نيويورك - غداة يوم عاصف على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، استيقظ سكان نيويورك صبيحة الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر 2001على سماء زرقاء صافية، من دون أن يعرفوا أنهم على وشك أن يشهدوا أكثر الأيام ظلاما في تاريخهم والذي سيغيّر وجه بلدهم والعالم. مع بدء توجّه سكان نيويورك إلى أعمالهم، كان 19 جهاديا موجودين على متن رحلات جوية انطلقت من مطارات في بوسطن وواشنطن ونيويورك. كان بحوزة هؤلاء سكاكين كان يُسمح بها آنذاك في الطائرات شرط ألا يتجاوز طول نصلها عشرة سنتيمترات. عند الثامنة صباحاً إلا دقيقة واحدة غادرت رحلة تابعة للخطوط الجوية الأميركية حملت رقم 11 مطار لوغن في بوسطن، متجهة إلى لوس أنجلس وعلى متنها 92 شخصاً، خمسة منهم من الخاطفين بمن فيهم محمّد عطا الذي قاد الهجمات. ثم غادرت رحلة تابعة للخطوط الجوية المتحدة تحمل رقم 175 المطار ذاته، متجهة بدورها إلى لوس أنجلس وعلى متنها 60 راكباً وطاقم الطائرة وخمسة خاطفين. وفي الوقت ذاته تقريباً، وفي الرحلة 11، طعن أحد الخاطفين راكباً كان أول ضحية لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. واستولى الجهاديون على الطائرة ووجهوها نحو نيويورك. وبعد بضع دقائق، أقلعت طائرة تابعة للخطوط الجوية الأميركية تحمل رقم 77 من مطار واشنطن دالاس خارج العاصمة، متجهة إلى لوس أنجلس، وكان على متنها طاقم من ستّة أفراد إضافة إلى 53 راكبا وخمسة خاطفين. جوزيف ديتمار: رأينا أشخاصا يخرجون رغماً عنهم من المبنى، كنت خائفاً للغاية وفي نوارك بولاية نيو جيرسي صباحا، انطلقت رحلة تابعة للخطوط المتحدة رقم 93 متجهة إلى سان فرانسيسكو. ولم تبلغ أي من الطائرات الأربع إثر ذلك وجهتها النهائية. وفي وسط مانهاتن كان قرابة خمسين ألف شخص من موظفي مركز التجارة العالمية، أبرز رموز قوة الاقتصاد الأميركي وموقع أطول ناطحتي سحاب في نيويورك، يتدفقون إلى مكاتبهم، بينهم جوزيف ديتمار أحد الشهود الذين نجوا من العملية. يستعيد ديتمار، وكان حينها يبلغ 44 عاماً، ويعمل اليوم خبير تأمين في شيكاغو، ما جرى صبيحة ذاك اليوم المشؤوم. دخل المصعد نحو الطابق 105 من البرج الجنوبي المؤلّف من 110 طوابق، لحضور اجتماع عند الثامنة والنصف صباحاً. عند الساعة الثامنة صباحاً، ومضت الأضواء في الغرفة الخالية من النوافذ، وجرى إنذار المشاركين الـ54 بوجوب إخلاء المكان. لم يعرفوا حينها أن الرحلة 11 كانت قد اصطدمت بالبرج الشمالي المجاور. انتقل ديتمار وزملاؤه إلى الطابق تسعين حيث عاينوا مشهد الرعب الأول. ويقول ديتمار (64 عاماً) لوكالة فرانس برس “كانت هذه أسوأ 30 أو 40 ثانية في حياتي”. ويستعيد رؤيته لألسنة اللهب وسحب الدخان السوداء تتصاعد من نوافذ البرج التي بدت أشبه بثقوب سوداء. ويقول “كانت ألسنة اللهب أكثر احمراراً من أي لون أحمر رأيته في حياتي”. ويضيف بغصّة محاولاً حبس دموعه “رأينا أثاثاً وأوراقاً.. وأشخاصاً يخرجون رغماً عنهم من المبنى. كنت خائفاً للغاية”. وقرر ديتمار التوجّه نحو السلالم لمغادرة المبنى، من دون أن يدرك حينها أن هذا القرار الصائب سينقذ حياته. وفي أسفل البرج، كان الطاهي مايكل لوموناكو يخرج من مركز التسوق بعد أن قرر فجأة الذهاب إلى مكان آخر لإصلاح نظارته. وحصلت عملية الاصطدام. ويروي كيف أنّه نظر في تلك الأثناء إلى نوافذ مطبخه في المطعم الواقع في الطابق 107 من البرج الشمالي. ويتذكر “كان بإمكاني رؤية أشخاص يلوحون بأغطية الموائد من نوافذ مطعمنا. كان المشهد مروّعاً وفظيعاً”. سرعان ما انتشرت الأنباء عن الاصطدام في مركز اقتراع حيث كان ناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار خلف لعمدة نيويورك رودي جولياني. في بادئ الأمر لم يستوعب السكان كيف فشل قائد الطائرة في رؤية ناطحة سحاب عملاقة، فيما بدأ المذيعون على القنوات التلفزيونية يتكهنون بأسباب قد تكون خلف “الحادثة”. أحداث 11 سبتمبر.. حدث جلل أحداث 11 سبتمبر.. حدث جلل عند الساعة الثامنة وخمسين دقيقة صباحاً، أُبلغ الرئيس جورج دبليو بوش خلال زيارته مدرسة ابتدائية في فلوريدا، بأن طائرة صغيرة اصطدمت بشكل مأساوي، عن طريق الخطأ، بالبرج الشمالي. في هذه الأثناء، حاول برج المراقبة في نيويورك الاتصال بالرحلة 175، ولم يلقَ ردا. قبل ذلك بدقائق، كان الخاطفون سيطروا على طائرة البوينغ 767 فوق نيوجيرسي. في مكان ما بين الطابقين 74 و75، يتذكر ديتمار كيف بدأ السلم “يهتز بشكل عنيف” تحت أقدامه. ويقول “انفصل الدرابزين عن الجدران، كانت الدرجات تحت أقدامنا تتخبّط كأمواج المحيط.. شعرنا بجدار ناري وشممنا رائحة وقود تلك الطائرة”. عند الساعة التاسعة وثلاث دقائق صباحاً، لم يكن ديتمار علم أن المعتدين وجّهوا الرحلة 175 إلى البرج الجنوبي حيث اخترقت الطائرة المبنى فوقه مباشرة، بين الطابقين 77 و85. كان العالم أجمع مجمداً أمام شاشات التلفزة التي نقلت مشهد الاصطدام المروّع. في غضون ذلك، كان الرئيس الأميركي يقرأ قصة “الماعز الأليف” لطلاب الصف الثاني في مدرسة إيما بوكر الابتدائية في ساراسوتا. قاطعه رئيس أركانه آندي كارد لإبلاغه أنّ طائرة ثانية اصطدمت بمركز التجارة العالمية. همس في أذن الرئيس “أميركا تتعرض لهجوم”. في تمام التاسعة والنصف، أدلى بوش ببيان مقتضب رجّح فيه أن تكون الهجمات “إرهابية”. وأمر “بإجراء تحقيق شامل لتعقب” الجناة. في تلك الأثناء، بدأ بعض موظفي المكاتب في البرج الجنوبي المحاصرين في الطوابق العليا الإقدام على ما فعله المحاصرون في البرج الشمالي: القفز من النوافذ إلى موتهم المحتوم. في الطابق 31 تجاوز ديتمار رجال إطفاء وعمال خدمة الطوارئ كانوا في عداد أول المستجيبين للاستغاثة. يتذكر تلك اللحظات العصيبة “كانت نظرات عيونهم (تقول) إنهم يدركون أنهم يصعدون إلى الأعلى ولن يعودوا أدراجهم قط”. عندما بلغ ديتمار وزملاؤه الطابق الأرضي، شاهدوا قطع فولاذ كبيرة وركاماً إسمنتياً متناثراً وبقع دم. ومع استمرار تساقط الحطام من الأعلى، وجّههم رجال الإنقاذ نحو ردهة التسوّق تحت مركز التجارة العالمي، ليخرجوا على بعد مبان عدّة شمالاً. وبحلول الساعة العاشرة إلا دقيقة واحدة صباحاً، سمعوا صوتاً يصمّ الآذان مصدره البرج الجنوبي الذي بدأ ينهار خلفهم. وسرعان ما ترددت بعده “صرخات عشرات الآلاف من المذعورين”، فيما كانت سحابة ضخمة من الرماد تغطي أجواء مانهاتن. ومنعت إدارة الطيران الفيدرالية في الساعة التاسعة وخمس وعشرين دقيقة صباحاً، جميع الرحلات الجوية من الإقلاع. بعد 15 دقيقة، أمرت كافة الطائرات المدنية في المجال الجوي الأميركي بالهبوط، في توجيهات غير مسبوقة في تاريخ الطيران الأميركي. لكن التوجيهات جاءت متأخرة لمنع الخاطفين من السيطرة قبل حلول التاسعة صباحاً على رحلة الخطوط الأميركية رقم 77 المتجهة نحو العاصمة الأميركية.
مشاركة :