الحرب الأوكرانية تعيد تشكيل الخارطة الجغراسياسية الأوروبية

  • 8/30/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحرب الأوكرانية تعيد تشكيل الخارطة الجغراسياسية الأوروبية برلين - أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس عزمه تأسيس نظام دفاع جوي جديد مع جيران أوروبيين وأبدى حماسة تدعم فكرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء تكتل سياسي أوروبي جديد، فيما يؤكد محللون أن الحرب الأوكرانية بصدد إعادة صياغة الخارطة الجغراسياسية الأوروبية في ظل التهديد الروسي. وقال شولتس في خطاب ألقاه في جامعة كارلوفا “تشارلز” في العاصمة التشيكية براغ إن إنشاء نظام مشترك “سيكون مكسبا أمنيا لأوروبا بأكملها”. وأضاف شولتس أن مثل هذا النظام سيكون أرخص وأقوى مما لو أنشأت كل دولة دفاعا جويا خاصا بها ومكلفا ومعقدا للغاية. ولم يدل شولتس بتفاصيل عن النظام الدفاعي. ويُنظر إلى المشروع على أنه رد على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والتي استمرت حتى الآن لأكثر من نصف عام. وأعلن شولتس أن ألمانيا ستستثمر بشكل كبير في الدفاع الجوي في السنوات المقبلة، موضحا أن نظام الدفاع الجوي الجديد يجب أن يُصمم من البداية بطريقة يمكن أن يشارك بها الجيران الأوروبيون. وأشار شولتس على وجه التحديد إلى هولندا وبولندا ودول البلطيق - إستونيا ولاتفيا وليتوانيا - وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والشركاء في الدول الاسكندنافية. وقال شولتس إن هناك حاجة ماسة في أوروبا للحاق بالركب في الدفاع ضد التهديدات من الجو ومن الفضاء، مضيفا أنه يجب أن تكون جميع القدرات الجديدة قابلة للاستخدام في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، موضحا أن أموال الاستثمارات الجديدة يمكن أن تأتي من صندوق الجيش الألماني الجديد الذي تبلغ قيمته 100 مليار يورو. وأطلقت الحكومة الألمانية هذا الصندوق قبل أشهر قليلة لتدعيم وتحديث الجيش الألماني خلال السنوات القادمة. وفي ما يتعلق بالهجوم الروسي على أوكرانيا، قال شولتس إن “عدم حدوث حرب مرة أخرى” بين الدول الأعضاء هو هدف الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن الأمر متروك للتكتل لمواصلة تطوير هذا الوعد بالسلام، وذلك عبر تمكين الاتحاد الأوروبي من ضمان أمنه واستقلاله واستقراره حتى خلال مواجهة تحديات خارجية. وأعرب شولتس عن تأييده لفكرة الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن تأسيس تكتل سياسي أوروبي جديد، بهدف تعميق العلاقات مع الشركاء من خارج الاتحاد الأوروبي. واقترح ماكرون إنشاء مثل هذا التكتل لتحسين التعاون مع الشركاء الذين لن يتم قبولهم في الاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور أو الذين لا يريدون ذلك. وأشار ماكرون في ذلك على وجه التحديد إلى أوكرانيا، التي أصبحت مؤخرا مرشحا رسميا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن وفقا لقواعد الاتحاد الحالية فإنه من المرجح ألا تحصل على العضوية إلا العقد المقبل على أقرب تقدير. وفي الوقت نفسه أكد ماكرون أن مقترحه لا يهدف إلى إلغاء عملية توسيع الاتحاد الأوروبي، بل يتعلق بإطار عمل جديد للتعاون في القضايا الاستراتيجية، مثل الأمن والدفاع والطاقة والصحة والاقتصاد. ورغم أن وحدة أوروبا كانت حتى الآن تستحق الثناء، فلا يزال الطريق أمامها طويلا. فليس من الواضح بعد كيف قد تتوالى فصول الحرب في أوكرانيا، أو حتى ما إذا كانت أوكرانيا لتظل قائمة كدولة مستقلة. ولكن ليس هناك من شك في أن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستخلف عواقب عميقة في الأمد الأبعد، بل وربما تكون أشد عمقا من تلك التي خلفتها السنوات الفاصلة عندما انهار نظام الحرب الباردة. ولأن علاقة الغرب بروسيا كانت لفترة طويلة إحدى ركائز السلام الأوروبي، فإن هذا يعني ضمنا أن أوروبا يجب أن تعمل على تغيير النهج الذي تتبناه في التعامل مع قضية الأمن. وعلى وجه الخصوص، سيظل جناح الناتو الشرقي وحدود الاتحاد الأوروبي الشرقية عُـرضة للخطر، وهذا يستلزم مستوى أعلى من الحماية العسكرية. وينبغي لهذه المهمة، التي يجب أن يتقاسمها الناتو والاتحاد الأوروبي بالتساوي، أن تحول الاتحاد الأوروبي إلى قوة جيوسياسية. وحتى الآن، كانت الأداة الجيوسياسية الوحيدة تحت تصرف الاتحاد الأوروبي تتمثل في وعد العضوية وما ينطوي عليه من آفاق السلام والرخاء واحترام سيادة القانون. ولكن كما أثبت توسع الاتحاد الأوروبي شرقا في بداية هذا القرن، فإن الانضمام لا يكفي وحده لضمان استكمال أي دولة للتحول الجيوسياسي المنشود. وفي مواجهة التطلعات يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تطوير نظام أكثر مرونة واستجابة ودقة، أو يخاطر بالانهيار. إن تطور الاتحاد الأوروبي إلى اتحاد سياسي وأمني ودفاعي، وليس مجرد اتحاد اقتصادي ونقدي، يقدم فرصة مثالية. الواقع أن حرب بوتين جعلت أوروبا أكثر وحدة من أي وقت مضى. والآن يتمثل التحدي في بناء اتحاد أوروبي أقوى وأكثر مرونة وقدرة على الصمود واعتمادا على الذات؛ اتحاد أوروبي قادر على تعزيز مصالحه الجيوسياسية في عالَـم يتسم بتجدد تنافس القوى العظمى.

مشاركة :