سـرديـات: في السرديات التداولية: (خطاب الأمثولة) لسعيد جبَّار أنموذجًا

  • 9/10/2022
  • 09:09
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يشتغل‭ ‬كتاب‭ (‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭: ‬حوار‭ ‬الفكر‭ ‬والسلطة،‭ ‬مقاربة‭ ‬تداوليّة‭ ‬معرفيّة‭) ‬لسعيد‭ ‬جبَّار‭ ‬على‭ ‬مقاربة‭ ‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭ ‬في‭ ‬السَّرد‭ ‬العربيّ‭ ‬القديم‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدفين‭ ‬أساسيين‭ ‬ينطلق‭ ‬الباحث‭ ‬منهما‭ ‬هما‭ ‬مقاربة‭ ‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭ ‬لتعرف‭ ‬خصائصه‭ ‬ومكوناته‭ ‬وطرق‭ ‬اشتغال‭ ‬هذه‭ ‬المكونات،‭ ‬وتعرّف‭ ‬الأبعاد‭ ‬التداولية‭ ‬التواصلية‭ ‬التي‭ ‬تحققها‭ ‬هذه‭ ‬السيرورة‭ ‬السردية‭ ‬لإبراز‭ ‬التنوّع‭ ‬السردي‭ ‬العربيّ‭ ‬القديم‭. ‬والهدف‭ ‬الآخر‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬مشروع‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬النقدية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬أراد‭ ‬فيها‭ ‬اجتراح‭ ‬مقاربات‭ ‬نقدية‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬الخطاب‭ ‬السرديّ‭ ‬لتجاوز‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شكلانيّ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دلاليّ‭ ‬وسياقيّ‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬التداولية‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬مقصديات‭ ‬التخييل‭ ‬السردي‭ ‬وأبعاده‭ ‬المعرفية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬مشروع‭ ‬الأدب‭ ‬والأدبية‭. ‬ وقف‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ (‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭) ‬عند‭ ‬أنموذجين‭ ‬سرديين‭ ‬هما‭ ‬كتاب‭ (‬كليلة‭ ‬وِدمنة‭) ‬و‭(‬الأسد‭ ‬والغوّاص‭)‬،‭ ‬وهما‭ ‬كتابان‭ ‬خضعا‭ ‬إلى‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الاشتغالات‭ ‬النقدية؛‭ ‬فمن‭ ‬المقاربات‭ ‬التي‭ ‬اهتمت‭ ‬بقضية‭ ‬تشكّلات‭ ‬الآداب‭ ‬السلطانية‭ ‬العربية‭ ‬دراسة‭ ‬‮«‬الكاتب‭ ‬والسلطان،‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬كاتب‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ ‬للباحث‭ ‬اللبنانيّ‭ ‬رضوان‭ ‬السيد،‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬كتابه‭ (‬الجماعة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والدولة،‭ ‬سلطة‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السياسيّ‭ ‬العربيّ‭). ‬وتندرج‭ ‬مقاربة‭ ‬رضوان‭ ‬السيد‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬التاريخ‭ ‬الثقافيّ‭ ‬العربّي‭ ‬الإسلاميّ‮»‬‭. ‬ يقوم‭ ‬كتاب‭ (‬خطاب‭ ‬الأمثولة،‭ ‬حوار‭ ‬الفكر‭ ‬والسلطة،‭ ‬مقاربة‭ ‬تداولية‭ ‬معرفية‭) ‬على‭ ‬استكناه‭ ‬آليات‭ ‬إنتاج‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السرديّ‭ ‬العربيّ‭ ‬القديم‭. ‬ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬السرديّ‭ ‬الخاص‭ ‬بالباحث‭ ‬سعيد‭ ‬جبّار‭ ‬الذي‭ ‬ركّز‭ ‬في‭ ‬مقارباته‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السرد‭ ‬العربيّ‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬في‭ ‬صورته‭ ‬البسيطة‭ ‬عبر‭ ‬تجليات‭ ‬خبرية‭ ‬متنوعة‭ ‬شكّلت‭ ‬نواة‭ ‬مركزية‭ ‬للسرد‭ ‬العربيّ،‭ ‬ثم‭ ‬انتقاله‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التحوّل‭ ‬من‭ ‬البسيط‭ ‬إلى‭ ‬المركب‭ ‬عبر‭ ‬مفهوم‭ ‬التوالد‭ ‬السرديّ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقاربة‭ ‬أنساق‭ ‬التركيب‭ ‬السرديّ‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬العربيّ‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬مشروع‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬معرفية‭ ‬فكرية،‭ ‬وليست‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬اعتباره‭ ‬إنتاجًا‭ ‬لغويًا‭ ‬تتمثّل‭ ‬أدبيته‭ ‬في‭ ‬جماليته‭ ‬الشكلية‭. ‬تناولت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬مدخلاً‭ ‬نقديًا‭ ‬منهجيًا‭ ‬عن‭ ‬التداولية‭ ‬وتوسيع‭ ‬مشروع‭ ‬الأدب،‭ ‬وثلاثة‭ ‬فصول‭ ‬هي‭ ‬كليلة‭ ‬وِدمنة،‭ ‬بناء‭ ‬النموذج‭ ‬إذ‭ ‬عدَّ‭ ‬الباحث‭ ‬كتاب‭ (‬كليلة‭ ‬ودِمنة‭) ‬أول‭ ‬نص‭ ‬أمثوليّ‭ ‬متكامل‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيّة‭ ‬الإسلاميّة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬معظم‭ ‬الدراسات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬هو‭ ‬مترجم‭ ‬من‭ ‬الهندية‭ ‬إلى‭ ‬الفهلوية‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬العربيّة،‭ ‬فإنَّ‭ ‬أثره‭ ‬كان‭ ‬واضحًا‭ ‬فيما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬إنتاجات‭ ‬حكائية‭ ‬أمثولية،‭ ‬فكان‭ ‬بمثابة‭ ‬النص‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬ينسج‭ ‬كلّ‭ ‬مبدع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمثولة‭ ‬على‭ ‬شاكلته،‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬فإنَّ‭ ‬مقاربة‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬تضع‭ ‬القارئ‭ ‬أمام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬ميّزت‭ ‬السرد‭ ‬الأمثولي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بنائه‭ ‬ودلالاته‭ ‬ووظائفه‭. ‬وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬المعنوّن‭ ‬بـ‭(‬الأسد‭ ‬والغوّاص،‭ ‬الفكر‭ ‬والسلطة‭ ‬العشق‭ ‬الممنوع‭) ‬تناول‭ ‬الباحث‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الأسد‭ ‬والغوّاص‮»‬‭ ‬بوصفها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬النصيّ‭ ‬مع‭ ‬النص‭ ‬الأنموذج‭ ‬‮«‬كليلة‭ ‬وِدمنة»؛‭ ‬ثم‭ ‬تناول‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬المعنوّن‭ ‬بـ«الامتدادات،‭ ‬الثوابت‭ ‬والمتغيرات‭ (‬كتاب‭ ‬النمر‭ ‬والثعلب‭) ‬لسهل‭ ‬بن‭ ‬هارون،‭ ‬وكتاب‭ (‬السلوانات‭ ‬في‭ ‬مسامرة‭ ‬الخلفاء‭ ‬والسادات‭) ‬لابن‭ ‬ظفر‭ ‬الصقليّ‭ ‬بوصفيهما‭ ‬نصين‭ ‬متفاعلين‭ ‬مع‭ ‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيّة‭. ‬وخلص‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬دراسته‭ ‬بأنَّ‭ ‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭ ‬يؤكِّد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬التي‭ ‬امتدّت‭ ‬عبر‭ ‬النصوص‭ ‬المتعاقبة‭ ‬زمنيًا،‭ ‬وبالانتقال‭ ‬إلى‭ ‬البعد‭ ‬التداوليّ‭ ‬للنص‭ ‬الأمثوليّ‭ ‬يتبين‭ ‬أنَّ‭ ‬غالبية‭ ‬النصوص‭ ‬الأمثولية‭ ‬تمد‭ ‬الجسور‭ ‬تواصليًا‭ ‬مع‭ ‬متلق‭ ‬محدد‭. ‬وقد‭ ‬يختلف‭ ‬سياق‭ ‬القراءة‭ ‬من‭ ‬قارئ‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وقد‭ ‬تختلف‭ ‬كفايات‭ ‬القراءة‭ ‬ومرتكزاتها‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬لكن‭ ‬الموجهات‭ ‬النصية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التقاطها‭ ‬عبر‭ ‬العتبات‭ ‬التي‭ ‬يتعمد‭ ‬المؤلف‭ ‬تمريرها‭ ‬عبر‭ ‬الموازيات‭ ‬النصية‭ ‬تقلص‭ ‬نسبيًا‭ ‬التباين‭ ‬بين‭ ‬القراءات‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬المقصديات‭ ‬الموجِّهة‭ ‬إلى‭ ‬النصوص‭ ‬وطبيعة‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬للقارئ‭ ‬وهو‭ ‬يكتشف‭ ‬تدريجيًا‭ ‬المستوى‭ ‬التمثيليّ‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬ومكوناته‭.‬ تشتغل‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬على‭ ‬مقاربة‭ ‬خطاب‭ ‬الأمثولة‭ ‬لتعرّف‭ ‬خصائصه‭ ‬ومكوناته،‭ ‬وطرق‭ ‬اشتغال‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المقاربة‭ ‬التداوليّة‭ ‬التواصلّية‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬مقصديات‭ ‬التخييل‭ ‬السردي‭ ‬وأبعاده‭ ‬المعرفية‭. ‬لقد‭ ‬انطلق‭ ‬الباحث‭ ‬من‭ ‬التداولية‭ ‬لتوسيع‭ ‬مشروع‭ ‬خطاب‭ ‬الأدب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربطه‭ ‬بمفهوم‭ ‬تداولي‭ ‬هو‭ (‬التخييل‭) ‬منذ‭ ‬غرايس‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬التداولية‭ ‬المعرفية‭ ‬مع‭ ‬سبيربر‭ ‬وويلسن‭ ‬وسورل‭ ‬وروبول‭ ‬وإمبرتو‭ ‬إيكو‭ ‬وغيرهم‭. ‬وتتكئ‭ ‬الدراسة‭ ‬على‭ ‬المفاهيم‭ ‬التداولية‭ ‬المتصلة‭ ‬بالتخييل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مستويين‭ ‬هما‭ ‬التمثيل‭ ‬والتعبير‭ ‬لإبراز‭ ‬المقصدية‭ ‬التواصلية‭ ‬لخطاب‭ ‬الأمثولة‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬المركب‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬والسلطة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيّة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهما‭ (‬كليلة‭ ‬ودِمنة‭) ‬و‭(‬الأسد‭ ‬والغوّاص‭)‬،‭ ‬وكتاب‭ (‬النمر‭ ‬والثعلب‭) ‬لسهل‭ ‬بن‭ ‬هارون‭ ‬وكتاب‭ (‬السلوانات‭) ‬لابن‭ ‬ظفر‭ ‬الصقلي‭. ‬إنَّ‭ ‬المدخل‭ ‬المنهجي‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬الباحث‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تأطير‭ ‬مقاربته‭ ‬النقدية‭ ‬والمتكئ‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬التخييل‮»‬‭ ‬التداول‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مقنعًا؛‭ ‬فقد‭ ‬اختزل‭ ‬الباحث‭ ‬التداولية‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬التخييل‭ ‬فقط‭ ‬رغم‭ ‬أنَّ‭ ‬دراسته‭ ‬تجاوزت‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬إلى‭ ‬السيميائيات‭ ‬السردية‭ ‬والسيميائيات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إفادته‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭) (‬التناص‭) ‬في‭ ‬تطوراته‭ ‬المختلفة‮»‬‭. ‬ يقع‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مشروع‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬السردية‭ ‬العربيّة‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ (‬الخبر‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬العربي،‭ ‬الثوابت‭ ‬والمتغيرات‭) (‬2004‭) ‬و‭(‬خطاب‭ ‬الرحلة،‭ ‬الذاكرة‭ ‬وآليات‭ ‬إنتاج‭ ‬الدلالة‭) (‬2017‭)‬،‭ ‬و‭(‬التوالد‭ ‬السردي،‭ ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬أنساق‭ ‬التركيب‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬التراثي‭)‬،‭ (‬2006‭)‬،‭ ‬و‭(‬من‭ ‬السردية‭ ‬إلى‭ ‬التخييلي‭) (‬2013‭).‬وقد‭ ‬اشتغل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬مقاربات‭ ‬دلالية‭ ‬سياقية‭ ‬تداولية‭.‬ أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،‭ ‬كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين

مشاركة :