استقلالية الكويت عن العراق تاريخياً، وسيادتها على أراضيها وشعبها، تجلَّت في مجال جديد لم يتطرَّق إليه معظم الباحثين والتاريخيين، وهذا المجال هو المجال القضائي. ففي عهد الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله تعالى، اشتكى بعض الكويتيين ضد كويتيين في محاكم البصرة، مطالبين بالعدالة والإنصاف، وهذا الأمر أثار استياء الشيخ أحمد الجابر، لأن طرفي الشكوى من أهالي الكويت، ويوجد في الكويت محاكم تقوم بالنظر في مثل هذه الشكاوى القضائية وتحكم بالعدالة والإنصاف. ولا شك في أن الشيخ أحمد كان يدرك أن مثل هذه القضايا تمس سيادة الكويت واستقلالها، لذلك سارع بالكتابة إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، وأبلغه بما يجول في خاطره، وطلب منه أن تعمل الحكومة البريطانية على إبلاغ العراق بعدم قبول قضايا أو شكاوى يكون طرفاها من أهالي الكويت. إليكم نص رسالة الشيخ أحمد: «من أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت إلى حضرة حميد الشيم عالي الجاه الأفخم المحب العزيز كرنل جي سي مور بولتكل اجنت الدولة البهية القيصرية الإنكليزية بالكويت دام محروسا.. بعد السلام والسؤال عن شريف خاطركم دمتم بخير وسرور. بعده لا يخفى سعادتكم من جهة رعايانا أهل الكويت الذين تجري بينهم مسائل حقوق وتتشكل دعواهم بالكويت أو في مسائل متعلقة بالكويت لا في العراق نحب نبين لسعادتكم أنه إذا أحد من رعايا الكويت اشتكى على واحد من أهل الكويت عند حكومة العراق فلا ينبغي أن حكومة العراق تسمع دعواهم على كذا مسائل متعلقة بالكويت. أما إذا كانت الدعوى على مسائل مختصة بالعراق مثل نخيل أو عقار أو غير ذلك فلا باس، أما إذا مسائلهم متعلقة بالكويت فاللازم أن حكومة العراق ترفض دعواهم لكي تكون قوانين الطرفين محترمة. وقد جرت في محكمة البصرة دعوى بين أهل الكويت، وفعلاً المحكمة سمعت دعوى المدعي، وطلبت حضور المدعى عليه في مسائل متعلقة بالكويت ومتشكلة عندنا وموجهينها إلى الشرع والعرف وعند النهاية جرت هذه المسئلة (المسألة) وهذا الشيء غير مناسب لحالة الطرفين. فلهذا نرجو من لطفكم أن تراجعون الحكومة في هذا الخصوص، وتنظرون هذه المسئلة (المسألة) بعين العناية، فلا زلتم موفقين 15 ذو الحجة 1346». وبعد دراسة هذا الموضوع بدقة وعناية مع الجهات المعنية في الحكومة البريطانية، رد الوكيل السياسي البريطاني بالكويت على رسالة الشيخ أحمد بالقبول، وإليكم الرسالة الجوابية: «حضرة المكرم الأفخم حميد الشيم صاحب السعادة المحب العزيز الشيخ أحمد الجابر الصباح سي آي أي حاكم الكويت المحترم.. بعد السلام وتقديم الاحترام والسؤال عن عزيز وشريف خاطركم. منخصوص مكتوب سعادتكم المؤرخ في 15 ذي الحجة 1346 بموضوع بعض قضايا قبلت في المحكمة بالبصرة وكان فيها الطرفين من رعايا الكويت. لي الشرف أن أخبر سعادتكم أن فخامة المندوب السامي في العراق أمر بإجراء الفحص، وأنه أرسل بطيه لإخبار سعادتكم ترجمة مذكرة بهذا الموضوع من المستشار البريطاني لوزارة الحقانية ببغداد قد أعدت نتيجة لذلك. ان فخامة المندوب السامي يقول ليطمئن سعادتكم ان نحاكم العراق ترفض النظر في قضية الطرفين فيها من رعايا الكويت وساكنين الكويت وسببها على الإطلاق حادث في الكويت ويتضح أن الدعاوى التي تحت المراجعة لا يمكن تطبيقها على تلك القاعدة البسيطة».
مشاركة :