القصيدة المعاصرة: نظرة للمدخل وانعكاسه على النص

  • 9/3/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كيف‭ ‬ينظر‭ ‬الناقد‭ ‬والشاعر‭ ‬المتلقي‭ ‬لأيّ‭ ‬قصيدة‭ ‬معاصرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوة‭ ‬مطلعها‭ (‬المدخل‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يؤول‭ ‬عليها‭ ‬بصفته‭ ‬عتبة‭ ‬الولوج،‭ ‬وماذا‭ ‬يمثل‭ ‬له‭ ‬المحتوى‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬ركيكة،‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بالخطاب‭ ‬الشعري،‭ ‬وكذلك‭ ‬المفردات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ذات‭ ‬أبعاد‭ ‬فنية‭ ‬في‭ ‬المعاني،‭ ‬ويقوم‭ ‬الناقد‭ ‬بتفكيك‭ ‬النص‭ ‬بنيوياً‭ ‬ليبين‭ ‬الضعف‭ ‬اللغوي‭ ‬ويكتشف‭ ‬هشاشة‭ ‬المحصلة‭ ‬اللغوية‭ ‬عند‭ ‬الشاعر؟ ‭*‬نظرة‭ ‬عامة‭:‬‭*‬ الصياغة‭ ‬المتحركة‭ ‬بين‭ ‬الضعف‭ ‬والهشاشة‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬قصيدته‭ ‬تزيح‭ ‬الستار‭ ‬عن‭ ‬عيوب‭ ‬قادمة‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬في‭ ‬متن‭ ‬أو‭ ‬روح‭ ‬النص،‭ ‬فالاستهلال‭ ‬ينبئ‭ ‬دائماً‭ ‬عن‭ ‬حدس‭ ‬العمق‭.‬ إنّ‭ ‬مطلع‭ ‬القصيدة‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬بيت‭ ‬فيها،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬المدخل‭ ‬قوياً‭ ‬شَعَر‭ ‬الناقد‭ ‬بارتياح‭ ‬شديد‭ ‬وعرف‭ ‬مدى‭ ‬قوة‭ ‬الشاعر‭ ‬وقدرته‭ ‬اللغوية‭ ‬وأبعاده‭ ‬الفنية‭ ‬ومدى‭ ‬توظيف‭ ‬خبرته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الشعر‭ ‬وعبر‭ ‬قوة‭ ‬لغوية‭ ‬متماسكة‭ ‬المعنى‭ ‬والمبنى‭.‬ إنّ‭ ‬الجماليات‭ ‬والصفات‭ ‬الإيقاعية‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬لها‭ ‬دلالاتها‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬المطلع‭ ‬الكلاسيكي،‭ ‬حيث‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬قاموساً‭ ‬لغوياً‭ ‬يعكس‭ ‬بيان‭ ‬ولغة‭ ‬الشاعر‭ ‬ذاته؛‭ ‬فالمفردات‭ ‬لها‭ ‬دلائل‭ ‬ورنين‭ ‬تجذب‭ ‬السامع‭ ‬فوراً،‭ ‬وتملك‭ ‬لبّه‭ ‬للإنصات‭ ‬لكلّ‭ ‬أجزاء‭ ‬القصيدة‭ ‬من‭ ‬المطلع‭ ‬حتى‭ ‬الخاتمة،‭ ‬ويكون‭ ‬المتلقي‭ ‬مشدوداً‭ ‬في‭ ‬الإيقاع‭ ‬والمقياس‭ ‬والمعاني،‭ ‬وكلما‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬ذات‭ ‬جماليات‭ ‬وأبعاد‭ ‬عميقة،‭ ‬انجذب‭ ‬المتلقي‭ ‬للمتابعة‭ ‬وهو‭ ‬يستمع‭ ‬للقصيدة،‭ ‬حيث‭ ‬يتابع‭ ‬أفكار‭ ‬الشاعر‭ ‬بشغف،‭ ‬وخياله‭ ‬في‭ ‬تسلسل‭ ‬خيالي‭ ‬وعبر‭ ‬جماليات‭ ‬الطرح‭ ‬والأسلوب‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القصائد‭.‬ هذا‭ ‬الجانب‭ ‬لا‭ ‬يبيح‭ ‬للشاعر‭ ‬صاحب‭ ‬القصيدة‭ ‬أن‭ ‬يهمل‭ ‬التشكيل‭ ‬وترك‭ ‬الهمزة‭ ‬وأيضاً‭ ‬ترك‭ ‬النقطتين‭ ‬في‭ ‬حرف‭ ‬الياء‭ ‬فتتحول‭ ‬الياء‭ ‬إلى‭ ‬ألف‭ ‬مقصورة،‭ ‬وكذلك‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬الهاء‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المفردة‭ ‬والتاء‭ ‬المربوطة،‭ ‬فهذه‭ ‬الأمور‭ ‬تعطي‭ ‬انطباعاً‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬بأنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬ترك‭ ‬أو‭ ‬أهمل‭ ‬المراجعة‭ ‬والتدقيق‭ ‬اللغوي،‭ ‬ولم‭ ‬يولِها‭ ‬اهتماماً،‭ ‬وهنا‭ ‬يرى‭ ‬الناقد‭ ‬مكامن‭ ‬الضعف؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬ولا‭ ‬يدقق‭ ‬إلّا‭ ‬الشعر‭.‬ إذ‭ ‬يدرك‭ ‬الناقد‭ ‬بعين‭ ‬البصيرة‭ ‬للمفردات‭ ‬المستخدمة‭ ‬ويفرق‭ ‬بين‭ ‬العامية‭ ‬والمستهلكة‭ ‬والمتروكة،‭ ‬وتتبيّن‭ ‬المقدرة‭ ‬اللغوية‭ ‬هنا‭ ‬لتكشف‭ ‬علاقة‭ ‬الشاعر‭ ‬بالمعجم‭ ‬اللغوي‭ ‬مباشرة كما‭ ‬يدقق‭ ‬الناقد‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬النص،‭ ‬كذلك‭ ‬القارئ‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬شاعراً‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬يدقق‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬القصيدة‭ ‬المطروحة،‭ ‬والشعراء‭ ‬يعرفون‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬بعضهم،‭ ‬ولهذا‭ ‬فالناقد‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬تفاسير،‭ ‬ويقوم‭ ‬بتحليل‭ ‬الكلام‭ ‬بنيوياً‭ ‬ويفكك‭ ‬اللغة‭ ‬المطروحة‭ ‬ويستشف‭ ‬مكامن‭ ‬الضعف‭ ‬من‭ ‬القوة‭.‬ وكثير‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬يتلقون‭ ‬صدمة‭ ‬عنيفة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القصيدة‭ ‬فيحجم‭ ‬عن‭ ‬إكمال‭ ‬القراءة،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الشعراء‭ ‬حين‭ ‬يقومون‭ ‬بتقييم‭ ‬النص‭ ‬المطروح،‭ ‬وسوف‭ ‬نسوق‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬كي‭ ‬يتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬أنّ‭ ‬تلك‭ ‬المطالع‭ - ‬الدلالة‭ - ‬لا‭ ‬تنبئ‭ ‬بمحتوى‭ ‬رائع‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬القصيدة‭.‬ ولا‭ ‬بُدّ‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭: (‬مصطلح‭ ‬المطلع‭) ‬لاختلافه‭ ‬عن‭: (‬مطلح‭ ‬المقدّمة‭)‬؛‭ ‬لأنّ‭ ‬مصطلح‭ ‬المقدّمة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬طويل‭ ‬نسبياً،‭ ‬ولهذا‭ ‬فالمطلع‭ ‬في‭ ‬المقدّمة‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يبين‭ ‬الحرص‭ ‬لدى‭ ‬الشاعر‭ ‬ومدى‭ ‬قوة‭ ‬الجودة‭ ‬والتمييز،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬هو‭ ‬تثبيت‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الأذهان،‭ ‬حيث‭ ‬تُعدّ‭ ‬الافكار‭ ‬الأولى‭.‬ ‭*‬المثال‭ ‬الأول‭:‬‭*‬ يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬قصيدته‭: (‬1‭)‬ نار‭ ‬على‭ ‬حجر‭ ‬النبي وشهقة‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الإسراء في‭ ‬بال‭ ‬المدينة وابتهال‭ ‬التين‭ ‬والزيتون‭.‬ إنّ‭ ‬هذا‭ ‬المدخل‭ ‬الشعري‭ ‬للقصيدة‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬الناقد‭ ‬بالارتياح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التصوير،‭ ‬فليس‭ ‬لكلّ‭ ‬نبي‭ ‬حجر،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الإنسان‭ ‬العادي‭ ‬له‭ ‬حجر،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الحجر‭ ‬أية‭ ‬شعلة‭ ‬من‭ ‬النار‭!!‬ ونتبيّن‭ ‬في‭ ‬ملاحظة‭ ‬أخرى‭:‬ أنّ‭ ‬لسور‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬شهقات‭!!‬؟؟‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شهقات‭ ‬لسور‭ ‬القرآن‭ ‬المجيد،‭ ‬بينما‭ ‬ابتهال‭ ‬الفاكهة‭ ‬المذكورة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مقبولة‭ ‬نوعاً‭ ‬ما‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مقبولة،‭ ‬بحيث‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬قال‭: ‬تسبيح‭ ‬التين‭ ‬والزيتون،‭ ‬بذريعة‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬يسبح‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬لكان‭ ‬مقبولاً؛‭ ‬ولكنّ‭ ‬الابتهال‭ ‬هو‭ ‬دعاء‭ ‬أو‭ ‬تراتيل‭ ‬دينية،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬المسألة‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬رمز‭ ‬صوفي؛‭ ‬لأنّ‭ ‬الرمز‭ ‬هو‭ ‬التسبيح‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬الدلالة‭ ‬بوضوح‭ ‬تام‭.‬ ‭ ‬‭*‬المثال‭ ‬الثاني‭:‬ يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬قصيدته إنّها‭ ‬ليست‭ ‬قصة‭ ‬صاخبة وعلى‭ ‬أيّ‭ ‬حال‭ ‬فلمن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحكى الشخص‭ ‬المعني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة يستيقظ‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام فلا‭ ‬يعود‭ ‬يعلم‭ ‬أين‭ ‬هو ولا‭ ‬من‭ ‬هو‭.‬ إنّ‭ ‬هذا‭ ‬المطلع‭ ‬هو‭ ‬سرد‭ ‬باهت‭ ‬بعيد‭ ‬كلّ‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الشاعرية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭: (‬الشعر‭ ‬القصصي‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬النثر‭ ‬الشعري‭ ‬أو‭ ‬السرد‭ ‬الشعري،‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬أيّ‭ ‬مسمّى‭ ‬أو‭ ‬نسق‭ ‬معيّن،‭ ‬فليس‭ ‬فيه‭ ‬أية‭ ‬لغة‭ ‬شاعرية‭ ‬يمكن‭ ‬الارتكاز‭ ‬عليها،‭ ‬و‭: (‬وعلى‭ ‬أيّ‭ ‬حال‭) ‬كلام‭ ‬شعبي‭ ‬محض،‭ ‬والأديب‭ ‬يترفع‭ ‬عن‭ ‬التلفّظ‭ ‬به؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬رفيع‭ ‬من‭ ‬الأدب،‭ ‬فلا‭ ‬نقول‭: ‬على‭ ‬أيّة‭ ‬حال،‭ ‬أو‭: ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬طريقة‭ ‬أو‭ ‬بأية‭ ‬طريقة،‭ ‬ودارسو‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬أخذوا‭ ‬دروساً‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬التحدث،‭ ‬وهذه‭ ‬الجملة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬الكلاسيكية‭.‬ إنّ‭ ‬النص‭ ‬آنف‭ ‬الذكر‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬أدب‭ ‬معاصر‭ ‬مع‭ ‬احترامي‭ ‬الشديد‭ ‬للشاعر‭ ‬كاتب‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أتوقع‭ ‬منه‭ ‬نصًّا‭ ‬شاعرياً‭ ‬يجعلني‭ ‬أستمتع‭ ‬في‭ ‬الإبحار‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬وأردّد‭ ‬قراءته‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭.‬ ولهذا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المطلع‭ ‬يجعل‭ ‬الناقد‭ ‬والمتلقي‭ ‬يحجم‭ ‬عن‭ ‬إكمال‭ ‬قراءة‭ ‬النص‭ ‬ويضع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬علامة‭ ‬استفهام‭ ‬حول‭ ‬الشاعر‭ ‬نفسه‭!‬ إنّ‭ ‬النص‭ ‬يجب‭ ‬ألّا‭ ‬يتماهى‭ ‬فيه‭ ‬الشاعر‭ ‬بطريقة‭ ‬مشابهة‭ ‬لسلق‭ ‬البيض؛‭ ‬لأنّ‭ ‬النص‭ ‬حين‭ ‬يخرج‭ ‬للملأ‭ ‬فسوف‭ ‬يحاسب‭ ‬الشاعر‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬مفردة‭.‬ ‭*‬المثال‭ ‬الثالث‭:‬‭*‬ يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬قصيدته‭:‬ كم‭ ‬تحتاج‭ ‬لتنتزع‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬الأسى أو‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬حيوان‭ ‬يمضي‭ ‬أمامك‭.‬ أين‭ ‬المسألة‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭: (‬كم‭ ‬تحتاج‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬سبّب‭ ‬له‭ ‬صداعاً‭ ‬وجعلني‭ ‬لا‭ ‬أتحمّل‭ ‬إتمام‭ ‬القراءة‭.‬ وكيف‭ ‬للشاعر‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬هذا‭ ‬الهذيان‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬قصيدته‭ ‬بتوجيه‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭!!‬ والكلام‭/ ‬السؤال‭ (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متساوياً‭) ‬ولا‭ ‬يعطي‭ ‬حقيقة‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬مفيدة‭ ‬كما‭ ‬يقال‭:‬ إنّ‭ ‬الهذيان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬صورة‭ ‬شعرية‭ ‬بين‭ ‬ثناياه‭ ‬يجعل‭ ‬الناقد‭ ‬في‭ ‬صدمة‭ ‬حين‭ ‬يوجه‭ ‬الشاعر‭ ‬سؤالاً‭ ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬مدرسي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يدرك‭ ‬سوء‭ ‬الطرح‭ ‬بهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تقويم‭ ‬قبل‭ ‬نشرها‭.‬ ‭*‬المثال‭ ‬الرابع‭:‬‭*‬ يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬المطلع‭:‬ ماذا‭ ‬لو‭ ‬ظللنا‭ ‬صغارا وظلّت‭ ‬أحلامنا‭ ‬بريئة نحتفي‭ ‬بحداء‭ ‬جديد وحقيبة‭ ‬مدرسية‭ ‬خضراء‭.‬ ونرى‭ ‬في‭: (‬ماذا‭ ‬لو‭) ‬علامات‭ ‬تعجب‭ ‬كثيرة،‭ ‬وكيف‭ ‬سمح‭ ‬للشاعر‭ ‬أن‭ ‬يتخاطب‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬وكأنه‭ ‬يتحدّث‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬في‭ ‬الشارع‭!!‬؟؟ والأحلام‭ ‬التي‭ ‬يتحدّث‭ ‬عنها‭ ‬لم‭ ‬تتحاوز‭ ‬حذاءً‭ ‬وحقيبة،‭ ‬وهنا‭ ‬يقف‭ ‬أيّ‭ ‬قارئ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الانغماس‭ ‬بتعجّب‭ ‬لغياب‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية،‭ ‬أما‭ ‬الناقد‭ ‬فأحسبه‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يرمي‭ ‬بالمطبوعة‭ ‬جانباً‭ ‬ولن‭ ‬يعود‭ ‬إليها‭ ‬ثانية‭!‬ واضح‭ ‬أنّ‭ ‬النص‭ ‬ليس‭ ‬به‭ ‬لوثة‭ ‬وإنما‭ ‬بخس‭ ‬الشاعر‭ ‬بآلية‭ ‬وقيمة‭ ‬الشعر‭ ‬ونزل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬من‭ ‬الرؤية‭ ‬الشاعرية،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يوظف‭ ‬الخيال‭ ‬ولم‭ ‬يختر‭ ‬المفردات‭ ‬ذات‭ ‬المعاني‭ ‬الجوهرية‭.‬ ‭*‬المثال‭ ‬الخامس‭:‬‭*‬ يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬قصيدته‭:‬ انزلوا‭ ‬أشدّ‭ ‬أنواع‭ ‬العقوبات على‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يرتكب‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬خطيئة‭ ‬قطّ لأنه‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬ارتكب‭ ‬خطأً‭ ‬فاحشاً ولا‭ ‬تأخذنكم‭ ‬رحمة‭ ‬بالذي‭ ‬لم‭ ‬يسئ‭ ‬إلى‭ ‬أحد لأنه‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬هذا‭ ‬يسيء‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭!!‬ يا‭ ‬للهول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التعليمات‭ ‬الدكتاتورية‭!!‬،‭ ‬إنّها‭: ‬‮«‬وصية‭ ‬لهذا‭ ‬الزمان‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬شاعرها،‭ ‬وتصور‭ ‬حجم‭ ‬الجرم‭ ‬والدموية‭ ‬في‭ ‬القسوة‭ ‬فيها،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬النص،‭ ‬والمشكلة‭ ‬ليست‭ ‬هنا‭ ‬بل‭ ‬المشكلة‭ ‬بأنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬محاضر‭ ‬جامعي‭ ‬ورئيس‭ ‬لقسم‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭.‬ إنّ‭ ‬حجم‭ ‬القسوة‭ ‬غير‭ ‬المتوقع‭ ‬من‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬القصيدة‭ ‬الذي‭ ‬ينذر‭ ‬بتطاير‭ ‬الشرر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التعليمات‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولستُ‭ ‬أدري‭ ‬ماذا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أسمي‭ ‬هذا‭ ‬المطلع،‭ ‬وأيّ‭ ‬قصيدة‭ ‬تناسب‭ ‬ماهية‭ ‬الشعر،‭ ‬فلا‭ ‬أعرف‭ ‬هل‭ ‬أنّ‭ ‬الشعر‭ ‬بالكلمات‭ ‬الرقيقة‭ ‬أم‭ ‬بالمفردات‭ ‬الملطخة‭ ‬بالدم‭ ‬وذات‭ ‬الوحشية‭ ‬والبعيدة‭ ‬كلّ‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الإنسانية‭.‬ ولعلّي‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أقرأ‭ ‬بياناً‭ ‬عسكرياً‭ ‬من‭ ‬شاعر‭ ‬وظّف‭ ‬القسوة‭ ‬الدموية‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬غير‭ ‬المعهودة‭ ‬في‭ ‬المسرحيات‭ ‬والقصص‭ ‬والأنساق‭ ‬الثقافية‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولعلّها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬الرعب‭.‬ تلك‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬طرحناها‭ ‬تجعل‭ ‬المتذوق‭ ‬يحجم‭ ‬عن‭ ‬حبّ‭ ‬الشعر،‭ ‬والناقد‭ ‬يتخلّى‭ ‬عن‭ ‬أدواته‭. ‬أمّا‭ ‬الشاعر‭ ‬إذا‭ ‬استمرّ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬فإنه‭ ‬سوف‭ ‬يتمادى‭ ‬ويتغطرس‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬عنفاً‭ ‬أو‭ ‬أقسى‭ ‬انحداراً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭.‬ إنّ‭ ‬غياب‭ ‬الشاعرية‭ ‬وحلول‭ ‬صور‭ ‬كلامية‭ ‬ضعيفة‭ ‬هو‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬وعوالمه‭.‬ ‭*‬الهوامش‭*‬ ‭(‬1‭) ‬تعمّدنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬عدم‭ ‬نشر‭ ‬أسماء‭ ‬الشعراء‭ ‬وكذلك‭ ‬عناوين‭ ‬المطبوعات‭.‬ ‭____‬ رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬النورس‭ ‬الثقافي‭ ‬الدولي‭ ‬بالقطيف‭.‬

مشاركة :