العربيةضوء): في الأفلام العربية يضطر البطل إلى الرحيل عن بلدته بحثاً عن تحقيق ذاته، ودائماً ما تشابهت النهايات، يعود البطل إلى مجتمعه الصغير الذي تركه في سنوات ماضية، وهو بحال مختلف، ومحملاً بالهدايا الثمينة التي تعكس حالته المادية الميسورة بعد رحلته الطويلة.. في قصة محمد جحفلي والرياض الأمر كان مختلفاً بعض الشيء. قبل عقد من الزمان أو ينقص قليلاً، استجمع المراهق الأسمر قواه واصطحب أخاه صوب غرب العاصمة بحثاً عن الهلال. الأحلام تدور حينها في مخيلته وتحقيقها لن يحتاج سوى النجاح في التجربة الميدانية التي سيخضع إليها معية مجموعة من الفتية الذين يحلمون بأن يروا صورهم منشورة على صفحات الجرائد ويتحدث عنهم مهووسو كرة القدم ليل نهار، سلباً أم إيجاباً، بلا توقف.. أما الواقع فقاد أخاه ناصر إلى القائمة الزرقاء، وأخذ بيد محمد إلى الباب. ذلك العام شهدت كرة القدم السعودية ظهور فريق جديد يُدعى الفيصلي، لا يبعد كثيراً عن الرياض، لكن الانتقال إليه يعني أن يودع جحفلي المكان الذي عاش به، على أمل لقاء قريب أو بعيد، وهو ما حدث، رحل محمد إلى الفيصلي لاعباً في فريق درجة الشباب، بقي هناك في الظل، مستفيداً من هدوء المدينة والنظام الانضباطي الذي يُفرض في النادي، وكل ذلك كان يصب في حصيلة محمد الفنية وصولاً إلى صعود الفيصلي من جديد لدوري الأضواء، وحينها لم تكن الأمور زاهية بالنسبة للمدافع الشاب في 2010 عندما كان زالاتكو يتولى تدريب العنابي، بل ركنه احتياطياً لعامين حتى وصول الرجل الذي أنقذ مسيرة جحفلي من التيه. يقول جحفلي عن البلجيكي مارك بريس، مدرب الفيصلي والرائد ونجران السابق : لقد شاهد اجتهادي في الحصص التدريبية، ومنحني الفرصة كاملة لأكون لاعباً أساسياً في صفوف الفيصلي، وحافظت على الخانة حتى لحظة الانتقال إلى الهلال. حينها بدأ المهتمون يلتفتون إلى مدافع الفيصلي الشاب، الهمس ارتفع وبات صوتاً مسموعاً، حينها قال البعض بأن نادي جنك البلجيكي طلب المدافع الهادئ بالاسم، ورد آخرون بأن نادياً مغموراً هو من رغب بخدمات محمد، وبين هذه وتلك كان اتحاد جدة يقترب كثيراً من ضم المدافع لتقوية خطوطه الخلفية حتى ظهر الهلال في المشهد ودفع 14 مليوناً للاعب استبعده من تدريباته قبل 8 أعوام. بانتقال جحفلي إلى الهلال، لم يكن يتوقع أحد أن يقدم المدافع ذو الابتسامة المرتبكة أي إضافة نظراً للاعتلال الفني الذي يعاني منه جوف الزعيم، سهام الانتقاد كانت مصوبة بشدة نحو الأمير عبدالرحمن بن مساعد والمدير الفني لورينت ريجيكامب بعد الخسارة الآسيوية، والثنائي رحلا عن البيت الأزرق بعد الخسارة من أهلي جدة في نهائي كأس ولي العهد، لتؤول الأمور إلى جورجيوس دونيس ومحمد الحميداني. وعلى عكس الأفلام العربية، عاد جحفلي إلى الرياض منتصراً لكنه صدم بواقع مرير، أنه ليس شخصاً معروفاً بين أوساط مشجعي كرة القدم، كان يخرج إلى شوارع الرياض، المدينة التي يتحدث أهلها بلغة العيون أكثر من أي شيء آخر، ولا يميزه أحد. بعد حضور دونيس إلى الهلال وجد في جحفلي المواصفات اللازمة لطريقته التي تعتمد على مدافعين في الوراء، أداء جحفلي كان مرضياً نسبياً لكن الانتقادات عادت لتتوالى عليه عقب تلقيه بطاقة حمراء إثر مخاشنته حسين عبدالغني، وحينها سمع محمد أصوات النصراويين يحتفلون باللقب من غرف الملابس بعد مغادرته أرض الملعب. 6 يونيو، 31 ثانية تفصل النصر عن لقب ثانِ وحينها انسل جحفلي بين القمصان الصفراء وأحرز هدفاً أعاد به الحياة إلى شرايين الأزرق قبل أن يكمل خالد شراحيلي عملية الانعاش بتصديه لركلة جزاء تتوج الهلال بطلاً لكأس الملك. ذلك الهدف حمل أبعاداً أكثر من أي هدف آخر، حول جحفلي إلى فارس أزرق وباتت الأهداف المسجلة في دقائق المباراة الأخيرة تعرف بـالجحفلة وأدى بمشجعين هلاليين إلى مطاردة لاعبي النصر والتصوير معهم قبل سؤالهم تعرف جحفلي؟! لذر الملح على جراح الأصفر التي لم تندمل بعد، ولجأ بعض اللاعبين إلى الشرطة، فيما أخذ نايف هزازي هاتف أحدهم في ماليزيا وسلمه لإدارة المنتخب، وأهازيج جحفلي تتردد صداها في جميع المدرجات التي واجهت النصر بعد تلك الليلة، وكل ذلك كان يمر أمام ناظري وعلى مسامع جحفلي الأصلي وابتسامته المرتبكة وملامحة الهادئة لا تتغير، حتى أعلن براءته مما حدث وقال للزميل نايف الثقيل لصالح برنامج في المرمى: لا تهمني كلمة جحفلي، كل ما أفعله هو التركيز على مستواي الفني بغض النظر عن أي أمر خارج الميدان. عودة.. طرد في الديربي الأول.. تعرض إلى التجاهل قبل أن يهرع الناس إلى التصوير معه.. شرطة.. سحب هاتف.. هدف ثمين وبطولتين، كل هذا حدث في عام واحد من حياة محمد جحفلي! 0 | 0 | 7
مشاركة :