أكاديمي وخبير اقتصادي مثلما قدمت التكنولوجيا المالية اسلوبا جديدا في التعامل مع العملاء والمستثمرين، فقد قدمت نمطا جديداً ومختلفاً للخدمات المالية. اذ انها تميزت في سرعة تنامي المهارات لتقديم الخدمات المالية والمصرفية وايصالها الى العميل عبر المزج بين المعارف العميقة في القضايا المالية والمصرفية والمعلوماتية والتقنية، ولم يتوقف نمو ابتكاراتها عند حدود معينة انما هي متواصلة في تطورها الامر الذي جعل منها بحق تحديا بل تحديا كبيرا للقطاع المالي والمصرفي، الامر الذي دفع البنوك المركزية في العالم لتوطيد التعاون فيما بينها للبحث في افضل الوسائل والاساليب لتدنية تحدياتها، وفي نفس الوقت تعظيم الاستفادة منها، وقد وجد بنك التسويات الدولية الذي هو بمثابة البنك المركزي للبنوك المركزية في العالم ومرجعيتها الفنية، ان من الانسب انشاء مركز متخصص لمساعدة البنوك المركزية في مواجهتها لتحدي التكنولوجيا المالية، وفد تم اطلاقه عام 2019 بمسمى مركز ابتكار. وهدف الى تحسين أداء النظام المالي العالمي، ومعرفة وتطوير الرؤى السائدة في مجال التكنولوجيا التي تؤثر على عمل البنوك المركزية، ومساعدتها لمواجهة تحديات التكنولوجيا المالية. اما على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي فقد برز مصرف البحرين المركزي في خطواته الواثقة وانجازاته المميزة لمواجهة تحديات التكنولوجيا المالية واقتناص فرصها على الصعيد الوطني والتعاون مع البنوك المركزية الخليجية والعربية والعالمية وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي. وقد شهدت البحرين تحولاً كبيرا منذ عام 2017 في مجال التوجه القوي نحو التكنولوجيا المالية، وذلك بنمو البيئة الداعمة للتكنولوجيا المالية في المملكة، وتأسيس صندوق الصناديق «الواحة» بقيمة (100) مليون دولار أمريكي لمساعدة وتمويل الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها شركات التكنولوجيا المالية، إلى جانب الأعداد المتزايدة من الشركات الملتحقة ضمن مبادرة البيئة الرقابية التجريبية التي أطلقها مصرف البحرين المركزي لتطوير المنتجات والخدمات المالية الجديدة. كما قام كل من مجلس التنمية الاقتصادية ومصرف البحرين المركزي بتنظيم «أسبوع التكنولوجيا» للمدة (24- 28) سبتمبر 2017 الى جانب المؤسسات التنظيمية وأصحاب المشروعات الناشئة،، حيث تم بحث أثر ودور التكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني بالإضافة إلى الحوسبة السحابية على مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تركت نشاطات البحرين في هذا المجال انعكاسا ايجابيا في التقرير العالمي للبيئة الداعمة للشركات الناشئة، الذي أصدرته الشبكة العالمية لريادة الأعمال و«ستارت أب جينومي» عام 2018، والذي صنف البحرين باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي تم إدراجها ضمن قائمة «البيئات الداعمة تحت المراقبة» في مجالي التكنولوجيا المالية وصناعة الألعاب. وعلى الصعيد الهيكلي اضاف مصرف البحرين المركزي وحدة جديدة الى هيكله الاداري مختصة في مجال التكنولوجيا المالية تسمى «وحدة التكنولوجيا المالية والابتكار» بهدف اجراء أبحاث السوق حول الابتكارات التي تحدث في القطاع المالي، ووضع استراتيجيات للاستفادة الفعالة من التكنولوجيا الناشئة. وسعى مصرف البحرين المركزي الى تشجيع قيام التحالفات بين الشركات الناشئة محليا والشركات العالمية المعروفة في هذا المجال، وكذلك تشجيع البنوك المحلية على اتخاذ مبادرات عديدة بهدف خلق النظام البيئي الملائم لنجاح وازدهار هذه الصناعة. كما وفر مصرف البحرين المركزي البيئة الملائمة لتطبيق تكنولوجيا البلوك تشين، لتكن مملكة البحرين اول دولة في المنطقة تطبقها، وذلك في اطار سعيها لاستنبات وتوطين التكنولوجيا المالية. وفي الخامس عشر من شهر اغسطس 2019 أصدر مصرف البحرين المركزي التوجيهات النهائية الخاصة بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية والتي تهدف الى تطوير تكنولوجيا التأمين «Insure-Tech» وبذلك يكون مصرف البحرين المركزي ضمن البنوك المركزية القليلة التي أصدرت توجيهات تتعلق بوسطاء التأمين عبر المنصات الإلكترونية، مما عزز من مكانة البحرين كمركز اقليمي رائد للتكنولوجيا المالية. ولأهمية التشريعات المصرفية في خلق البيئة التنظيمية المواتية لتوطين شركات التكنولوجيا المالية قام مصرف البحرين المركزي بإصدار العديد من التشريعات الهامة والجديدة المتعلقة بالتكنولوجيا المالية، مثل التشريعات المتعلقة بالأصول المشفرة، والتشريعات المتعلقة بـ«الاستشارات الإلكترونية»، ليضاف الى ما تم تحقيقه من تعديلات عديدة على التشريعات المالية والمصرفية، أهمها التعديل الخاص بالحوسبة السحابية، حيث أن البحرين أول دولة في المنطقة سمحت للمؤسسات المالية بأن تستخدم الحوسبة السحابية بشكل كامل. كما سعى المصرف الى تطوير القدرات المهنية وتأهيل الموارد البشرية البحرينية في مجال صناعة التكنولوجيا المالية، وتوفير منصات تدريبية ومهنية وتعليمية رفيعة المستوى تدعم نمو وتطوير الموارد البشرية. وعلى صعيد موقف مصرف البحرين المركزي من العملات الافتراضية فانه يعدها اصولا عالية المخاطر، ويحذر مواطنيه من مخاطر التعامل والتداول والاستثمار فيها، الا انه لا يمنعهم من ذلك، كما انه صرح لشركة رين بفتح منصة لها في البحرين للتداول والاستثمار بالعملات الافتراضية. بالإضافة الى ان مصرف البحرين المركزي يسعى لإصدار دينار رقمي بحريني يتضمن المزايا والمرونات التي توفرها العملات الافتراضية، لكنه مضمون ومؤمن ومحمي من قبله. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
مشاركة :