لم يتبقّ سوى أكوام من الركام من منزل عائلة الفلسطيني حمدان شملخ من مدينة غزة بعد أن دمرته غارة إسرائيلية في موجة التوتر الأخيرة بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل. ووجدت عائلة شملخ المكونة من 18 شخصا نفسها تواجه النزوح والمصير المجهول كحال عشرات من العائلات ممن دمرت أو تضررت منازلها بشكل بالغ خلال موجة التوتر التي بدأت في الخامس من أغسطس الجاري واستمرت ثلاثة أيام. ويقول شملخ وهو في مطلع الستينات إن الصدمة تسيطر عليهم بعد أن فقدوا منزلهم الذي كان مكونا من طابقين في لحظات، ليتحولوا إلى مشردين في العراء. ويضيف أنهم تلقوا إنذارا باتصال هاتفي من الجيش الإسرائيلي يبلغهم بضرورة إخلاء المنزل خلال دقائق، مستهجنا استهداف منزلهم رغم أنهم لا ينتمون لأي تنظيم، علما أنه يعمل بائعا متنقلا للفاكهة. لين هاستينغز: الوضع متردّ والتصعيد الأخير زاد الوضع سوءا ويتابع الرجل بنبرات غاضبة “لم يكن لنا في هذه الحياة سوى منزلنا، إلا أن الاحتلال يصر على محاربتنا في وجودنا ومستقبلنا، وإلا ما ذنب أطفالي وبينهم اثنان من ذوي الاحتياجات الخاصة ليصبحوا مشردين؟”. وبحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على القطاع دمرت 20 وحدة سكنية بشكل كامل و80 بشكل جزئي بالغ جعلها غير صالحة للسكن، بالإضافة إلى 1900 وحدة سكنية تضررت جزئيا. وفضلا عن ذلك فإن العشرات من المحال والمؤسسات التجارية دمرت أو تضررت جزئيا بفعل الغارات الإسرائيلية ما جعل أصحابها والعاملين فيها دون مصدر رزق. ومن هؤلاء سامي حبوش، في منتصف العشرينات من عمره، والذي دمرت ورشة حدادة ورثها عن والده أسفل بناية مكونة من عدة طوابق تعرضت للتدمير الكامل في شرق غزة. ويقول حبوش إنه لم يتبق له بعد رحيل والده قبل أقل من شهر إلا ورشة حدادة عاش فيها أكثر مما عاش في منزله، وفيها حياته وذكرياته ومصدر رزقه مع اثنين من العمال . وبدأت جولة التوتر الأخيرة في غزة بعملية اغتيال إسرائيلية طالت القيادي البارز في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري داخل شقة سكنية وسط غزة في السادس من أغسطس. وعقب ذلك أعلنت إسرائيل عن إطلاق عملية عسكرية ضد حركة الجهاد الإسلامي بدعوى أن الحركة في قطاع غزة تخطط لهجوم ضد أهداف إسرائيلية. وقتل 46 فلسطينيا من بينهم 15 طفلا و4 سيدات وأصيب أكثر من 360 آخرين بجراح مختلفة جراء عشرات من الهجمات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من قطاع غزة على مدار الأيام الثلاثة لجولة التوتر. وفي المقابل ردت حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق نحو ألف قذيفة صاروخية باتجاه إسرائيل التي قالت إن منظومتها الدفاعية “القبة الحديدة” اعترضت 97 في المئة من تلك القذائف دون أن تسفر عن وقوع إصابات. 20 وحدة سكنية دمرت بشكل كامل و80 بشكل جزئي بالغ جعلها غير صالحة للسكن، بالإضافة إلى 1900 وحدة سكنية تضررت جزئيا خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على القطاع ووصفت جولة التوتر الأخيرة بأنها الأشد منذ مايو 2021 إثر قتال عسكري عنيف بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل استمر 11 يوما وخلف مقتل أكثر من 255 فلسطينيا و13 إسرائيليا وانتهى بوساطة مصرية. وكما سابقاتها انتهت موجة التوتر بتوسط مصر لاتفاق متبادل لوقف إطلاق النار بين الجانبين، ليتوقف التوتر الميداني لكن دون حديث عن أفق لحل معضلة المتضررين والمشردين الجدد جراء تدمير منازلهم. ويأتي ذلك في ضوء تعثر شديد يعانيه قطاع غزة في الأصل من تباطؤ عمليات إعادة الإعمار جراء الحروب الإسرائيلية السابقة وغياب المشاريع والمبادرات التنموية. ويتهم مسؤولون فلسطينيون في غزة إسرائيل بالمماطلة في السماح بعملية إعادة الإعمار من خلال الضغط على المانحين، أو عرقلة سير المشاريع التي تتوفر لها أموال. ويقول وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة ناجي سرحان إن جولة التوتر الأخيرة في القطاع فاقمت الأزمة الموجودة أصلا في القطاع في غياب عملية إعمار جدية. وبحسب سرحان فإن قيمة الأضرار المباشرة الناتجة عن غارات إسرائيل الأخيرة على قطاع غزة تتجاوز خمسة ملايين دولار في حصيلة أولية تتعلق فقط بقطاع الإسكان والبنى التحتية. ويوضح أنه سيتم إضافة الوحدات السكنية المدمرة مؤخرا إلى ملف إعادة الإعمار الخاص بالوحدات السكنية التي تم تدميرها خلال حرب إسرائيل في مايو الماضي والحروب التي سبقتها ولم يتم استكمال إعمارها. Thumbnail ويضيف سرحان أن إجمالي ما أنجز من مشاريع إعادة إعمار للحرب السابقة العام الماضي لا يتجاوز 35 إلى 40 في المئة فقط من الوحدات السكنية المدمرة البالغ عددها 1700 وحدة، حيث أن ما توفر له تمويل أو أنجز حتى الآن لا يتجاوز 800 وحدة سكنية فقط. كما أن 1300 وحدة سكنية دمرت في الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة لا تزال على قائمة الانتظار للإعمار لعدم وجود تمويل مالي خاص بها حتى الآن بحسب المسؤول الفلسطيني. ويحتاج قطاع غزة في الأصل إلى توفير 100 ألف وحدة سكنية لمعالجة التكدس السكاني الحاصل من الزيادة المتسارعة في صفوف السكان الذين تجاوزت أعدادهم المليونين ويعيشون على مساحة إجمالية لا تزيد عن 365 كيلومتراً مربعا. وصرحت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية لين هاستينغز بأن الوضع الإنساني في غزة “متردّ في الأصل، وليس من شأن التصعيد الأخير إلا أن يزيد الوضع سوءا”.
مشاركة :