على عتبات عام دراسي جديد، يبقى من الأهمية بمكان لكل مشتغل في عالم الفكر والثقافة، وكل منشغل بسياقات التربية والتعليم التساؤل عن أي تعليم نتطلع في عالمنا العربي، وأي تربية ننشدها، لا سيما في ظل هذه الأوقات العالمية القلقة والمضطربة. يعن لنا أن نتساءل أول الأمر:أيهما أهم التربية أم التعليم؟ الثابت أنهما أمران يكمل كل منهما الآخر، ذلك أن تعليم من غير منظومة تربوية تقوم على المبادئ والأخلاقيات، لهو أمر كارثي، يمكن أن يؤدي إلى ذيوع وشيوع الشرور الأدبية، ويقود إلى تدهور أحوال الأمم والشعوب. كما أن أي عملية تربوية حقيقية، هي في مضمونها تحوي تعليماً نافعاً ومفيداً، تعليماً قادراً على النهوض بالأمم ودفعها في مساقات الرفعة الإنسانوية. ولعله من المؤكد أن الدول التي نجحت في تقديم تجارب تنموية مذهلة قامت على ركيزة التعليم قبل أي أمر آخر، وعلى غير المصدق مراجعة تجربة سنغافورة، تلك التي تسلمها باني نهضتها الحديثة، «لي كوان يو»، وهي عبارة عن مجموعة من المستنقعات المائية، والجماعات العرقية المتناثرة والمتناحرة، غير أنه وبفضل عملية تعليمية رفيعة المستوى، وضعت من أجلها كل إمكانيات الدولة، تحولت إلى واحدة من أهم دول النمور الآسيوية. هل مراجعة أوضاع التعليم في العالم العربي مسألة تمثل في حقيقة الحال والاستقبال جانبا من جوانب الأمن القومي لحال الأمة العربية بأكملها؟ الشاهد أن ذلك كذلك بالفعل، لا سيما وأن غالبية الآليات التعليمية في العالم العربي تقوم على المسألة التلقينية، لا الفكر أو الطرح الإبداعي، أي أنها تهتم كل الاهتمام بفلسفة الكم لا الكيف. وعلى هذا الأساس، فإن المنتج النهائي للعملية التعليمية، يضحى غير صالح للمنافسة في أسواق المعرفة الدولية، وقد باتت المعرفة هي لغة القرن الحادي والعشرين، وهي عملته الرائجة أيضاً. هل العالم العربي هو أول جماعة بشرية في التاريخ الحديث تواجه مثل هذه الإشكالية؟ الجواب يأخذنا إلى الماضي القريب، ذلك الذي تقاسمت فيه دولتان حول العالم، المستقبل العلمي والعسكري، ونعني بهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية، ففى أوائل الستينيات اكتشف الأميركيون أن السوفييت قد سبقوهم في علوم الفضاء، ولم يكن ذلك إلا لتفوق الأولين في الرياضيات والعلوم الفيزيائية، وعليه اشتدت المنافسة، حتى سارع الأميركيون في نهاية العقد السادس من القرن العشرين إلى الصعود إلى الفضاء والقمر تحديداً. غير أن نشوة الفرحة يمكن القول إنها استلبت الأمريكيين طوال عقد السبعينات، ومع أوائل الثمانينات أدرك القائمون على العملية التعليمية في الولايات المتحدة الأميركية أن هناك مسألة كارثية تتجمع فوق سماوات أميركا، وأنه لابد من حل سريع ناجز ونافع في الوقت ذاته، ولاحقا ولد تقرير «أمة في خطر». عام 1800 زار المفكر الألماني الكبير«فيخته» إحدى المدارس وكانت البلاد وقتها تعاني من تفكك وتدهور، فكتب يقول:«إن الطريق الوحيد إلى إصلاح المجتمع، هو تأسيس نظام جديد لتعليم الناس... فليس هناك أدنى شك عندي أن الأمة التي سترتفع إلى أسمى درجات القوة من خلال المدارس والجامعات، هي أمة لا يمكن اختراقها أو إسقاطها في المستقبل». هل تريد أمة العرب الارتفاع؟ الجواب لابد وأن يكون مع «شكسبير.. نعم الآن وهنا».
مشاركة :