شهدت أسواق الأسهم الأميركية العام الماضي (2015) أسوأ عام لها منذ 2008، حيث أغلقت الأسهم على تقلبات أقل بقليل مما بدأت به العام، مما قلل من التوقعات المنتظرة للعام الجديد (2016). وإذا كان الأرجح أن يُصاب المستثمرون بخيبة للآمال، إثر الأداء الباهت لسوق الأسهم في الولايات المتحدة لعام 2015، ولكن بالنظر إلى كل ما حدث خلال هذا العام، كان من الممكن للأسوأ أن يحدث. شهد ذلك العام تدنيًا واضحًا في أرباح الشركات، إذ انهارت اليونان تقريبًا داخل منطقة اليورو، ثم نفذت الصين سياسة صادمة من حيث تخفيض لقيمة عملتها المحلية، وانخفضت أسعار النفط انخفاضًا غير مسبوق، وبنك الاحتياطي الفيدرالي رفع من أسعار الفائدة لأول مرة منذ ما يقرب من عشر سنوات. عقب الإغلاق يوم الخميس الماضي، أنهى مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» التداولات السنوية محققا انخفاضًا بمقدار 0.73 نقطة مئوية. وكانت معدلات الأداء أدنى من الأرباح القوية التي حققها خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن المؤشر ظل محافظًا على ارتفاعه بزيادة مقدارها 63 في المائة على مدى السنوات الخمس الأخيرة. والأكثر من ذلك، كانت سوق الأسهم قادرة على استعادة التوازن بعد الهزة الصيفية التي تعرض لها والتي أدت إلى هبوط في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» لأكثر من عشر نقاط مئوية أدنى من أعلى مستوى اسمي يصل إليه في مايو (أيار)، وبعد إعادة الاستثمار في الأرباح، ارتفع المؤشر القياسي بواقع 2.35 نقطة مئوية في عام 2015. يقول ديفيد روزنبرغ، كبير خبراء الاقتصاد والاستراتيجية لدى «غلوسكين شيف»: «لا أتذكر عامًا شهد هذا القدر من التأرجح والاهتزاز على طول الطريق مثل 2015. لقد كان العام بأكمله مثل متنزه عملاق». بإيجاز، بعد عدة أشهر من التقلبات الطفيفة في الأسواق، كانت اهتزازات عام 2015 بمثابة إشارة تذكير صارخة بأن إعادة الاستثمار في الأسهم من الممكن أن تكون عملا محفوفا بالمخاطر. وفي حين أن كثيرا من المحللين في «وول ستريت» يشعرون بتفاؤل حذر حيال توقعات عام 2016، فإن كثيرا من القوى التي أضرت بالأسواق في عام 2015 – مثل حالات عدم اليقين حول العملات والسلع والتأثير الكبير المحتمل لأسعار الفائدة المرتفعة - يمكن أن تستمر في زعزعة استقرار الأسواق. هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» يوم الخميس بواقع 19.42 نقطة، أو نسبة 0.94 في المائة، ليغلق عند مستوى 2.043.94. كما هبط مؤشر «داو جونز» الصناعي الوسيط بمقدار 178.84 نقطة، أو نسبة 1.02 في المائة، مما يترك المؤشر عند مستوى 2.2 نقطة مئوية لعام 2015، وهو أول هبوط يشهده المؤشر منذ عام 2008. أما مؤشر «ناسداك» للصناعات الثقيلة فقد جاء أداؤه أفضل من المؤشرين الآخرين في عام 2015، حيث ارتفع بواقع 5.73 في المائة خلال العام الماضي. وكانت شركات التكنولوجيا من بين أكثر الشركات أداء في عام 2015. حققت أسهم «نيتفليكس»، التي لا تزال مستمرة في إضافة كثير من المشتركين بوتيرة سريعة، أرباحًا كبيرة على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» في عام 2015، حيث شهدت ارتفاعا بمقدار 133 في المائة. أما أسهم «أمازون» فقد جاءت في المرتبة الثانية من حيث الأداء، حيث حقق أكثر من الضعف في عام 2015، وفاجأت الشركة المستثمرين بالأرباح القوية التي حققتها. وعلى النقيض من ذلك، هبط مؤشر «وول – مارت»، المنافس اللدود لشركة «أمازون»، بمقدار 29 في المائة. أضرت أسعار النفط والغاز المنخفضة بتوقعات شركات الطاقة في عام 2015. مما أدى بشركات الطاقة على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» أن تشهد هبوطا بمقدار ربع القيمة تقريبا خلال ذلك العام. كما أشاع الهبوط الشديد في قطاع النفط والغاز حالة توتر عارمة في سوق السندات، حيث اقترضت شركات الطاقة كميات كبيرة خلال السنوات الأخيرة. ولقد هبطت السندات الرديئة لأكثر من عشر نقاط مئوية في عام 2015، وفقا لمؤشر الأرباح المرتفعة لدى بنك «أوف أميركا ميريل لينش». جاءت المبيعات في أكثر القطاعات تكهنا بالأسواق الائتمانية إشارة على أن كثيرا من سنوات التوقعات والتكهنات، والناجمة عن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، قد يشهد تغيرا كبيرا في الوقت الحالي. ويتوقع بعض المحللين أن تزيد اهتزازات الأسواق. يقول أتول ليلي، كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة «ديلتيك الدولية للاستثمار»: «سوف يشهد الائتمان عالي الربحية أسوأ حالاته». كما يعتقد أن الأسواق الناشئة، التي هبطت فيها أسواق الأسهم بشدة في عام 2015، ستستمر في المعاناة خلال 2016، حيث تعاني الشركات في الدول النامية من أجل إعادة سداد الدولارات التي اقترضتها خلال السنوات الأخيرة. «تكمن المشكلة في أنهم سوف يعجزون عن سداد الديون بالدولار الأميركي، وليست لديهم سيولة دولارية تغطي ذلك». والسؤال الحاسم هو ما إذا كان يمكن لاقتصاد الولايات المتحدة الاستمرار في النمو حول معدله الحالي مع رفع البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة. وبعيدا عن أسواق الأسهم، كانت هناك إشارات أن المستثمرين تنقصهم الثقة حول توقعات الاقتصاد الأميركي. كان المتوقع لعائد سندات الخزانة ذات السنوات العشر أن يرتفع بشكل كبير في عام 2015 مع نمو الاقتصاد وهبوط معدلات البطالة. ورغم ذلك أغلقت السندات أو من أمس (الخميس) على عائد بمقدار 2.27 نقطة مئوية، وهو مستوى أعلى قليلا من 2.17 نقطة مئوية المحقق في نهاية عام 2014. وبالمثل، هبطت أسعار النفط، وفقا لمعدلاتها على مقياس عقود النفط الخام الأميركية في نيويورك، بما يقرب من الثلث في عام 2015. ويرى بعض المحللين ذلك الهبوط أنه إشارة للنمو العالمي الضعيف، إذ إنه قد يشير إلى أن الشركات تشتري القليل من النفط لتغذية عملياتها. لكن على الرغم من تلك المؤشرات، يقول كثير من المحللين إنهم شاهدوا نشاطا في اقتصاد الولايات المتحدة يمكن أن يحافظ على نموه بوتيرة معتدلة. على سبيل المثال، كما يقولون، إن المستهلكين الأميركيين، الذين يستفيدون من الارتفاع المحتمل للأجور وانخفاض تكاليف الطاقة، قد يشعرون بثقة أكبر في عام 2016. وفي حين أن الأجور المرتفعة قد تقلل من هوامش الأرباح للشركات، فإن الإنفاق المرتفع من جانب المستهلكين قد يعزز المبيعات لبعض الشركات. يقول السيد روزنبرغ، الخبير الاستراتيجي: «سيكون العام الجديد هو عام ارتفاع الأجور. ولسوف تكون تيمة واسعة الانتشار آنذاك». يمكن للمخاوف حول النمو العالمي، والتي ألقت بثقلها على أسواق الأسهم في الأعوام الأخيرة، أن تسبب التراجع إذا ما انطلقت الاقتصادات الأوروبية بوتيرة أسرع في عام 2016. وبعد كل شيء، فإن أزمة الديون اليونانية المطولة لم تمنع الأسهم الأوروبية من الانخفاض بواقع 7 نقاط مئوية في عام 2015، وفقا لمؤشر «ستوكس أوروبا 600». ويقول السيد ليلي: «يسير التوسع الاقتصادي للأسواق المتقدمة على المسار الصحيح». يقول المراقبون المتشائمون لأسواق الأسهم، رغم ذلك، إن المشكلات التي يشاهدونها في الاقتصاد العالمي سوف تزداد حدة بحلول علم 2016، مما يقوض من التعافي في الاقتصاد الأميركي. ومن زاويتهم، فإن التحفيز النقدي للبنوك المركزية العالمية كان ذا فعالية محدودة. نتيجة لما تقدم، تختار البلدان أن تترك عملاتها تنهار بوصفها وسيلة لزيادة الصادرات وبالتالي إنعاش الاقتصاد. وأبلغ الأمثلة على ذلك ما حدث في أغسطس (آب) عندما صدمت الصين العالم بتخفيض قيمة عملتها المحلية (الرينمينبي)، بنسبة قليلة. ومع تخفيض دول أخرى قيمة عملاتها، تعززت قيمة الدولار الأميركي في المقابل. ولقد ألحق ذلك الضرر بالشركات العاملة في الولايات المتحدة من ناحيتين؛ حيث تجد صعوبة في التصدير، كما قد تضطر إلى بيع السلع بأسعار قليلة في الولايات المتحدة للتنافس مع الشركات الأجنبية. ومن شأن أرباح تلك الشركات أن تتضرر نتيجة لذلك، وقد تكتسب قوى الانكماش في الاقتصاد زخما جراء ذلك. وبالنسبة للمحللين المتشائمين، تعد قرارات تخفيض قيمة العملة والمشكلات الناتجة عنها إشارة إلى أن صناع السياسة لم تعد لديهم أفكار جديدة يطرحونها. يقول ألبرت إدواردز، الخبير الاستراتيجي لدى «سوسيتيه جنرال» في لندن: «أنظر حول العالم لأجد الأسواق المالية تعتقد أن السلطات في محل السيطرة والتحكم، لكنهم ليسوا كذلك». أما أنصار الصعود، بطبيعة الحال، فيسخرون من تلك النظرة التشاؤمية. لكنهم يقولون إن أيام شراء الأسهم دون تمييز ومراقبة ارتفاعها قد ولت. إذ إن كثيرا من التحركات المالية التي نفذتها الشركات مؤخرا لزيادة الأرباح - مثل إعادة شراء الأسهم والاقتراض بأقل أسعار ممكنة للفائدة - قد يصعب الاستمرار فيها من أي وقت مضى. يقول السيد روزنبرغ إن «وقت المراهنات اليائسة، ووقت موجات المد العالية التي ترفع جميع القوارب، قد ولى. علينا تأدية مزيد من الفروض المنزلية خلال العام الجديد لكي نستمر». * خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :