اعتصم مئات الكوريين الجنوبيين أمام السفارة اليابانية في سيئول، احتجاجا على اتفاق هذا الأسبوع المبرم مع طوكيو، والرامي إلى حل النزاع حول النساء اللواتي كن يُستخدَمن لأغراض الجنس في الحرب العالمية الثانية. كانت المسيرات تقام بشكل أسبوعي في عاصمة كوريا الجنوبية منذ عام 1992 مطالبة بقبول اليابان للمسؤولية وتعويضات قانونية لما يسمى بنساء المتعة، اللواتي أرغمن على العبودية الجنسية للجنود اليابانيين. سلطت المسيرات الضوء على أن تسوية يوم الإثنين لم تكن كافية للكثير من الكوريين لدفن شعورهم بالأذى. بموجب هذا الاتفاق، عرضت اليابان دفع مبلغ 8.3 مليون دولار إلى صندوق خاص بالضحايا الناجين، استنادا إلى "الوعي المؤلم" بمسؤولياتها عن نظام البغاء القسري، في الوقت الذي وعدت فيه سيئول بعدم التقدم بأي مطالبات مستقبلية. على أن كثيرا من المحتجين قالوا إن الاتفاق كان "مهينا"، حيث اتهموا حكومة بارك جيون-هاي، رئيسة كوريا الجنوبية، بالرضوخ لطوكيو. تظاهرة للتضامن مع نساء المتعة الكوريات. وفقا للبيانات السابقة من طوكيو، فإن الاعتذار المقدم من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لم يتطرق إلى تحمل المسؤولية القانونية كاملة، معترفا فقط بـ "تورط" السلطات العسكرية في البلاد. قالت لي يونج-سو، البالغة من العمر 88 عاما، إحدى نساء المتعة التي انضمت للمسيرة: "على آبي أيضا إدراك ما فعلته بلاده بنا. لا أجد الكلمات المناسبة (للتعبير عن ألمي)، لكن هذا النوع من التفاوض اللامسؤول هو بمثابة قتلنا مرتين أو ثلاث مرات". قالت سيئول إن الاتفاق كان "نهائيا وغير قابل للنقض"، ما يبقي مجالا ضئيلا لتثير كوريا الجنوبية منازعات تاريخية أخرى، كالتعويض للعمال الذين أرغموا على العمل في الصناعات اليابانية وقت الحرب مثل صناعة تعدين الفحم. قال كون أو-هايون، الرجل البالغ من العمر 79 عاما والمشارك في المسيرة: "إن اعتذار آبي هو من باب النفاق"، مشيرا إلى اعتراف اليابان في عام 1993 بأنها أكرهت عدة آلاف من النساء على العبودية الجنسية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، "من الهوان قبول مثل هذه الهبة الصغيرة من اليابان، مقابل عدم إثارة القضية مرة أخرى بعد الآن". يشتبه الكثير من الكوريين الجنوبيين بأن الولايات المتحدة، التي رحبت بالاتفاق، هي التي تقف خلف هذا الاتفاق، إذ دفعت واشنطن حدوث تقارب بين اثنين من حلفائها، للحماية من قوة الصين الآخذة في التصاعد والطموحات النووية لكوريا الشمالية. بارك، التي كانت قد رفضت مقابلة آبي حتى يظهر ندما كافيا على أخطاء اليابان في الماضي، عقدت أولى محادثاتها الثنائية مع نظيرها في طوكيو في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والموافقة على بذل الجهود في اتجاه إيجاد حل للنزاع المتعلق بنساء المتعة. قال بونج سونج-شيك، الباحث لدى معهد آسان لدراسات السياسة: "لا بد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما استطاع أن يلوي ذراع كل من اليابان وكوريا الجنوبية لتسوية القضية بأسرع وقت ممكن، لكن خشية سيئول من العزلة الدبلوماسية لا بد أنها تعمقت بعد أن عبر آبي في مؤتمر القمة، وبشكل مدهش عن رغبته في تسوية هذه القضية بحلول نهاية العام". عملت كل من زيارة آبي الناجحة إلى الولايات المتحدة الربيع الماضي، واجتماعات القمة المتجددة مع الصين، واتفاقية تجارة الشراكة عبر الباسيفيك، على تسليط الضوء على مخاطر الاستبعاد لدى طوكيو. يمكن أن تمنح اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيك اليابان إمكانية أفضل لفرص الوصول إلى السوق الأمريكية من كوريا الجنوبية. أعربت سيئول عن اهتمامها بالانضمام إلى الاتفاقية، لكن هذا يتطلب توافقا في الآراء بين أوساط الأعضاء القائمين - وهذه فائدة أخرى لتحسين العلاقات مع طوكيو. يقول المختصون إن الاتفاقية ستشجع كلا من سيئول وطوكيو على تعزيز تحالفهما الأمني ضد كوريا الشمالية، وإتمام اتفاقية تشارك الاستخبارات الثلاثية الموقعة مع واشنطن لمكافحة التهديدات العسكرية في بيونج يانج. اتفاق نساء المتعة قد يتبين أنه عبء سياسي على السيدة بارك، التي يصورها المعارضون على أنها "خائنة مؤيدة لليابانيين"، حيث كان والدها، الديكتاتور السابق بارك تشانج هي، ضابطا في الجيش الإمبراطوري الياباني، ووقع على معاهدة عام 1965، التي من خلالها قامت كوريا الجنوبية بتطبيع العلاقات مع اليابان، وتخلت عن المطالبات القانونية ضد حاكمها الاستعماري السابق. قال المحللون إن هذه الصفقة يمكن أن تزيد من تعقيد محاولات سيئول لموازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين. سعت السيدة بارك إلى تعزيز علاقاتها مع الرئيس الصيني تشي جين بينج بحضورها العرض العسكري الصيني في أيلول (سبتمبر) الماضي، في بكين احتفالا بالذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية. قال بونج: "بموجب هذه الصفقة، ستكون كوريا بريئة من كل الاتهامات والشكوك التي تقول إنها تحولت نحو الصين، لكنها ستمنح الصين أيضا ذريعة مناسبة لاحتضان بيونج يانج، لأن تشي سيكون بريئا من أي شعور بالمديونية لسيئول بعد زيارة السيدة بارك إلى بكين".
مشاركة :