مبدأ المملكة في محاربة الإرهاب قائم على رؤية واحدة بأن هذه الجريمة لا ترتبط بدين أو مذهب أو جنسية بل إنها آفة دولية وجرم يقوم العالم كله اليوم من أجل اجتثاثه والخلاص منه، صوناً لأرواح الناس وأمنهم وممتلكاتهم وأعراضهم، والحفاظ على هيبة الدول، وتماسكها وانتظامها وعدم انفلاتها. ويشهد العالم إصراراً كبيراً غير مسبوق في محاربة الإرهاب يدفعه في ذلك الضرر الذي لحق به جراء الهجمات التي ضربت هنا وهناك، وقد خلفت تلك العمليات الإرهابية قتلى وجرحى من كل الديانات والأعراق، ولقد كانت المملكة من الدول التي عانت من الإرهاب مدة طويلة، إذ طالتها تفجيرات ضخمة أزهقت أرواح أناس كثر، وروعت غيرهم، وتركت وراءها يتامى وأرامل ومفجوعين.. مارست المملكة ضبط نظامها فطالت يد العدالة والأمن الإرهابيين، وخاضت بلادنا سجالاً طويلاً فكرياً وأمنياً مع تلك المجموعات.. فحرب المملكة على الإرهاب وتجربتها في مكافحته أكسبها احتراماً إقليمياً ودولياً ملموساً ومشهوداً. لقد جاء تنفيذ الأحكام الصادرة بحق المدانيين بجرائم الإرهاب ممن استهانوا بحرمة الدماء والأموال بعد استيفاء كافة ضمانات التقاضي بدرجاته الثلاث في هذه القضايا، في سلسلة طويلة من الإجراءات بعد القبض والتحقيق والادعاء، والنظر في الدعوى شرعاً، والاستماع إلى أقوال المتهمين، ودفوعهم، وبينة المدعي، واستكمال الإجراءات النظامية للدعاوى محل النظر، وتقديم الأدلة، والتثبت منها، والحكم على المتهمين من المحكمة الجزائية، وتصديق ذلك من محكمة الاستئناف، والمحكمة العليا. لقد وعى مجتمعنا لخطر الإرهاب وتعزز لديه هذا الوعي بعد أن رأى بعينيه تفجيرات المحيا واشبيليا وتفجير المساجد وغيرها.. ورأى كيف توغر تلك الآفة في بعض الدول التي استهانت بمواجهته واكتشفت متأخرة أنها تنام على بركان لتستيقض على انفجارات كما حدث في باريس وبعض الدول الأوروبية التي لحقتها جرائم أضرت بأمنها القومي.. وكلنا نذكر ما آلت إليه هجمات باريس التي سقط فيها 130 شخصاً، وهو أمر استنفر واستفز أوروبا والولايات المتحدة وعددا من الدول التي ذهبت في اتخاذ خطوات أكثر صرامة في التعامل مع هذه التهديدات. وفي هذا الإطار يجدر بنا الإشارة إلى أن الاستراتيجية الأميركية في الحرب على الإرهاب نفسها تمت مراجعتها، ويبدو ذلك ظاهراً في خطابات الرئيس الأميركي فبين خطابه الذي تحدث فيه عن إضعاف "داعش" ثم القضاء عليها، يجدر بنا معرفة أن أوباما وفي خطابه الأخير تحدث عن تدمير "داعش" ليتخلى عن مسألة إضعافها للقضاء عليها مباشرةً، وقد بدأ ذلك واضحاً من خلال العمليات التي تم تنفيذها في سورية والعراق، وأسفرت عن مقتل قيادات في تنظيم "داعش"، وكذلك تقديم الولايات المتحدة الغطاء الجوي للعمليات البرية العراقية والتي أسفرت عن تحرير الرمادي مؤخراً، وكذلك موافقة البرلمانات والحكومات في بريطانيا وألمانيا والصين على دفع الجهود والمشاركة في محاربة الإرهاب، كلها مؤشرات لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها في إطار الجهد الدولي لدفع شر الإرهاب والقضاء عليه. بالمثل قامت عديد من الدول العربية والإسلامية بجهد كبير في مكافحة الإرهاب، فالإسلام كدين وديانة يدين بها أكثر من مليار ونصف المليار إنسان على وجه الأرض، تأذى كثيراً من الإرهاب الذي ألصق به بهتناً وإثماً وهو دين يحث على الحفاظ على أرواح البشر مهما كانت انتماءاتهم؛ وفي سبيل ذلك استمرت المملكة في جهودها بوصفها جزءاً أصيلاً ومكوناً رئيسياً في التحالف الدولي ضد الإرهاب، بل إنها اليوم باتت رقماً حيوياً يعتمد عليه كثيراً في هذا المجال، ولقد كان التأييد الدولي العريض بإنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي أعلنت عنه المملكة في إطار جهودها الرامية لمكافحة هذه الآفة، ذا دلالة واضحة على الثقة التي توليها الأسرة الدولية للمملكة. إن أمن الوطن وهيبته ووحدته مسألة لا يمكن النقاش فيها أو الحديث حولها، إلا بما يعزز من قدرته وحصانته وسؤدده، وإن التعدي على المملكة التي تحتضن الحرمين الشريفين والتحريض على الإضرار بها أو بمقدراتها أو وحدتها أو إثارة الفتن بين مواطنيها أو التعدي عليهم أو المقيمين على أراضيها أمر لا يمكن الاستهانة به أو قبوله من أي شخص مهما كان انتماؤه.
مشاركة :