يتمت صالحة على وحيدها سعد. ولم تقبل خوض تجربة الزواج مجددا برغم كل العروض المغرية من إمام القرية. كانت امرأة منتجة تحتكم على مزرعة وتمتلك أغناما وعندها خمس دجاجات وديك حسن الصوت، وحمارة بيضاء تسر الناظرين. كانت تجمع بين أنوثة فريدة قل ما تتوفر في النساء وبين صفات الرجال عملا وحمية وشجاعة. تغلبت على حاجات الأنثى بالعمل الشاق. حفرت ساقية طويلة تمتد من مدافق أعلى جبل في القرية حتى مزرعتها واستمرت تعمل سنوات عدة من مطلع الفجر حتى مغيب الشمس، وسميت الساقية لاحقا باسمها في زمن حفظ الحقوق واحترام شقائق الرجال. لم تكن القرية متزمتة ولا تمارس التمييز (الجندري) ولم ينكر عليها أحد جمعها ما يتوفر من خضار تجود بها مدرجاتها وصوف وزبدة تمنحها أغنامها وبيض من دجاجاتها وتسويقه يوم الخميس. لتعود بسفرتها متخمة باللحمة والبن والهيل وشيء قليل من الريحان والبعيثران والكادي وبسكوت أبو ميزان ونوع من عصير المانجو لم يعد يتوفر في الأسواق. لم تكن تتزين لأن الله زينها وهي توقن بمقولة (خلقة الله ما منها فكة لو تغسّل بصابون مكة). عرفت القرية سعدا طفلا مدللا ومنعما كونه وحيد أمه. ولذا يتودد له أقرانه لعل وعسى يجود عليهم ببعض ما توفر له المرأة الحديدية. بلغ سعد مبلغ الرجال وقرر الهجرة للعمل في المدن وحاولت الأم ثنيه عن قراره إلا أنه عزم أمره فوضعت في جيبه بعض المال ووقفت في سدة البيت تردد (ودعتك ساهرا ما ينام). ركب شاحنة من بيدة ووصل مكة وذهب لبعض جماعته ليساعدوه في تحصيل عمل. أرشدوه لمقهى وتم قبوله للعمل نادلا ليليا. كان المسؤول عن وردية الليل قاسيا عليه، إلا أنه صبر وتحمل.كان يتبسم كلما تذكر دعوة أمه (ودّعتك ساهرا ما ينام)، ثم فتح الله عليه وأصبح من ملاك العقار. في الصيف الماضي لقطته كاميرا ساهر مسرعا فاستعاد دعوة ست الحبايب. ولا يزال يؤكد أن دعوة أمه مستمرة الاستجابة؛ لأنه أدمن السهر في ظل البث الفضائي على مدار الساعة. وسلامتكم.
مشاركة :