لماذا ننجذب إلى أفلام العنف والجريمة السينما باتت تقدم نمطا من الأبطال العنيفين الذين يغرقون الفيلم في جو من الدماء المصحوب بمقدار من القبول. عنف مرتبط بالحياة الواقعية لم تتوقف السينما عن تقديم المزيد من الشخصيات التي تكرس فكرة العنف والجريمة بشكل مبتكر ومؤثر، حتى صار هذا النوع من الأفلام هو الأكثر رواجا في أوساط جمهور المشاهدين. لقد صرنا خلال ذلك نشاهد عبارة تسبق الأحداث وهي أن ما سوف نشاهده مبني على أحداث حقيقية، وبما في ذلك القتلة المتسلسلون الذين صاروا علامة فارقة في السينما العالمية. وإذا كنا قد اعتدنا على صورة نمطية للقاتل مثلا في بشاعته وشكله المخيف، فإن العديد من الأفلام صارت تجمل صورة المجرمين وتقوم بتحسينها وصولا إلى تقديم شخصية الطفل المجرم، كما في فيلم "اليتيمة" بجزئيه والذي تحدثنا عنه في هذه الصفحة. لكن في موازاة ذلك قدمت السينما العشرات من الشخصيات التي شكلت علامات فارقة في سينما الجريمة والعنف، وخاصة في عموم تجارب السينما الأميركية في مجتمع مولع بالعنف، حيث يجد هذا النوع السينمائي رواجا كبيرا واستمتاعا من طرف الجمهور العريض. هنالك على سبيل المثال أكثر من 150 فيلما كلها قدمت شخصية دراكولا (مصاص الدماء) وجعلت منها أيقونة سينمائية لا تستنفد من كثرة المعالجات السينمائية وتعددها. هنا صرنا نجد أنفسنا أمام نمط من الأبطال العنيفين أو أولئك الذين يغرقون الفيلم في جو من الدماء المصحوب بمقدار من القبول، الأبطال الوسيمون الذين بدا أنهم للوهلة الأولى أبعد ما يكونون عن اقتراف الجرائم، لكن ها هم يفتكون بضحاياهم بلا رحمة. واقعيا إذا كان الفيلم في ركن مهم من أركانه قائما على فكرة الصراع كركيزة أساسية في بنائه، فإن تطور فكرة الصراع، وتصاعدها إلى مستوى العنف والجريمة، هو الإشكالية الأكثر انتشارا في السينما في الوقت الحاضر، ولهذا صار معتادا مشهد الدماء وقطع الرؤوس وما إلى ذلك مما يصعب تخيله، لكن هناك جمهورا متعطشا ويجد في تلك الأجواء الدامية مناخا خاصا للصراعات في أقصى ما يمكن أن تصل إليه بين الشخصيات في ما بينها. وأما إذا بحثنا في ذلك المربع القائم على الأضداد، فإننا سوف نجد أن الفيلم الذي يفتقر إلى قوى الصراع الفاعلة والمؤثرة، ربما سيخسر جمهوره العريض الذي صارت لديه متطلبات تتعلق بالشخصيات ونوازعها ودوافعها مما لا يكاد يتوفر بلا قوة صراع قوية. يصنف موقع رولينغ ستون الشهير الأفلام الأكثر عنفا ودموية، فيختار خمسين فيلما هي الأعنف، والتي تدرجت فيها مستويات العنف منذ بواكير السينما إلى دخول اللون والصوت وحتى زمننا الحاضر. هنا يمكن ملاحظة ذلك النوع من العنف المرتبط بالحياة الواقعية وبتاريخ العائلات والمافيات مثل فيلم “العراب” وما تم النسج على نمطيته، كفيلم “المحصّنون” وأفلام “حدث ذات مرة في أميركا” و”الهروب من نيويورك” و”المحاربون” و”القنبلة الذرية الشقراء” و”لوغان” و”هروب منتصف الليل” و”المهمة المستحيلة” و”كاسينو رويال” وغيرها من الأفلام. يضع الناقد جوشوا روخوف في خلال تصنيفه العشرات من أفلام الجريمة والعنف تساؤلا خلاصته ما الذي يجذبنا لأفلام العنف والجريمة؟ وما الذي يصنع فيلما رائعا من هذا النوع؟ حسنا دعنا نرى. هل يداك متعرقتان؟ أسنانك مشدودة؟ هل يضرب قلبك ورجلك تهتز من دون أن تشعر؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن الفيلم الذي تشاهده يؤدي وظيفته. إنها ما يمكن أن نسميه “الإثارة النفسية” الغامضة، تلك التي تتركها أفلام العنف والجرمية في وعي المشاهدين، فيزدادون انجذابا إليها، وهو نوع من التأثير المختلف الذي يكرسه هذا النوع من الأفلام في ذاكرة المشاهدين. خلال ذلك هنالك الكثير من الدسائس والمفاجآت والصراعات ونزعات الانتقام مع حس رومانسي جانبي وعلاقات حب هامشية، كل ذلك يجتمع في هذا النوع الفيلمي. طاهر علوان كاتب عراقي مقيم في لندن
مشاركة :