يبدو أن أصداء حرب أوكرانيا وصلت إلى شمال إفريقيا وتحديدا الجزائر، فالحرب التي اندلعت منذ أكثر من 6 أشهر ألقت بالجزائر داخل دائرة الضوء الدولي على نحو يجعل من الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى متقدمة على التكتيك الآني الخاضع للتوازنات الدولية المتقلبة. فبين ليلة وضحاها، وجد هذا البلد العربي نفسه في اختيار صعب بين المعسكرين الشرقي والغربي. فخلال الثلاثة أشهر الأخيرة، توالت الزيارات الأمريكية والإيطالية والفرنسية والإسبانية والألمانية عليها للبحث عن بدائل للغاز الروسي. وكان من بينها زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وهي الزيارة الأولى من نوعها لوزير خارجية أمريكي منذ اثنين وعشرين عاما. وجاءت الزيارات الغربية بعد عزلة جزائرية غير مسبوقة عن العالم الغربي، في ظل تدهور العلاقات مع واشنطن وتوترها مع باريس والقطيعة مع إسبانيا. إلا أن روسيا استغلت مناسبة مرور 60 عاما على تدشين العلاقات بين البلدين لمحاولة قطع الطريق على الغرب واستمالة الجزائر نحو مربعها وذلك بزيارة أجراها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.. ثالث أكبر مشتر للسلاح الروسي بعد الهند والصين. هذا ونفذ البلدان مناورات عسكرية في مناطق متنازع عليها على غرار أوسيتيا الجنوبية في أكتوبر 2021. واتفقا على القيام بنشاط مماثل على الحدود الجزائرية الشرقية في نوفمبر 2022 وهو اتفاق أبرم تزامنا مع حرب أوكرانيا. كما التزمت البعثة الجزائرية الأممية الحياد ورفضت إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.. فهل تنجح الدبلوماسية الجزائرية في السير على “الحبل المشدود” بين الشرق والغرب دون الانزلاق نحو أي من المعسكرين. حياد الجزائر بداية، قال الدكتور محمد سي بشير، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن السياسة الخارجية للدول لا ترسم انطلاقا من معطيات تكتيكية، ولكن كل بلد يتبنى موقفا غير الآخر. وأضاف “بشير” في برنامج “مدار الغد” أن الجزائر علمت أن الغرب معادي للدول المستقلة حديثًا، فانتهجت الحياد بين المعسكر الشرقي والغربي، إلا أنها وجدت في معسكر الشرق مساعدًا لها. وأوضح “بشير” أن الجزائر وجدت نفسها في إطار تحالفات كانت وفق عقيدتها الاسترايتجية، كما تأكدت من أن هذا الخيار هو الخيار الأمثل أو الجيد. وأشار “بشير” إلى أن الجزائر ترى أن العلاقات مع روسيا يمكن استخدامها كأداة لإعادة تشكيل تحالفاتها الخارجية. روسيا والجزائر ومن موسكو، قال أندرية مورتازين، الباحث في العلاقات الدولية، إن روسيا تشيد بموقف الحياد التي انتهجته الجزائر في الأزمة الروسية الأوكرانية. وأضاف أندرية مورتازين أن فكرة الدول الغربية عزل روسيا عن العالم أمر مضحك. وأكد مورتازين أن العلاقات بين الجزائر وروسيا تتميز بالشراكة الاستراتيجية منذ القدم، مشيرة إلى أن موسكو ساعدت الجزائر في استقلالها. وتابع بالقول: “روسيا لا تمانع ولا يهمها أي علاقات بين الجزائر وأي دول أوروبية أخرى”. استغلال الفرص ومن واشنطن، يرى سكوت أولينجر، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أن الجزائر تعيش مرحلة حيوية منذ نهاية الحرب الأهلية في التسعينيات. وأشار إلى أن الجزائر استغلت العديد من الفرص وقامت بتوقيع اتفاقيات مع إيطاليا، وبناء على ذلك تستفيد من عقود الغاز سواء لفرنسا أو لدول أوروبية أخرى. وأستكمل قائلًا: “الجزائر تحاول الاستفادة من مبدأ الحياد، وإذا استمرت على هذه السياسة فبكل تأكيد ستستفيد من هذا الوضع القائم في أوكرانيا، لا سيما وأن أوروبا تعاني نقصا في الغاز”.
مشاركة :