطلب على القطاع الصناعي في أوروبا». وعلى جانب آخر من المتوقع أن تستمر الهند والصين في إظهار نمو في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022، عند 3.3% و7.4% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، ويعد هذان الرقمان أقل بنسبة 1% تقريبًا وفقًا للتوقعات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي في أبريل 2022. وبالنسبة إلى روسيا، فمن المتوقع أن يبلغ انكماش الناتج المحلي الإجمالي 6% في عام 2022، و3.5% في عام 2023. وتخالف منطقة الخليج العربي بشكل ملحوظ هذا الاتجاه من الانكماش الاقتصادي، فعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية قد انخفض بنسبة 3.4% في عام 2020 تحت وطأة جائحة فيروس كورونا، إلا أن هذا المقياس تغير بقوة، حيث حافظ صندوق النقد الدولي في أغسطس 2022 على توقعاته لشهر يوليو بأن اقتصاد المملكة سوف يتوسع بنسبة تصل إلى 7.6%. بنهاية العام الحالي، بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 3.7% أخرى في عام 2023. وقد أوضح أمين ماتي، مساعد مدير الصندوق، وسدرة رحمان، الخبيرة الاقتصادية، وكلاهما من إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أنه «من المرجح أن تكون المملكة العربية السعودية أحد أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم هذا العام»؛ بسبب «الإصلاحات الشاملة المؤيدة للأعمال التجارية»، و«الارتفاع الحاد في أسعار النفط» و«استعادة الطاقة الإنتاجية من الركود الناجم عن الوباء». وأشارت سور إلى أن هذه الزيادة ستكون «أسرع معدل توسع فيما يقرب من عقد من الزمان»، وأضاف أندرو إنجلاند، من صحيفة فاينانشال تايمز، أن الرياض الآن «في طريقها لتسجيل فائض في الميزانية بنسبة 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي عن العام الجاري، ليكون بذلك أول فائض منذ 2013»، أي ما يعادل أكثر من 56 مليار دولار. وخارج المملكة العربية السعودية، توقعت المؤسسات المالية الدولية أيضًا نموًّا اقتصاديًّا قويًّا للأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، سيرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الجماعي للمجلس من 2.1% في عام 2021 إلى 6.4% لعام 2022، مع توقع صندوق النقد الدولي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق نسبة نمو بالناتج المحلي الإجمالي لبقية عام 2022. ومن المتوقع أن تحقق الكويت أكبر ارتفاع بنسبة 8.2%، بينما قدر البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 بنسبة 5.4% (يتوقع صندوق النقد الدولي زيادة بنسبة 4.2%). بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تشهد سلطنة عُمان زيادة بنسبة 5.6%، وزيادة في قطر بنسبة 3.4%، والبحرين زيادة بنسبة 3.3% في الناتج المحلي الإجمالي الوطني بحلول نهاية هذا العام. وأشار المعلقون الغربيون إلى مكاسب دول الخليج من ارتفاع الطلب على موارد الطاقة وأسعارها، وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن البلدان «الغنية بالطاقة» في الشرق الأوسط «تستعد لجني ما يصل إلى 1.3 تريليون دولار من عائدات النفط الإضافية على مدى السنوات الأربع المقبلة، كما أنها ستتمتع بمكاسب غير متوقعة» من شأنها «تعزيز قوة صناديق الثروة السيادية في المنطقة». وهذا الرقم الأخير الذي توقعه صندوق النقد الدولي يفوق توقعاته في أبريل 2022 بتحقيق عائدات غير متوقعة بمقدار 818 مليار دولار. وأكد أندرو إنجلاند أن التوقعات الأخيرة تسلط الضوء على «مدى الدور الذي يلعبه ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا» في «انتعاش» اقتصادات دول الخليج في وقت «يعاني جزء كبير من بقية العالم من ارتفاع معدلات التضخم والمخاوف من الركود». وكتبت سور عن كيف أن المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص «تبدو وكأنها ستكون قادرة على الحفاظ على وتيرة نموها» فترة زمنية طويلة وذلك مع «زيادة عملاء النفط الكبار، مثل الهند، مشترياتهم من الخام السعودي بشكل هائل في الوقت الذي تتنافس فيه المملكة مع روسيا كمورد للطاقة». إن تعزيز أسعار النفط ليس العامل الوحيد في فهم مبررات توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في منطقة الخليج، رغم إشارة الصندوق في أغسطس 2022 إلى أن أداء «المالية العامة» للسعودية «سيتعزز بشكل كبير»؛ بسبب التطورات في الإيرادات النفطية «بالإضافة إلى زيادة أسعار الصادرات النفطية. ومن هنا، أفاد البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة بأن توقعاته بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي المذكورة أعلاه قد ارتفعت بالفعل بنسبة 5.3% في عام 2021، وفيما يتعلق بقطاع صناعة السياحة الإماراتية، أكد مطار دبي الدولي أن أعداد الركاب الذين قد يسافرون شهريًّا عبر هذا المطار الجوي يمكن أن تعود إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول النصف الثاني من عام 2023.
مشاركة :