باريس - بدأ الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون في تهيئة الفرنسيين لفترة عصيبة ومرحلة من الأزمات، بسبب تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا وموجة جفاف غير مسبوقة تضرب أوروبا عموما، داعيا الشعب للتضحية ومطالبا الوزراء بأن يسموا الأشياء بمسمياتها وتوصيفاتها دون مبالغة أو تهوين. وتصريحات ماكرون التي جاءت خلال اجتماعي حكومي تأتي بينما تواجه فرنسا خاصة ومنطقة اليورو عموما ارتفاعا قياسيا في معدل التضخم وانهيارا للعملة الأوروبية أمام الدولار الأميركي. وتشير معظم التحليلات وحتى تصريحات مسؤولين أوروبيين إلى أن دول الاتحاد قد تشهد اضطرابات اجتماعية حادة وفرنسا ليست استثناء في خضم التطورات الراهنة وقد شهدت في السنوات الأخيرة احتجاجات شعبية وعمالية ومن المتوقع أن تشهد هذا العام موجة اضطرابات على ضوء تدهور الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة وفواتير الكهرباء والغاز. وكان من المتوقع أن ينخفض اليورو في ظل دفع اميركي لفرض عقوبات على روسيا وهي الموجة التي انخرط فيها الاتحاد الأوروبي الذي يستورد معظم احتياجاته من الطاقة من روسيا. وبالنتيجة وجد الأوروبيون أنفسهم في وضع صعبا يتوقع أن يكون أشد قسوة مع اقتراب فصل الشتاء وتقلص إمدادات الطاقة من روسيا بشكل كبير من دون أن تكون هناك بدائل لسد الفجوة بعد أن شرع الأوروبيون في تقليص تدريجي لوارداتهم من الغاز الروسي الذي يستخدم في توليد الكهرباء وتشغيل المصانع والتدفئة وفرنا من ضمن الدول الأوروبية التي من المرجح ان تتأثر بشكل كبير بهذه التداعيات. وقال ماكرون لشعبه اليوم الأربعاء إن الأشهر المقبلة ستستدعي على الأرجح بذل جهود وتضحيات في ظل مواجهة العالم ما سماه "تحولا كبيرا" وما قد يكون شتاء عصيبا. وتابع الرئيس الفرنسي الذي اكتسبت بشرته سمرة وبدت نبرته حازمة، مخاطبا وزراءه في أول اجتماع للحكومة بعد عطلة الصيف إن العالم شهد نهاية المُسلَّمات والوفرة اليسيرة للبضائع والموارد، و"راحة البال الأكيدة". وأضاف "اللحظة التي نعيشها قد تبدو ناجمة عن سلسلة من الأزمات وكل أزمة منها أخطر من الأخرى"، في إشارة إلى الجفاف والحرائق والعواصف التي اجتاحت فرنسا خلال فصل الصيف والحرب في أوكرانيا واضطرابات التجارة العالمية. كما حث ماكرون وزراءه على التحلي بالطموح قائلا "أعتقد أن ما نمر به هو تحول كبير، وتغير كبير". ووجه الحديث إلى الشعب الفرنسي الذي يعاني بالفعل من معدلات تضخم مرتفعة ضمن تبعات الحرب على أوكرانيا، قائلا "للحرية ثمن. المعارك التي علينا خوضها... سنفوز بها فقط بجهودنا". كما أشار إلى أن الحكومة ستبدأ في تنفيذ خطط طال انتظارها لتكثيف مكافحة التغير المناخي. ويواجه ماكرون الذي فاز بفترة رئاسية ثانية في أبريل/نيسان ولكنه خسر الأغلبية المطلقة في البرلمان، عددا من التحديات في الأشهر القليلة المقبلة، بما يشمل إقناع المشرعين الممانعين بتمرير ميزانية العام 2023. وهناك مسألة مهمة أخرى هي ما إذا كان سيمدد العمل بالحد الأقصى لأسعار الكهرباء والغاز الطبيعي الذي ينقضي بنهاية العام الجاري وتقديم خصومات على سعر الوقود، وهما أمران ساهما في إبقاء معدل التضخم الفرنسي أقل من دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي، ولكنهما يثقلان كاهل مالية الدولة بشدة. ويجري أيضا العمل على إصلاحات في برامج المعاشات وإعانات البطالة وقد تثير احتجاجات في الشوارع. وقال ماكرون مخاطبا وزراءه "أتوقع أيضا التحلي بالجدية والمصداقية في مواجهة هذه الصعوبات، وهذه التحديات". واستطرد قائلا "قد يكون أمرا مغريا قول ما يريد الناس سماعه... ولكن عليكم أولا أن تتساءلوا إن كنتم تتمتعون بالكفاءة". وخلال اجتماع للحكومة في باريس، قال ماكرون "تبدو الأوقات التي نعيشها وكأنها مبنية على سلسلة من الأزمات الكبيرة وقد يرى البعض أن مصيرنا دائما محكوم بإدارة الأزمات أو الحالات الطارئة. من جهتي، أعتقد أننا نمر بتحول كبير أو اضطراب كبير". في مواجهة هذا الوضع "قد يشعر مواطنونا بقلق بالغ" داعيا الحكومة إلى "قول الأشياء" و"تسميتها بوضوح كبير وبدون تهويل"، مضيفا "أتوقع من الحكومة احترام وعودها والالتزامات التي تعهدنا بها امام الأمة". وتابع "ما آمل أن نتمكن من القيام به في الأسابيع والأشهر المقبلة هو إعادة التأكيد على وحدة الحكومة، لقوى الأغلبية" حول "المسار الذي سيسمح لنا بتعزيز سيادتنا واستقلالنا الفرنسي والأوروبي". وأمام "صعود الأنظمة غير الليبرالية" و"تعزيز الأنظمة الاستبدادية"، دعا ماكرون وزراءه إلى التحلي بـ"الجدية" و"المصداقية" وعدم الانصياع لإغراء "الغوغائية". وأشار إلى أنه "من السهل أن تعد بأي شيء وبكل شيء، وأحيانا قول كل شيء وأي شيء. دعونا لا نستسلم لهذه الإغراءات، إنها غوغائية. إنها تزدهر في جميع ديمقراطيات العالم الآن، في عالم معقد يثير الخوف".
مشاركة :