نواصل الحديث عن الحراك الانتخابي المقبل وهذه المرة أمام «رقصة» الأسماء التي تتوالى كل يوم وتعلن عن خوضها المعترك الانتخابي، هذا الكم من المترشحين والمرشحين يستوجب وقفة، مع التنويه بالفارق بين الترشح والترشيح، فالترشيح هو ما يقوم به المجتهد او الطامح بدافع ذاتي الى شغل مقعد بالبرلمان، والترشيح هو ما يدفع به آخر او آخرين مرئيين او غير مرئيين لشخص او أشخاص ويوفرون لهم ولمآرب وغايات معينة كل أوجه الدعم والمساندة لدخول البرلمان..!! في الحالتين علينا أن نقف بالانتباه اللائق، والتركيز الواجب حول هذه الأسماء، وحول هذا الاستسهال اللافت، والتهافت المفرط في الترشح من قبل من استيقظت آمالهم من رقدة العدم، أشخاص يبدو أنهم أدركوا أن لا الجدية، ولا المؤهل، ولا الكفاءة، ولا الخبرات، ولا النشاط العام، ولا أي قواعد مهنية او قانونية او اقتصادية او سياسية يمكن أن ينطلق منها للترشح، كلها ليست شروطًا ضرورية للترشح وتحمّل المسؤولية، فلماذا لا يركبون الموجة ويدخلون في السباق الانتخابي..! الغرض من أي انتخابات لمجلس النواب، أن يتم تشكيل هيئة تشريعية تقوم بدورها في إصدار القوانين والتشريعات، وإقرار الموازنة، والرقابة والمساءلة، ومناقشة برنامج عمل الحكومة، وغيرها من الاختصاصات التي يعرفها الجميع، واذا كان هذا هو الغرض من العمل البرلماني فإن ذلك مدعاة لأن يفهم من يدخل المعترك الانتخابي تلك المهام جيدًا، وهل هو قادر على القيام بتلك المهام والمسؤوليات كما يجب، كما أن ذلك يقتضي من الناخب أن يكون بعيدًا عن الغواية والتأثير، وحريصًا وأمينًا على اختيار شخصيات لها قدر وقيمة وقادرة على القيام بدورها المطلوب، وتمثيل الناس حق التمثيل بعيدًا عن أي من الاعتبارات والدوافع إياها والتي تسيء الى مفهوم العمل البرلماني وتمس نزاهة العملية الانتخابية. ولكن، ومع كثير من الأسف فإننا أمام بعض، بل كثير من الأسماء التي أعلنت حتى الآن ترشحها للانتخابات المقبلة والتي لا يسع المرء حيالها إلا أن يصاب بالحيرة والدهشة مع تساؤلات مصحوبة بعلامات تعجب، أسماء لا نستطيع حيالها أن نكتم قلقًا وتوجس ودهشة يكفى القول ودون افتراء إنها تشعرنا كما لو أننا على موعد جديد مع الهزل او العبث الى درجة تذهب بنا الى أن ثمة خلل في مسار العملية الانتخابية، بل التجربة البرلمانية برمتها، وهنا علينا أن نتساءل عن دور الناخب..! في قائمة المرشحين المعنيين من يشعرك بأننا نعيش في زمن اللامسؤولية، وهناك من يقدم نفسه كما لو أنه صوت الوطنية، وصوت العقل والحكمة، وصوت التجديد والتغيير ومن يعرفهم جيدًا يدرك بأن الحقيقة مختلفة، وهناك من دخل معمعة الانتخاب كما أنه يتقدم لوظيفة حكومية، او لمنصب شاغرة، وربما هذا يجعلنا نسترجع ممارسات بعض النواب طيلة السنوات الماضية وكيف جعلوا أنفسهم بمثابة موظفين، يتصرفون كموظفين رسميين عند جهة ما، يتلقون التعليمات منها، يعبّرون عنها ويدافعون كما لو أنهم ناطقون باسمها، وليس باسم الشعب وممثلين او وكلاء عنه يمثلون إرادته، لا إرادة آخرين، منظورين كانوا أم غير منظورين، والأمثلة معروفة لا تزال عالقة الذاكرة..! لا يكفي أن يعلن أي مرشح عزمه خوض الانتخابات دون أن يمتلك أي معايير واضحة، او دون رؤية واعية وواضحة للعمل البرلماني، ولا يكفي طرح ما قد يدغدغ مشاعر الناس، او قول شيء ما يطلبونه حول ملفات معينة في زي شعارات او برامج حتى يهلل له الناس ويهرولوا وراءه الى صناديق الاقتراع، ولكن الصعب، والمحك هو أن نجد من يقتنع به الناس ليمثلهم خير تمثيل بعيدًا عن المؤثرات، والتفاهمات والاصطفافات واللقاءات والترتيبات التي تجرى على أكثر من شكل وخط ومستوى، وأن نجد من يؤتمن على أقواله والتزاماته، ناهيك عن أفعاله، وفهمكم كفاية. طموحنا - او هذا طموح - ألا نكرر أخطاءنا في الانتخابات المقبلة، وكأن زمن أن نتعلم لم يحن بعد، حيث يتوجب أن يدرك كل ناخب دوره ومسؤوليته في تحقيق العافية للتجربة البرلمانية والخروج بها من المراوحة، وألا ننسى بالطبع كيف أن نوابًا قلّصوا صلاحياتهم في الرقابة والمساءلة والاستجواب، وهل يعقل أن تغيب تلك المشاهد التي كانت لبعض النواب مواقف حيال أمور وقرارات ومواقف محبطة ومخيبة بكل المقاييس لآمال الناس، «التقاعد، ضريبة القيمة المضافة، تعقيد عملية الاستجواب، وتقييد مدة السؤال البرلماني»، وهذه عناوين ليس إلا..! عناوين لا حاجة لتكرار تفاصيلها فهي معلومة للجميع، وهي بمجملها عبَّرت عن أخطاء لا تغتفر لنواب أمعنوا في الظهور كما لو أنهم يعيشون الأخطاء، يتكيفون معها، ويتلذذون بطعمها، والأسوأ حين لا يحسبونها أخطاء..! نعود الى أسماء مشاريع النواب المترشحين، المتوقع وصول عددهم وفقًا لاستبيان إحدى الصحف 168 رجلاً، و32 سيدة، أول ما يلاحظ أن كثيرًا من هذه الأسماء لا يمكن استقبالها إلا بفتور ومرارة وذهول واستخفاف وسخرية في آنٍ واحد، او لنقل أسماء لا تجد أمامها إلا أن تقول «وبعدين»، و«احنا رايحين وين»..! و«يا للهول»، لحجم الدهشة من أسماء لا يُعرف ولم يُسمع عنها أي شيء، لم يكن لها أدنى اهتمام بالشأن العام، وليس لها أي شكل من أشكال الحضور بين الناس او التفاعل مع قضاياهم او همومهم، ولم يعرف بأنها تمتلك القدر المعقول من القدرات والإمكانيات والمستوى الفكرى والخبرات للقيام بما تعد به، ظهروا لنا فجأة كما لو أنهم يحملون التغيير في قلوبهم وعقولهم وضمائرهم وقدراتهم، وأنهم سيرفعون مكان ومكانة العمل البرلماني، وسيشكلون قيمة مضافة للتجربة البرلمانية، وبدا مثيرًا للانتباه، وهو ما يشكل شبه صدمة، ولا نقول خيبة إن من ضمن هؤلاء من كانوا نوابًا ممن كانت لهم مواقف مشهودة لا تنسى بالمفرد والجملة، في الشكل والعمق، فعلوا ذلك بكل تفانٍ وإخلاص، وبطرق مرئية وأخرى غير مرئية، مواقف أثبتوا من خلالها أنهم نواب فاشلون بامتياز..! صحيح إنه من المجحف أن نحمّل النواب في الفصل التشريعي المنتهي وحتى ما قبله من فصول، وربما القادم ايضًا، ما ليس في وسعهم ولا مقدورهم ولا خبراتهم أن يحملوه او يتحملوه علنًا وجهارًا، صلاحيات انتقصت وكبلت وتراجعت وكان لها حصتها فيما آل اليه الحال البرلماني، ومنها ما يعود الفضل اليه الى نواب من ماركة «موافقون موافقون»، أبطال التخلي عن صلاحيات الرقابة والمساءلة والاستجواب وتمرير ما يراد تمريره، ألم يظهر لنا أحدهم مؤخرًا في أحد المواقع الالكترونية ليقول «معظم الأدوات البرلمانية لم تستخدم، وإن هناك نوابًا يتمارضون لتجنب التصويت»، فعلوا ذلك وغير ذلك بكل إخلاص وتفانٍ في مشاهد لا يمكن أن تنسى..! سؤال يفرض نفسه، هل يمكن أن ننهض بالتجربة البرلمانية حقًا وفعلاً، وأن نفتح لها آفاقًا حقيقية بذات العدّة، بذات العقلية، بنفس النهج والمنهج، بنفس الأشخاص او أمثالهم، يفتقدون الرؤية والإرادة الموحدة للعمل معًا في سبيل الترميم، او إعادة البناء لبلوغ هدف النهوض بهذه التجربة، نواب أكفاء، قادرين على العمل معًا بديمقراطية وبروح وطنية عالية، وإرادة طيبة، ونيات صافية، لتغيير وتطوير مسار العمل البرلماني، والبلوغ الى برلمان معتبر ومهاب وكامل الصلاحيات، يمثل بحق الشعب بحق وجدارة لا التمثيل عليه، ويمثلون الوطن بكل فئاته ومكوناته، وليس نواب مناطق او قبائل او فئات او مصالح، او من يرون أنهم يمارسون «تقليب الرزق» عبر العمل البرلماني..! تعالوا نرى ونفحص وندقق ونتساءل عن دور كل منا في تغيير مشهدية الانتخابات والمجلس النيابي للوصول الى برلمان مُهاب، يضم كل المجموعات والتكتلات البرلمانية، وبرلمانيين يعوّل عليهم في النهوض بالتجربة البرلمانية، وعلينا التنبه، اذا استمر عجزنا على تجاوز المؤثرات الملوثة، وعجزنا عن قلب الطاولة والمقاييس على الذين يريدون إبقاء الحال البرلماني البائس على ما هو عليه، حتى وإن تغيرت الوجوه، وإلهاءنا عن محاسبتهم، نكون كمن «جنت على نفسها براقش»..!!
مشاركة :