تعثر اتفاقية «الشراكة عبر الهادئ» تفاقم أزمة ماليزيا الاقتصادية

  • 11/20/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يعد خفيا أن مجموعة الدول التي كانت تنوي عقد اتفاقية التجارة الحرة، المعروفة باسم الشراكة عبر المحيط الهادئ مع الولايات المتحدة الأمريكية، ستعيد النظر الآن في استراتيجيتها الاقتصادية والتجارية، في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، الرافضة لإبرام تلك الاتفاقية. وتبدو ماليزيا من أكثر الدول التي كانت تعول على تلك الاتفاقية، إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن كولالمبور ستكون ثاني أكبر المستفيدين من توقيع الاتفاقية، التي ستسهم في زيادة معدل نمو الاقتصاد الماليزي إلى 8 في المائة سنويا، نتيجة ما تتيحه من إمكانية الولوج إلى عديد من الأسواق، وفي مقدمتها بالطبع السوق الأمريكية. ومع إعلان وفاة تلك الاتفاقية أو على الأقل تجميدها إلى أجل غير مسمى، فإن ماليزيا باتت في وضع اقتصادي جديد يدفعها إلى البحث عن استراتيجيات وخيارات تجارية دولية مختلفة. وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور مايك مورجان أستاذ التجارة الدولية في جامعة ليدز، "إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه ماليزيا حاليا، ينبع من اعتماد الاقتصاد الوطني بشكل كبير ومفرط على التجارة الخارجية، لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، حيث تراجعت معدلات نمو الاقتصاد الماليزي للعام الثاني على التوالي، جراء انخفاض الطلب على الصادرات الماليزية، وتراجع أسعارها في ذات الوقت"، مشيرا إلى أن الحكومة الماليزية تهدف إلى تحقيق معدل نمو يراوح بين 4 – 4.5 في المائة هذا العام، بعد أن كان طموحها بداية العام الراهن يراوح بين 4.5 - 5 في المائة، وذلك مع تقديرات بنك التنمية الآسيوي التي تشير إلى أن ماليزيا لن تستطيع تجاوز حدود 4 في المائة نموا مقابل 5 في المائة العام الماضي و6 في المائة عام 2014. وقد ترافقت التحديات الاقتصادية التي تواجهه كولالمبور، مع ضغوطات مالية حادة تمثلت في تراجع قيمة العملة المحلية الرينجت في مواجهة الدولار، وإذا كانت مشكلات العملة الماليزية لا تعد حالة فريدة أو استثناء، إذ تواجه معظم العملات المحلية في الاقتصادات الناشئة ذات التحدي، فإن تدخل البنك المركزي الماليزي لوقف تلك التقلبات، أثار حفيظة عديد من المختصين المصرفيين وكذلك المستثمرين الدوليين. ويقول لـ "الاقتصادية" الفريد جوسبي المختص في مجال الاستثمارات الدولية "البنك المركزي الماليزي لم ينف تدخله لكبح جماح الانخفاض الذي تعرض له الرينجت، جراء تراجع سعر الصرف في مواجهة الدولار الأمريكي بنحو 1 في المائة، وعلى الرغم من أن تلك النسبة لا تعد مرتفعة، إلا أنها كانت أكبر نسبة تراجع منذ يناير الماضي، فمنذ انتخاب دونالد ترمب والدولار في حالة ارتفاع، بينما تتراجع أسعار صرف عملات الاقتصادات الناشئة، وماليزيا واحدة من أكثر البلدان التي تشهد حاليا انسحابا لرؤوس الأموال الأجنبية، إذ تخلص المستثمرون الأجانب ببيع ما قيمته مليارا دولار من سندات الخزانة الماليزية خلال شهر واحد فقط وهو شهر سبتمبر الماضي". ويقرأ المستثمرون الدوليون خطوات البنك المركزي الماليزي، باعتبارها شكلا من أشكال التحكم، أوالسيطرة غير المباشرة على حركة رأس المال، ما دفع مختصين إلى تحذير من الانعكاسات السلبية التي يمكن أن يتعرض لها الاقتصاد الوطني، إذ إن نسبة ملكية رؤوس الأموال الأجنبية من سندات الخزانة الماليزية تبلغ 40 في المائة، وهي واحدة من أعلى معدلات ملكية الأجانب في الأسواق الآسيوية، وعلى الرغم من أن الاحتياطي النقدي الماليزي يبلغ حاليا 97.8 مليار دولار، إلا أن مواصلة انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية ستمثل بلا شك عامل ضغط على تلك الاحتياطات. من جهتها تعتقد تينا وايفر دكتورة الاقتصاد المقارن أن الأزمة التي يواجهها الاقتصاد الماليزي حاليا تعود إلى طريقة الإنفاق الحكومي لتوليد معدلات نمو مرتفعة، مؤكدة أن التجارة الخارجية تمثل جزءا كبيرا من الناتج الاقتصادي الماليزي، إذ بلغت قيمة الصادرات من السلع والخدمات في المتوسط أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الـ 15 الماضية، وهو ما أدى إلى تمتع ماليزيا دائما بفوائض تجارية، وسمح للحكومة بامتلاك احتياطات ضخمة من العملات الأجنبية، مع هذا ظل هناك عجز متواصل في الميزانية العامة رغم الفائض الملحوظ في الحساب الجاري. وربما أوجد هذا الفائض شعورا زائفا لدى صانع القرار الاقتصادي بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ودفع الحكومة إلى الترويج لتحققيها توازن في الميزانية بحلول عام 2020، وستنتقل إلى مصاف البلدان عالية الدخل خلال أربع سنوات. وتشير الدكتورة وايفر إلى أنه إحصائيا يمكن لماليزيا أن تنتقل إلى فئة البلدان مرتفعة الدخل خلال أربع أو خمس سنوات، ولكن هذا لن يكون أمرا ملموسا على أرض الواقع، لأن الحكومة الماليزية تتجاهل وجود ما يراوح بين ستة وسبعة ملايين من العمال الأجانب الذين يمثلون نحو 30 إلى 40 في المائة من قوة العمل، فعندما تقوم بقسمة إجمالي الناتج المحلي على إجمالي السكان "الماليزيين" وتتجاهل هذا العدد من الأجانب، فبالتأكيد يمكنك أن تصبح في مصاف البلدان ذات الدخل المرتفع. مع هذا يعتقد الباحث الاقتصادي دبليو اتش ميلر أن أداء الاقتصاد الماليزي إيجابي حتى الآن، وأن تحقيق معدل نمو 4.3 في الربع الثالث من هذا العام قد يمكن ماليزيا من تحقيق معدل نمو إجمالي 4.1 في المائة بنهاية العام الحالي. وأكد أن هناك تحولا ملحوظا في اتجاه النمو المعتمد على الطلب الداخلي، وماليزيا بذلك تحذو حذو الصين، فالطلب المحلي ارتفع بنحو 4.7 في المائة في الربع الثالث من هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وعلى الحكومة أن تعمل على تسريع هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة بشكل كبير، إذ إن أغلب التقديرات تشير إلى أن رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة سيجذب عديدا من رؤوس الأموال الأجنبية، التي ستنسحب من الاقتصادات الناشئة، وهو ما يجب أن تعمل ماليزيا وغيرها من الأسواق الصاعدة على تفاديه عبر تعزيز الاستهلاك والاستثمار المحلي، لتظل سوقا جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية. وبدوره يعتقد الدكتور أحمد خالد الأستاذ الزائر في جامعة إكسفورد أن تخلي الإدارة الأمريكية الجديدة عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ سيدفع ماليزيا إلى مزيد من التقارب الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الصين ومنطقة الخليج العربي، مؤكدا أن الصين ومنطقة الخليج سيكونان الشريكين التجاريين الرئيسيين لماليزيا خلال الفترة المقبلة، وذلك لتضمن ماليزيا الانتقال إلى مرحلة أعلى من النمو الاقتصادي، ضمن نطاق أوسع من التمدد الجغرافي التجاري والاستثماري"، منوها بالزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الماليزي محمد نجيب عبد الرازق إلى الصين أخيرا، ووقع خلالها اتفاقيات بلغت قيمتها نحة 35 مليار دولار. وحول آفاق التعاون مع منطقة الخليج أفاد بأن العلاقة الاقتصادية بين الجانبين في مجملها، لا تزال محدودة مقارنة بما لديهما من إمكانيات اقتصادية واستثمارية، فالعام الماضي لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين ماليزيا وبلدان مجلس التعاون حدود 13 مليار دولار، وهذا يعد حجم تبادل منخفضا، لكن الأفق الأوسع الذي ربما يسبق تمدد التبادل التجاري بين الطرفين سيكون في مجال الاستثمار، فالاستثمارات الخليجية في ماليزيا محدودة للغاية، حيث لم تتجاوز استثمارات السعودية، والإمارات، حدود مليار دولار بينما بلغت الاستثمارات الماليزية في المملكة أكثر من أربعة مليارات دولار. ويشير عدد من المختصين إلى إمكانية اتساع نطاق التدفقات الرأسمالية الخليجية إلى ماليزيا في المرحلة المقبلة، باعتبارها بديلا استثماريا جيدا لرؤوس الأموال الخليجية مقارنة بعديد من أسواق الدول الغربية والولايات المتحدة التي تشهد معدلات نمو منخفض، وغموضا ينتاب تفاصيل السياسة الاقتصادية للإدارة الأمريكية الجديدة، أو مصير الاقتصاد البريطاني إذا ما انسحبت لندن من الاتحاد الأوروبي، بل ومصير الاتحاد الأوروبي ذاته في ظل تصاعد التيارات اليمينية الشعبوية المطالبة بمغادرة الاتحاد.

مشاركة :