تعدّد مبادرات التسوية يعقّد جهود حل الأزمة السودانية

  • 8/25/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

وقَّعت “قوى إعلان الحرية والتغيير – التوافق الوطني” في السودان على “إعلان سياسي للحكم المدني الديمقراطي” ينص على تشكيل جسم سيادي لإدارة فترة انتقالية في انتظار عرضه على بقية الأطراف السياسية، إلا أن تعدد مبادرات التسوية يعقد جهود حل الأزمة السياسية بدل تطويقها. وقال القيادي في “التوافق الوطني” سليمان صندل إن “الإعلان السياسي تضمن مبادئ عامة تنص على التأكيد على وحدة السودان والتنوع الديني والعرقي والثقافي واحترام الأديان ومبادئ المواطنة المتساوية”. وأفاد بأن “الإعلان نص كذلك على تشكيل جسم سياسي انتقالي تتفق الأطراف على صلاحيته ومهامه، وتكوين المحكمة الدستورية، وتعيين رئيس وزراء ومجلس الوزراء من الكفاءات الوطنية”. وحدد الإعلان السياسي مدة الفترة الانتقالية بـ30 شهرا تبدأ من تاريخ التوقيع عليه. ومن المنتظر أن تعرض هذه القوى الإعلان السياسي على الأطراف الأخرى للنقاش بهدف الاتفاق على صيغة واحدة. ويشكك محللون في موافقة بقية الأطراف السياسية على هذا الإعلان السياسي، إذ أنهم يتهمون “قوى إعلان الحرية والتغيير- التوافق الوطني” كونها جبهة موالية للجيش وتمثل ذراعه السياسية. أمين إسماعيل مجذوب: كل المبادرات المطروحة كيدية لإبطال مبادرات الطرف الآخر ويشهد السودان تعقيدا سياسيا وتدهورا اقتصاديا وأمنيا منذ أن فرض قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 إجراءات استثنائية يعتبرها المعارضون “انقلابا” ويراها هو “تصحيحا لمسار الفترة الانتقالية”. ولقرابة عشرة أشهر يزداد الوضع سوءا يوما بعد آخر باعتراف الجميع، بمن فيهم السلطة العسكرية الحاكمة التي تتهم القوى السياسية بأن تشرذمها وعدم توافقها هو ما أوصل البلاد إلى هذه المرحلة الخطرة. وبوتيرةٍ شبه يومية، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وترفض إجراءات البرهان الاستثنائية ومنها حل مجلسي السيادة والوزراء وإقالة الولاة. والأحد دعا البرهان وهو رئيس مجلس السيادة الانتقالي أيضا، القوى السياسية إلى “تحمل مسؤولياتها الوطنية لأن البلاد لا تحتمل المزيد من التشرذم والتجاذب السياسي”. وأضاف أن “الفترة الانتقالية محاطة بكثير من التحديات والوقت يتسرب من بين أيدينا وشعبنا طال انتظاره”. ومطلع أغسطس الجاري، وردا على سؤال بشأن إن كان قادة الجيش نادمين على الإجراءات الاستثنائية، قال نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) “للأسف الشديد، نحن لم ننجح في التغيير لأسباب لن أتحدث عنها الآن”. وتابع حمديتي “عندما تفكر في التغيير يكون لديك هدف ورؤية.. لكن للأسف الشديد لم يتم الشيء الذي كان مخططا له، وفشل الأمر. والآن سرنا نحو الأسوأ”. وإلى جانب الأزمة السياسية، يعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه إلى أرقام قياسية في الأسواق الموازية. واعتبر المحلل السياسي عبدالمنعم أبوإدريس أن “حل أزمة البلاد الحالية يكمن في تسوية سياسية بين الأطراف السودانية عسكريين ومدنيين تأتي بحكومة مدنية متفق عليها”. وشدد على ضرورة “أن تكون لدى الحكومة المدنية هذه قدرة على التعامل مع الأزمات الراهنة التي تحتاج إلى مجهودات كبيرة”. وتابع أبوإدريس “هناك عامل آخر مهم في طول أمد الأزمة واستمرارها يتمثل في التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوداني”. وأردف “على قوى إقليمية ودولية (لم يسمّها) أن تتوقف عن التدخل في الشأن السوداني، لأنها تُصّعب عملية التسوية، وللأسف هي تعمل وفق أجندتها وليس لصالح السودان”. وأما وزير الثقافة والإعلام السابق بولاية الخرطوم يوسف حمد، فقال إن “الحل يكمن داخليا في موقف سياسي أكثر جدية تضطلع به الأحزاب”. وأوضح أن “هذا الموقف لا يعني إلغاء ما تقوم به قوى الثورة في الشارع، بل يترافق مع نشاط لجان المقاومة (نشطاء) والأجسام النقابية الأخرى الرامي إلى العودة إلى مسار انتقالي، خصوصا وأنها في إطار حراكها الثوري دعت إلى إضراب عام في الأيام المقبلة”. واعتبر أنه على القوى والمنظمات الدولية الانتباه إلى أن التحالف الحالي “من شأنه أن يجعل السودان أكثر هشاشة وموئلا لأكثر الأنشطة تطرفا وخرقا للمواثيق الدولية”. ودعا حمد المجتمعين الدولي والإقليمي إلى “الاستثمار في توق الشعب السوداني الثائر إلى علاقة سليمة ومعافاة مع الأسرة الدولية، وذلك باستعادة المسار الانتقالي المنقطع”. ونفى البرهان أكثر من مرة صحة اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تهدف إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهد بتسليم السلطة بانتخابات أو توافق وطني. وحذر الخبير الإستراتيجي أمين إسماعيل مجذوب من أن “السودان يسير سريعا نحو الهاوية.. إما هاوية بفشل الدولة وإدارتها أو بالصراع المسلح”. وأضاف مجذوب أنه “لا يوجد طريق الآن غير التوافق والجلوس والتنازلات الحاسمة وجعل مصلحة السودان هي العليا والتنازل عن المصالح الذاتية والحزبية”. وتابع “هناك حاليا سوء وفشل في إدارة الدولة، ومن الواضح أن هناك تنافسا لفرض حالة معينة من الفوضى تساعد على السيطرة”. واستطرد “هذا الفريق (لم يسمّه) يعمل على الوصول بالبلاد إلى الهاوية، وفي تلك المرحلة يستطيع أن يحكم وهو أمر خطير في التفكير”. إلى جانب الأزمة السياسية، يعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه إلى أرقام قياسية في الأسواق الموازية وأكد مجذوب أنه “لا بديل سوى بالاتفاق والابتعاد عن الخيارات الصفرية والسيناريوهات الظلامية، لأن استمرار الوضع الحالي يؤدى إلى خيارين أولهما هو فرض حل خارجي في شكل مؤتمر ‘الطائف’ السوداني”. واتفاق الطائف في السعودية لعام 1989 أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، وكرس معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة التي توزع المناصب الرئيسية بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة. وأكمل مجذوب أن الخيار الثاني هو “التدخل تحت ذريعة أسباب إنسانية” بمعنى أن يكون هناك “بريمر جديد” في السودان، ويتم تحجيم قدرات البلاد حسب ما يرى المجتمع الدولي من خلاله. وهو يشير إلى بول بريمر الحاكم المدني في العراق الذي عيّنه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن عام 2003، بعد أن أسقطت قوات تحالف دولي بقيادة واشنطن حكم الرئيس الراحل صدام حسين. وأردف مجذوب “ولذلك من المفترض أن يعلم السودانيون أن الحل في التوافق وعدم الإقصاء أو الذهاب إلى الخيارات الخارجية”. ورأى أن “كل المبادرات المطروحة في الساحة هي مبادرات تنافسية بين مجموعة وأخرى أو كيدية لإبطال مبادرات الطرف الآخر”.

مشاركة :