لم تطَلْ العقوبات الأميركية التي فرضت على سوريا البشر فقط وإنما شمل تأثيرها العديد من مناحي الحياة، ومنها زراعة شجرة الفستق الحلبي المشهورة في البلاد، والتي كان يحتل إنتاجها في سوريا مراتب متقدمة عالميا، وهي مفضلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويعد الفستق الحلبي، الذي يستخدم بشكل خاص في المكسرات وصناعة الحلويات والبوظة العربية وفي تزيين الأطباق الشرقية، من أجود الأنواع في العالم، وقبل اندلاع الحرب عام 2011 كانت سوريا تعتبر أحد أبرز من يصدره إلى الخارج. ويزرع الفستق الحلبي بشكل أساسي في محافظة حلب (شمال سوريا) التي يشتق اسمه منها، وفي أدلب وحماة، حيث يعد من أبرز محاصيل بلدات معان وصوران ومورك، وكان عدد كبير من المزارعين يعتمدون بالدرجة الأولى على زراعته وبيعه قبل أن ينزح العديد منهم إثر تصاعد وتيرة العمليات العسكرية. وفي بلدة معان بمحافظة حماة (وسط سوريا) يسعى المزارعون والمسؤولون الحكوميون لإعادة إنتاج الفستق إلى ما كان عليه قبل الحرب، لاسيما وأن المنطقة كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة منذ سنوات عديدة، مما تسبب في موت الكثير من الأشجار نتيجة الإهمال. ومع ذلك يواجه المزارعون عقبة كبيرة أمام إحياء إنتاج الفستق السوري الشهير، وهي العقوبات الأميركية التي تحرمهم من تصدير منتجاتهم إلى الخارج. وقال جهاد المحمد، رئيس مكتب الفستق الحلبي في وزارة الزراعة في حلب، لوكالة أنباء شينخوا “إن المزارعين تأثروا بشكل كبير بالعقوبات الأميركية التي أثرت بشدة على عمليات تصدير الإنتاج”. ألف شجرة فستق على الأقل تضررت خلال الحرب بحسب تصريحات المسؤولين، لكن الأرقام أعلى من ذلك بكثير 600 ألف شجرة فستق على الأقل تضررت خلال الحرب بحسب تصريحات المسؤولين، لكن الأرقام أعلى من ذلك بكثير وأضاف المحمد أن “شجرة الفستق الحلبي تعرضت للأزمة مثلما تعرضت لها البلاد بشكل عام، فقد تسببت في هجرة المزارعين، وعانت تلك الشجرة من الإهمال وقلة الخدمات مما انعكس سلبا على إنتاجيتها بشكل كبير، إضافة إلى تأثر المزارع أيضا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وأبرز ما في العقوبات قلة مستلزمات الإنتاج، والأشجار بحاجة إلى أسمدة”. وأشار المحمد إلى أنه نتيجة للعقوبات لم تتمكن الحكومة من تأمين الأسمدة اللازمة، مضيفا أن العقوبات أثرت أيضا على استيراد الوقود اللازم، حيث أصبح من الصعب على المزارعين تأمين الوقود للزراعة أو الري ومكافحة الآفات. وأكد المسؤول أن الضرر الرئيسي الذي تعرضت له شجرة الفستق جاء من العقوبات؛ إذ قال “إن الشجرة تأثرت بذلك، ومن المحتمل أنها تأثرت جزئيًا بالأزمة، لكنها تأثرت أكثر بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا”. وأشار المحمد إلى أن إنتاجية محافظة حماة من الفستق دائما متميزة، ونصف إنتاج سوريا من الفستق يأتي من حماة، حيث يعد الريف الشمالي للمحافظة هو المكان الأنسب لزراعة الفستق الحلبي. وقال المسؤول السوري إن التقديرات الأولية تشير إلى تضرر 600 ألف شجرة فستق على الأقل خلال الحرب، لكن الأرقام أعلى من ذلك بكثير، مشيرا إلى أن حوالي 500 ألف شجرة متضررة موجودة في حماة وحدها. وأكد المحمد أن الحكومة السورية تعمل على إعادة الألق لهذه الشجرة، من خلال العمل على تقديم الدعم اللازم لها وتأمين مستلزمات زراعتها. ويعرف الفستق في سوريا بـ”الذهب الأحمر” لارتفاع أسعاره ولأنه عنصر مهم في قائمة الصادرات السورية. وفي عام 2013 كانت سوريا لا تزال رابع أكبر منتج للفستق في العالم، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. كان على قائمة الصادرات كان على قائمة الصادرات وقبل الحرب كانت سوريا تنتج ما يصل إلى 80 ألف طن من الفستق سنويا، وهو رقم كبير، وانخفض إلى النصف خلال الحرب، وفقًا لتقديرات وزارة الزراعة السورية. وأوضح المحمد أن تقديرات الإنتاج الأولية لمحصول الفستق الحلبي لهذا الموسم تبلغ حوالي 45592 طنا، حيث تحتل مدينة حماة المرتبة الأولى في الإنتاج. وأعرب المزارع فراس إبراهيم، الذي يملك بستان فستق حلبي في معان بريف حماة الشمالي، عن تخوفه من إمكانية عدم تأمين الحاجات الأساسية للإنتاج في ظل العقوبات الأميركية، وخاصة الأسمدة. وقال المزارع إبراهيم “نعاني كثيرًا من الحصار الاقتصادي، من حيث تسويق المنتج وتأمين الأسمدة التي لا نملكها، وكذلك الأشجار أصيبت بعد 10 سنوات بالجفاف وتحتاج إلى روح كي تعود إلى الحياة من جديد”. وعلى الرغم من كل اليأس الموجود، قال إبراهيم إنه لا يمكنه تغيير عمله كمزارع فستق، مضيفا أن الأشجار مثل أطفاله. وتابع “هجرت مكاني وسكنت في محافظة اللاذقية، كان حلمي أن أصل إلى قريتي، وتحقق الحلم وعدنا إلى أرضنا وها نحن نعمل فيها، ولا نستطيع أن نعيش دون الزراعة لأنها كما يقال هي لقمة عيشنا في هذا البلد، ونحن نعيش من وراء زراعة شجرة الفستق الحلبي”. من جانبه قال ياسر عبدالكريم، وهو تاجر فستق حلبي، إن “الفستق السوري كان يصدر إلى جميع دول العالم تقريبا”، مشيرا إلى أنه خلال الحرب أثرت العقوبات بشكل كبير على عملية التصدير. وقال عبدالكريم “قبل الأزمة اعتدنا على التصدير إلى مختلف البلدان مثل الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومعظم البلدان الأوروبية، وكنا نصدر إلى جميع دول العالم تقريبًا لكن الضغوط الخارجية (العقوبات) أعاقت عملية التصدير، كل هذا أثر على تجارة الفستق الحلبي، والعقبة الرئيسية التي تواجهنا وتواجه تجارة الفستق هي العقوبات الغربية المفروضة على سوريا”.
مشاركة :