قراءة جديدة لأشكال «الموال الشعبي» العربي

  • 8/25/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الفنون الشعبية هي «التعبير الصادق عن روح الشعوب ووجدانها عبر العصور؛ فما بين القصص والملاحم والغناء والأزجال والمواويل وغيرها تروي هذه الفنون لحظات محنة الجماعة كما لحظات انتصاراتها، وتخلد صفحات من حياتها وعاداتها وتقاليدها وقيمها الجمالية»، وفي كتاب جديد للشاعر وباحث التراث الشعبي المصري درويش حنفي المعروف باسم درويش الأسيوطي صدر حديثاً كتاب يرصد أحد قوالب الإبداع الشعبي الشفاهي العربي وهو الدور أو الموال متناولاً أشكاله وخصائصه. يعد الكتاب استكمالاً لسلسلة أعمال تتجاوز العشرة كتب لابن قرية الهمامية بمحافظة أسيوط (جنوب مصر) تبحر جميعها في أعماق التراث الشعبي وخصوصية المكان؛ ومن أبرز أعماله كتاب «أفراح الصعيد الشعبية» بجزأيه الصادرين عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، والذي جمع فيهما أغاني الصعيد والحجاج والمدائح التي تغنيها النساء بمناسبة الحج وزيارة قبر الرسول (عليه الصلاة والسلام) بالمدينة المنورة، كما تناول ليالي الحنين واستقرار المسلم على الحج. أما في كتابه «طبيخ الصعايدة»، الذي صدر أخيراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فنتعرف على أنواع الطعام في التراث الشعبي في الصعيد، وتخزين الحبوب، ووصفات مختلفة من مطبخ الصعايدة وأدواته. يقول الأسيوطي لـ«الشرق الأوسط»: إن «صعيد مصر بيئة شديدة الثراء والإلهام لأي كاتب شغوف بالتراث والحضارة والعراقة، ولذلك أستطيع التأكيد على أنه يمثل كنزاً حقيقياً أدعو المبدعين إلى النهل منه». «يا ليل يا عين»... جملة يعرفها جيداً عشاق الطرب، تجتذب آذانهم وتحضرها للاستماع إلى الموال الذي يبدأ بها في الغالب، لتتآلف مع المقام الموسيقي وتحقق الانسجام بين المستمعين والمغني والآلة التي تصاحبه أو تبطن له، لكن اللافت أنه في مصر لم يعد هذا التعلق يقتصر على كبار السن أو الأفراح والمناسبات الشعبية كما كان في السابق؛ فقد أدت الحفلات التي يقدمها المنشدون والمطربون المنتمون للفن الفلكلوري في المراكز الثقافية والأوبرا على ما يبدو إلى تعلق الشباب بها أيضاً، إلى حد أنه لم يعد من الغريب أن تجدها كفقرة فنية في أعراس الطبقة الراقية في القاهرة. يساهم ذلك الانتشار في زيادة أهمية كتاب «أشكال الموال الشعبي في مصر» لدرويش الأسيوطي؛ لأنه يشبع شغف القارئ بمعرفة تاريخ الموال ومفهومه وألوانه المختلفة، كما أنه يمنع في الوقت نفسه الخلط بينه وبين أي قوالب إبداعية شعبية أخرى عبر الإبحار في عالمه وجذوره، إضافة إلى الدور التوثيقي للكتاب وحفظ هذا الفن من الاندثار. يقول الأسيوطي: «ربما صدر العديد من الكتب التي احتفت بالموال، لكنه لم يكن موضع تأصيل ممنهج أو محل دراسة خاصةً، حتى أن البعض صار يخلط بين الموال وعناصر أخرى من تراثنا الشفاهي كفن الواو والنميم، وقد اخترت تناول الموال كنص أدبي له بنيته وأشكاله ومقوماته الخاصة». في الفصل الأول نتعرف على المفهوم الصحيح للموال كقالب للموسيقى الغنائية العربية التقليدية، فيه يظهر المغني قدراته في الأداء ومساحة صوته، ويلفت الكاتب إلى أن «الموال فن غنائي شعبي في كل الدول العربية، ويؤدى عادة إما بطريقة السرد الإلقائي أو السرد الموقع، لكن بشكل عام يعتمد هذا الفن على الارتجال والبراعة في استعراض الانتقالات اللحنية والتطريب». ورغم أن الكتاب بحسب عنوانه قد يوحي باقتصار التناول على الموال في مصر وحدها، إلا أن الأسيوطي احتفى بتتبع جذوره وأنواعه في المنطقة العربية أيضاً، باعتبار أنه لا يمكن فصل الجزء من الكل والتطور عن البدايات. ويوضح: «مما لاشك فيه أن التراث العربي مدين بالموال للعراق، وعاصمة الرشيد بغداد، ففي أروقتها نشأ فن «المواليا» الجد الأول لكل المواويل العربية على اختلاف أشكالها». ويذهب بعض الدارسين وفق الكاتب إلى أن أول من ابتكر «المواليا» إحدى جواري البرامكة؛ فقد قيل بأن الخليفة هارون الرشيد لما نكب البرامكة حظر أن يذكرهم أحد، إلا أن جارية لهم كانت تقف بقصورهم المهدمة وترثيهم بشعر عامي اللغة تختمه بقولها: «يا موالياه»... ومن هنا جاء الاسم. وعبر صفحات الكتاب نتعرف كيف أسهم الشعب العراقي (كما أسهمت كافة الشعوب العربية) في تطوير الموال، ليصير واحداً من فنون العامة في مصر والشام والجزيرة العربية والمغرب العربي، بعد أن صبغه كل شعب بعناصره الثقافية الموروثة الخاصة به، لذلك ليس من الغريب أن نكتشف أن الموال في كل الدول العربية يتشابه من حيث إنه يأتي على «بحر البسيط» وفي استخدام اللغة المحكية أو العامية في صياغته. وفي عودة إلى الموال في مصر يقول الأسيوطي في كتابه: «لقد أغرم المصريون بأنواع من المواويل دون الأخرى، وابتدعوا ما سمي باسمهم، فالمصريون عشقوا الشكل الرباعي، حتى أن بعض المناطق استخدمت هذا النوع في صياغة السير والقصص الشعبية، كما كان للدور السبعاوي حظ وافر من الاهتمام المصري». ويتابع: «ابتدع المصريون كذلك «الشكل السداسي الأعرج» والمسمى بـ(المصري) كما شاع الموال القصصي في مصر وكثر مبدعوه، ومنهم من صنع قصة شعرية من حكاية حسن ونعيمة، أو شفيقة ومتولي، أو ناعسة وأيوب، أو ياسين وبهية، أو قيس وليلي، أو عزيزة ويونس، كما عرفنا «موال الدرس» قاتل مأمور البداري المتعاون مع الإنجليز وموال أدهم الشرقاوي وغير ذلك». وفي النهاية يؤكد الكاتب أن «الموال الشعبي لا يزال حياً في مصر، يأخذ بألباب العامة والنخب، وقد يطغى جديد الغناء على الموال لكنه حين يحضر فإنه يستقطب الأسماع».

مشاركة :