يخرج صوت خالد قمّاش الشعري، من أواخر جيل الثمانينات في تمرحلات الشعر العامي، وهو الجيل الذي وصف بالذهبي، لأن أغلب أيقونات الحداثة في الشعر العامي كانت في تلك الفترة: (بدر وعافت والمانع والرشيدي ومسفر وصقر والنفيعي، وغيرهم)، ولكن، ودائماً المشاكل تأتي بعد لكن، كان قمّاش أكثر الشعراء هدوءا، وأقلهم بحثاً عن الضوء، إذ كان الشعر فقط، ضالته وطريقه، ولهذا لم يأخذ من كعكة المشهد الثمانيني ما يوازي جمال تجربته. الشيء الآخر الواضح، الذي ظلم مكانة قمّاش الشعرية، هو انشغاله بالصحافة إلى جانب الشعر، فأخذت الصحافة منه جهده وتركيزه الذهني، مما ظلم شاعريته كثيرا، حتى تباشرنا الخير والطير، وهو يقف على إحدى منصات توقيع معرض جدة الدولي للكتاب، موقعاً ديوانه الأول "من دفتر الغيم"، بعد أكثر من 20 عاما من الانتظار والتردد. لا أظن أي مهتم بالشعر العامي الحديث، يجهل هذا المقطع الشعري المُكثّف والفاتن: " في ذمّتك كلّ الورود اللّي مشيتي جنبها ما شمّتك؟" وهو مقطع، يكشف لنا أهم سرّ من أسرار لغة خالد قماش الشعرية، فمجهود خالد الذهني وقت الكتابة، كما أراه، ينصبّ كلياً على انتقاء المفردات، فهو حتى وإن قبض على صورة شعرية ما، إلا أنه يحرص بشدة على أن يقدمها في قالب لغوي حديث ومثقف، إذ لا تغريه القوالب الشعرية المباشرة. الديوان يضم في غالبه، قصائد عاطفية وغزلية، وهي الاتجاه الأبرز لتجربة قماش، ونادرا ما تجد نصا غزليا له، دون حضور مفردات الغيم والماء والسحاب والنهر والأشجار والورود في أغلب نصوصه العاطفية والوجدانية، فكأنما يكتب نصا مائيا، وهو المعادل الموضوعي للحياة والارتواء: هذا الكرز لا تدلّى وقال اقطفني من سلسبيلك تشرّبني وأرواني دخيل نجل العيون يا من يجاوبني وش طيّحك واقفة في حُب زهراني؟ الديوان إضافة إلى السمة الغزلية البارزة فيه، تضمّن مقطوعات تشابه فكر خالد قماش، وتوجهاته ضد التطرف الديني، كما في قوله: قلت: دينٍ وامتثال.. قلت: عدلٍ واعتدال، قلت: إنصاف وتسامح.. قلت: رحمة تشرئب لها الملامح، قال: آسف.. الحوار يبدا بطلقة، وينتهي بحزام ناسف! الكتابة عن شاعرية خالد تطول، ولا تكفيها مساحات الزوايا الصحفية، لكنه يظل صوتا شعريا حداثيا مميزا، وواعيا لما يكتب، وكيف يكتب. من دفتر غيماته وكلماته، أختم بهذا المقطع: "آه يا غيم الرسايل.. آه يا عطر الورق زرقة البحر الشهية.. مغرية حد الغرق!" وديوان (دفتر الغيم) مغرٍ للقراءة حدّ الغرق.
مشاركة :