إيران وتفاقم الأزمة السياسية في العراق ولبنان

  • 9/1/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬حريصة‭ ‬فعلا‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬الشيعي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعميق‭ ‬حدة‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬أتباعها‭ ‬وخصومهم‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استمرار‭ ‬الانسداد‭ ‬السياسي؟ العراق‭ ‬اليوم‭ ‬بلد‭ ‬عاطل‭ ‬سياسيا،‭ ‬حاله‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حال‭ ‬لبنان‭. ‬دولتان‭ ‬فاشلتان‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬وكل‭ ‬المسميات‭ ‬السياسية‭ ‬فيهما‭ ‬مجازية‭. ‬فلا‭ ‬الحكومة‭ ‬حكومة‭ ‬ولا‭ ‬رئيس‭ ‬تلك‭ ‬الحكومة‭ ‬لديه‭ ‬برنامج‭ ‬لتصريف‭ ‬شؤون‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬المشروع‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭.‬ الشيعة‭ ‬يحكمون‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬أتباع‭ ‬إيران‭ ‬وخصومهم‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬ولم‭ ‬يتغير‭ ‬شيء‭. ‬لا‭ ‬الفساد‭ ‬أصبح‭ ‬أقل‭ ‬ولا‭ ‬نسبة‭ ‬الفقر‭ ‬انخفضت‭. ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح‭. ‬الفساد‭ ‬استفحل‭ ‬والفقراء‭ ‬ازدادوا‭ ‬فقرا‭. ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬العراقيون‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬تلك‭ ‬المعادلة‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬يلوح‭ ‬بالتغيير‭ ‬القادم‭ ‬فهو‭ ‬إما‭ ‬متحزب‭ ‬مستفيد‭ ‬أو‭ ‬منافق‭ ‬يستعمل‭ ‬سلاح‭ ‬التقية‭.‬ أما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬فإن‭ ‬الثنائي‭ ‬الشيعي‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وحركة‭ ‬أمل‭ ‬يحكمان‭ ‬بتفويض‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غيره‭. ‬لا‭ ‬أهمية‭ ‬لعدد‭ ‬المقاعد‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬السلاح‭ ‬الإيراني‭ ‬بيد‭ ‬مليشيا‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬ورئاسة‭ ‬المجلس‭ ‬مكتوبة‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬نبيه‭ ‬بري‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭.‬ لم‭ ‬يغادر‭ ‬لبنان‭ ‬فشله،‭ ‬دولة‭ ‬وحكومة‭ ‬وشعبا،‭ ‬فبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مندوبها‭ ‬الرسمي‭ ‬المخول‭ ‬الثنائي‭ ‬الشيعي‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التفاهم‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬الأخرى‭ ‬حقيقيا‭. ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬يستسلم‭ ‬الجميع‭ ‬لإرادة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مصلحتها‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭ ‬كما‭ ‬يُقال‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬السخرية‭.‬ لا‭ ‬العراق‭ ‬ولا‭ ‬لبنان‭ ‬سيكونان‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يشكلا‭ ‬حكومة‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬مشروعا‭ ‬سياسيا‭ ‬مستقلا‭ ‬ينهض‭ ‬بالبلدين‭ ‬ويضعهما‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬بالثقة‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مستقبلا‭ ‬واضح‭ ‬المعالم‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭.‬ تجربة‭ ‬التبعية‭ ‬لإيران‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تنتج‭ ‬سوى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬والجهل‭ ‬والفقر‭ ‬والفوضى‭. ‬فإيران‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬شيئا‭ ‬إيجابيا‭ ‬تعطيه‭ ‬للآخرين‭. ‬وهذه‭ ‬التبعية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬ترسخ‭ ‬الجهل‭ ‬والتخلف‭ ‬وتعمق‭ ‬درجة‭ ‬الفقر‭ ‬وتنشر‭ ‬الفوضى‭.‬ كل‭ ‬ذلك‭ ‬يقع‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المذهب‭. ‬وهل‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬حين‭ ‬رفعت‭ ‬شعار‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والتقدم‭ ‬والترف؟‭ ‬ فالثورة‭ ‬تعني‭ ‬سلطة‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬يحكمون‭ ‬المجتمع‭ ‬بنظام‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭.  ‬ ذلك‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬السطح،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬لإيران‭ ‬الخمينية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬اليوم‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬مشروعها‭ ‬السياسي‭ ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬احتلال‭ ‬توسعي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬سريا‭ ‬أو‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭. ‬فلا‭ ‬أتباعها‭ ‬ينكرونه‭ ‬ولا‭ ‬خصومهم‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬يستنكرونه‭.‬ تظل‭ ‬إيران‭ ‬مرجعية‭ ‬مذهبية‭ ‬للشيعية‭ ‬السياسية‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬يُقال‭ ‬عن‭ ‬مسافة‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬التي‭ ‬تفصله‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬باطمئنان‭ ‬مع‭ ‬الخلافات‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الشيعية‭ ‬العراقية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينفي‭ ‬الطابع‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬ينادي‭ ‬به‭ ‬البعض‭.‬ وإذا‭ ‬كان‭ ‬العراقيون‭ ‬الشيعة‭ ‬قد‭ ‬شدّوا‭ ‬الحزام‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬لكي‭ ‬يتأكدوا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬وطنيتهم‭ ‬ستأخذ‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬التنفيذ‭ ‬الواقعي‭ ‬وهو‭ ‬أمل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬سرابا،‭ ‬فإن‭ ‬اللبنانيين‭ ‬الشيعة‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬يأسا‭ ‬لما‭ ‬عاشوه‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬مرير‭ ‬أكد‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬شيعيتهم‭ ‬هي‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والتخلف‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يناقض‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬وطنيتهم‭ ‬سترى‭ ‬النور‭ ‬يوما‭ ‬ما‭.‬ فما‭ ‬دام‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يرأس‭ ‬تمثيلهم‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭ ‬فإن‭ ‬وطنيتهم‭ ‬ستكون‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال‭. ‬سيكونون‭ ‬دائما‭ ‬محرومين‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬الإخلاص‭ ‬والوفاء‭ ‬للبنان‭. ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لبنان‭ ‬إلا‭ ‬ولاية‭ ‬تابعة‭ ‬للولي‭ ‬الفقيه‭ ‬وهم‭ ‬محكومون‭ ‬بذلك‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬إليهم‭ ‬بصلة‭.‬ العراقيون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬الشيعة‭ ‬غرباء‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬مخطوفون‭. ‬ما‭ ‬تمكنت‭ ‬منه‭ ‬إيران‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اليوم‭. ‬إنه‭ ‬نتاج‭ ‬أخطاء‭ ‬متراكمة‭ ‬ارتكبتها‭ ‬المجتمعات‭. ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬كذبة‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬الشيعة‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬صدقها‭ ‬الكثيرون‭. ‬تحت‭ ‬طاولة‭ ‬تلك‭ ‬الكذبة‭ ‬عمل‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬تخدير‭ ‬المجتمعات‭ ‬وإيهامها‭ ‬بأن‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬لا‭ ‬يمس‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الأكاذيب‭.‬ لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬الكذبة‭ ‬ممكنة‭ ‬إلا‭ ‬لأنها‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والتخلف‭. ‬كان‭ ‬الفقر‭ ‬مطلوبا‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬ثقافة‭ ‬الدعاء‭ ‬حاجة‭ ‬يومية‭ ‬مطلوبة‭ ‬وكان‭ ‬التخلف‭ ‬مهماً‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬المرء‭ ‬بين‭ ‬الاحتلال‭ ‬السياسي‭ ‬والمذهب‭.‬ لقد‭ ‬نجحت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬تدجين‭ ‬شيعة‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭. ‬وهم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬زائفة‭ ‬من‭ ‬أمرهم‭. ‬هل‭ ‬يصدقون‭ ‬أنهم‭ ‬عراقيون‭ ‬ولبنانيون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬كذلك‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬ينضموا‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬فيخسروا‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وطنهم‭ ‬وضمائرهم‭ ‬الوطنية؟ {‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي‭.‬

مشاركة :