هل أن إيران حريصة فعلا على وحدة الصف الشيعي في العراق أم أنها تعمل بقوة من أجل تعميق حدة الخلافات بين أتباعها وخصومهم من الشيعة من أجل استمرار الانسداد السياسي؟ العراق اليوم بلد عاطل سياسيا، حاله في ذلك حال لبنان. دولتان فاشلتان على الورق وكل المسميات السياسية فيهما مجازية. فلا الحكومة حكومة ولا رئيس تلك الحكومة لديه برنامج لتصريف شؤون المواطنين على الأقل. ناهيك عن غياب المشروع السياسي الوطني بشكل كامل. الشيعة يحكمون منذ عقد ونصف من الزمان في العراق، أتباع إيران وخصومهم على حد سواء ولم يتغير شيء. لا الفساد أصبح أقل ولا نسبة الفقر انخفضت. العكس هو الصحيح. الفساد استفحل والفقراء ازدادوا فقرا. ولا يملك العراقيون أملا في تغيير تلك المعادلة. أما من يلوح بالتغيير القادم فهو إما متحزب مستفيد أو منافق يستعمل سلاح التقية. أما في لبنان فإن الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل يحكمان بتفويض أو من غيره. لا أهمية لعدد المقاعد في مجلس النواب ما دام السلاح الإيراني بيد مليشيا حسن نصرالله ورئاسة المجلس مكتوبة على جبين نبيه بري منذ عقود. لم يغادر لبنان فشله، دولة وحكومة وشعبا، فبغض النظر عن الحراك السياسي فإن القرار السياسي في قبضة إيران عن طريق مندوبها الرسمي المخول الثنائي الشيعي وليس هناك من أمل في أن يكون التفاهم مع الأطراف السياسية الأخرى حقيقيا. المطلوب أن يستسلم الجميع لإرادة ليس من مصلحتها أن يخرج لبنان من عنق الزجاجة كما يُقال على سبيل السخرية. لا العراق ولا لبنان سيكونان في وقت قريب قادرين على أن يشكلا حكومة من النوع الذي يملك مشروعا سياسيا مستقلا ينهض بالبلدين ويضعهما على الطريق التي توحي بالثقة بأن هناك مستقبلا واضح المعالم ولو على المدى البعيد. تجربة التبعية لإيران لا يمكنها أن تنتج سوى مزيد من التخلف والجهل والفقر والفوضى. فإيران لا تملك شيئا إيجابيا تعطيه للآخرين. وهذه التبعية من شأنها أن ترسخ الجهل والتخلف وتعمق درجة الفقر وتنشر الفوضى. كل ذلك يقع تحت شعار الدفاع عن المذهب. وهل كانت إيران حين رفعت شعار تصدير الثورة تفكر في العلم والتقدم والترف؟ فالثورة تعني سلطة رجال الدين الذين يحكمون المجتمع بنظام الحلال والحرام. ذلك ما يظهر على السطح، غير أن لإيران الخمينية التي يقودها اليوم علي خامنئي مشروعها السياسي وهو مشروع احتلال توسعي لم يعد سريا أو خافيا على أحد. فلا أتباعها ينكرونه ولا خصومهم من الشيعة يستنكرونه. تظل إيران مرجعية مذهبية للشيعية السياسية بغض النظر عما يُقال عن مسافة هذا الطرف أو ذاك التي تفصله عن إيران التي تتعامل باطمئنان مع الخلافات القائمة بين الأطراف الشيعية العراقية. وهو ما ينفي الطابع الوطني الذي ينادي به البعض. وإذا كان العراقيون الشيعة قد شدّوا الحزام في انتظار التيار الصدري لكي يتأكدوا من أن وطنيتهم ستأخذ طريقها إلى التنفيذ الواقعي وهو أمل قد يكون سرابا، فإن اللبنانيين الشيعة هم الأكثر يأسا لما عاشوه من واقع مرير أكد لهم أن شيعيتهم هي الطريق التي تؤدي إلى مزيد من الفقر والجهل والتخلف. وهو ما يناقض حقيقة أن وطنيتهم سترى النور يوما ما. فما دام حزب الله هو الذي يرأس تمثيلهم في النظام الطائفي فإن وطنيتهم ستكون بعيدة المنال. سيكونون دائما محرومين من نعمة الإخلاص والوفاء للبنان. لن يكون لبنان إلا ولاية تابعة للولي الفقيه وهم محكومون بذلك القدر الذي لا يمت إليهم بصلة. العراقيون واللبنانيون الشيعة غرباء عن أنفسهم، بل هم مخطوفون. ما تمكنت منه إيران ليس وليد اليوم. إنه نتاج أخطاء متراكمة ارتكبتها المجتمعات. كانت هناك كذبة اسمها «الشيعة العرب» صدقها الكثيرون. تحت طاولة تلك الكذبة عمل حزب الدعوة في العراق وحزب الله في لبنان على تخدير المجتمعات وإيهامها بأن تصدير الثورة لا يمس الهوية الوطنية. كانت تلك واحدة من أكبر الأكاذيب. لم تكن تلك الكذبة ممكنة إلا لأنها ارتبطت بالفقر والجهل والتخلف. كان الفقر مطلوبا لكي تكون ثقافة الدعاء حاجة يومية مطلوبة وكان التخلف مهماً لكي لا يفرق المرء بين الاحتلال السياسي والمذهب. لقد نجحت إيران في تدجين شيعة العراق ولبنان. وهم اليوم في حيرة زائفة من أمرهم. هل يصدقون أنهم عراقيون ولبنانيون من غير أن يكونوا على المستوى الوطني كذلك أم أن ينضموا إلى المشروع الإيراني فيخسروا كل شيء، وطنهم وضمائرهم الوطنية؟ { كاتب عراقي.
مشاركة :