انتقد الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، بشدة، نظرية الصدَام الحتمي للحضارات التي طرحها صموئيل هنتغتون في كتابه «صدام الحضارات»، محذراً من أن إغفال المشترك الإنساني «يفرِز مثل هذه النظرية، التي تولد عنها عددٌ من الآيديولوجيات المتطرفة». وأشار إلى أن الرابطة وشركاءها حول العالم أعلنوا عن «تحالف الحضارات»، ليكون بديلاً عن مفهوم «صدام الحضارات»، مبيناً أن الأمم المتحدة استوعبت أخيراً أهمية هذا الأمر، وأنشأت لذلك منظمة دولية. تصريحات الدكتور العيسى جاءت ضمن محاضرة ألقاها أمام منتدى ريمني الذي تحتضنه إيطاليا، ويعد أكبر تجمع للشباب الأوروبي لتعزيز الصداقة بين الشعوب، والمنتدى الأكبر عالمياً، حيث يرتاده نحو مليون زائر سنوياً. وشهد محاضرة أمين عام «الرابطة» جمهور أوروبي غفير من الشباب والقيادات الدينية والسياسية والفكرية، ومن الأكاديميين والمثقفين وطلاب الجامعات. وأوضح، أن كتاب هنتغتون عن حتمية صدام الحضارات، حقق رقماً قياسياً في عدد طبعاته وعدد ترجماته، وصفقت لنظريته المتطرفة وروجت لها جهاتٌ متعددةٌ في الشرق والغرب، وسبب ذلك هو موافقة ذلك الطرح لقناعات تلك الجهات التي تجاهلت وتنكرت لذلك الوازع الأخلاقي الناتج عن آثار الفطرة الإيمانية. واستهل الدكتور العيسى حديثه بالتنويه بأهمية مثل هذه المنتديات العالمية؛ التي تُسهِم في تعزيز الوعي بأهمية التقارب والتفاهم والتعاون بين الأمم والشعوب، والتصدي لشعارات الكراهية والعنصرية، وكذا نظرية حتمية الصدام والصراع الحضاري. وشدد على أهمية استشعار الحس الديني الذي يمثل القيمة الإيمانية لدى كل إنسان، ومن خلاله يتم استشعار سبب وحكمة وجودنا وقيمته، وبيّن أن القيم العامة التي تُمثل المشترَكات الأخلاقية بين البشر تعد في الواقع انعكاساً لبعض آثار الفطرة النقية المغروسة داخل كل إنسان. وأوضح أن التاريخ الإنساني حوى كثيراً من الجدليات والفلسفات، لكنه سجل بينها مشتركاتٍ أخلاقية، موضحاً أن الإنسان حينما يتجرد من هذا الإيمان، أو يتجاهل هذا الوازع والدافع الإيماني الداخلي اللذين تمنحهما القيم الأخلاقية، وتميزه عن غيره من المخلوقات، يجد نفسه أمام تفسير مبهم وعبثي، ومن هنا جاءت عبثية النفعية المادية في صورتها الأنانية وبنتائجها السلبية، والخطيرة على الإنسان في السلم العالمي والوئام المجتمعي. وقدم العيسى نقداً تحليلياً لأفكار ومقولات بعض أبرز المفكرين الغربيين الذين كانت لهم إسهامات كبيرة في الحقول الدينية والفلسفية، من أهمها أعمال الباحث والفيلسوف ورجل الدين الإيطالي الشهير لويجي جوساني، الذي قدم طرحاً فريداً حول المعرفة، لا سيما المعرفة الدينية في كتابه الشهير «الحس الديني». كما تناول موضوع الحرية، مشدداً على أن موضوع الحرية يمثل مرتكزاً أساسياً في القيم الدينية والإنسانية، والمعنى الحقيقي للحرية «يقف عند قوانين الدول وقِيمها المجتمعية».
مشاركة :