في ظل انخفاض أسعار النفط والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي جاءت الموازنة العامة للسعودية لعام 2016 والسياسات الجديدة التي يتبناها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مناسبة لمواجهة هذه التحديات. بعد تذبذب أسعار النفط في السوق العالمية التي تعتبر المصدر الرئيسي للدخل في المملكة اتجهت النية لإيجاد المصادر البديلة من خلال الموازنة الجديدة التي أعلنت الاثنين الماضي. وأشاد محللون اقتصاديون سعوديون في تصريحات متفرقة بتوجه الحكومة نحو الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الوطني. وقال عضو اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بمجلس الشورى السعودي الدكتور منصور الكريديس إن الموازنة الجديدة تأتي متناغمة مع توجه المملكة نحو تقليل الواردات مقابل زيادة الصادرات لرفع كفاءة الاقتصاد. وأوضح أن مجلس الاقتصاد والتنمية تحرك سريعاً وأنشأ هيئتين إحداهما لتوليد الوظائف ومكافحة البطالة والأخرى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لرفع كفاءة الاقتصاد السعودي من خلال إيجاد وظائف عالية المهارة ومرتفعة الأجر لتسهم في دفع ميزان الصادرات غير البترولية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الواردات. ودعا إلى رفع الصادرات وزيادة الإنتاجية وتقليل الإنفاق الحكومي لتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، لاسيما أن الاقتصاد السعودي لايزال يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي. أدوات تقليص عجز الموازنات قال المستشار الاقتصادي والنفطي الدكتور محمد سالم الصبان إن عجز الموازنة السعودية الفعلي كان أقل من المتوقع في العام الماضي 2015 متوقعاً أن يكون العجز الفعلي للعام المقبل 2016 أقل مما هو مقدر له. وأشار الصبان إلى أن سعر النفط الذي استندت إليه الموازنة المقبلة هو في حدود 30 إلى 35 دولاراً للبرميل وهو أقل مستوى تقديري لسعر النفط مقارنة بجميع الموازنات العشر السابقة. وأكد أن ترشيد وتركيز الإنفاق الحكومي على الأولويات وزيادة إيرادات الدولة غير النفطية سيكون سمة الموازنات المقبلة بغض النظر عن سعر النفط الفعلي. وعن الحلول الممكنة لتقليص العجز في الموازنات العامة المقبلة للدولة قال الصبان إن المراقبة والمساءلة والقضاء على الهدر والفساد هي أدوات تقليص العجز في الأمد القصير وتخطيطنا يجب أن يعتمد على ثبات أسعار النفط عند حدود 40 دولاراً لفترة طويلة. وشدد على أن أية إجراءات إصلاحية للاقتصاد السعودي لا بد أن تراعي الفئات المتضررة لتحقيق مستوى معين من العدالة الاجتماعية، مبيناً أن المرحلة الانتقالية التي ستشهد تطبيق مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية تتطلب شفافية مطلقة وتدرجاً في تبني بعض الإصلاحات التي تمس المواطن. ووصف زيادة أسعار البنزين والكهرباء ولقيم الغاز بالمعقولة مبيناً أن الزيادة التي طرأت على لقيم الغاز بنوعيه السائل والجاف كانت ضرورية وفي حدود لا تؤثر في تنافسية البتروكيماويات السعودية في الأسواق العالمية. (كونا) تسريع الخصخصة أكد الدكتور محمد سالم الصبان ضرورة تسريع برامج خصخصة بعض القطاعات الحكومية لزيادة العائدات الحكومية والكفاءة الإنتاجية للعديد من قطاعاتها الحكومية التي ساء أداؤها في السنوات الأخيرة. وطالب بضرورة تبني ثقافة الأهداف الزمنية والرقمية لكل خطط ومشروعات الحكومة السعودية وتبني المحاسبة الجادة في حالة التخلف عن تحقيق هذه الأهداف. من جانبه قال العضو والخبير في معهد كينيدي بجامعة هارفارد الدكتور خالد السويلم ان التوجه الجديد لإعداد الموازنة السعودية يتوافق مع التوجهات الجديدة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الهادفة إلى ضمان إعداد أفضل للموازنة ومشاركة فاعلة من مختلف الأجهزة الحكومية. وبين أن التحدي الأول والأساسي الذي يواجه صانع القرار الاقتصادي والمالي في المملكة لمعالجة الاعتماد الكبير على دخل النفط يكمن في المقام الأول في إيجاد مصدر آخر لدخل الدولة من العملة الصعبة أو الدولار يكون موازياً ومكملاً لدخل النفط لتغطية الاحتياجات المستقبلية للدولة. وأعرب عن أمله بأن يكون تفعيل الاستثمارات الخارجية أو إنشاء صندوق سيادي للدولة ضمن أولويات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. الالتزام بالإنفاق العام أكدت المحررة الاقتصادية السعودية منى المنجومي أن نتائج موازنة العام المنصرم 2015 كشفت أن الحكومة السعودية التزمت بالنفقات العامة والمقدرة في موازنتها لهذا العام ب 860 مليار ريال (الدولار الأمريكي يعادل 3.75 ريال). وذكرت المنجومي أن زيادة النفقات العامة المتوقعة خلال موازنة عام 2016 بقيمة 135 مليار ريال مقارنة بالنفقات الفعلية لعام 2015 جاءت نتيجة صرف رواتب اضافية لموظفي الدولة من المدنيين والعسكرين إضافة إلى مستفيدي الضمان الاجتماعي والمتقاعدين خلال هذا العام. وأشارت إلى أن ارتفاع مقدار العجز جاء نتيجة لانخفاض أسعار النفط بشكل حاد خلال عام 2015 بنسبة تصل إلى 45 في المئة مقارنة بأسعاره عام 2014 لافتة إلى أن توقعات العجز في موازنة عام 2016 جاءت أقل بكثير من التوقعات العالمية التي تراوحت بين 400 و450 مليار ريال. وبينت أن موازنة عام 2016 والتي أعلنت عن حجم النفقات ب840 مليار ريال تؤكد التزام الحكومة السعودية بالإنفاق العام بما يدعم القطاع الخاص واستكمال مشاريع التنمية. ولفتت المنجومي إلى أن الإيرادات النفطية كانت تشكل في الماضي 90 في المئة من إجمالي إيرادات الحكومة السعودية فيما انخفضت نسبتها إلى 73 في موازنة عام 2015 لاسيما بعد ارتفاع معدل الإيرادات غير النفطية والتي قدرت بنحو 27 في المئة من إيرادات الدولة هذا العام. ورأت أن هذا النمو في الإيرادات الحكومية غير النفطية يعطي دلالة على زيادة التنوع في مصادر الدخل الحكومي والتي من المتوقع أن ترتفع معدلاتها في السنوات المقبلة. وذكرت أنه بالرغم من ارتفاع قيمة العجز الوارد في الموازنة المقبلة فإن السعودية قادرة على تغطية هذا العجز بعدد من الوسائل سواء كان عن طريق إصدار السندات أو السحب من الاحتياطي المالي للدولة أو في حال ارتفاع أسعار النفط خلال العام المقبل.
مشاركة :