يشتغل كتاب (خطاب الأمثولة: حوار الفكر والسلطة، مقاربة تداوليّة معرفيّة) لسعيد جبَّار على مقاربة خطاب الأمثولة في السَّرد العربيّ القديم لتحقيق هدفين أساسيين ينطلق الباحث منهما هما مقاربة خطاب الأمثولة لتعرف خصائصه ومكوناته وطرق اشتغال هذه المكونات، وتعرّف الأبعاد التداولية التواصلية التي تحققها هذه السيرورة السردية لإبراز التنوّع السردي العربيّ القديم. والهدف الآخر ينطلق من مجمل مشروع البحث في كتبه النقدية الأخرى التي أراد فيها اجتراح مقاربات نقدية أكثر انفتاحًا في مقاربة الخطاب السرديّ لتجاوز ما هو شكلانيّ إلى ما هو دلاليّ وسياقيّ بالانفتاح على التداولية للبحث في مقصديات التخييل السردي وأبعاده المعرفية، وتوسيع مشروع الأدب والأدبية. وقف الباحث في دراسته (خطاب الأمثولة) عند أنموذجين سرديين هما كتاب (كليلة وِدمنة) و(الأسد والغوّاص)، وهما كتابان خضعا إلى قدر كبير من الاشتغالات النقدية؛ فمن المقاربات التي اهتمت بقضية تشكّلات الآداب السلطانية العربية دراسة «الكاتب والسلطان، دراسة في ظهور كاتب الديوان في الدولة الإسلامية» للباحث اللبنانيّ رضوان السيد، وذلك ضمن كتابه (الجماعة والمجتمع والدولة، سلطة الأيديولوجيا في المجال السياسيّ العربيّ). وتندرج مقاربة رضوان السيد في إطار ما أطلق عليه اسم «التاريخ الثقافيّ العربّي الإسلاميّ». يقوم كتاب (خطاب الأمثولة، حوار الفكر والسلطة، مقاربة تداولية معرفية) على استكناه آليات إنتاج المعنى في الخطاب السرديّ العربيّ القديم. ويمثل هذا الكتاب المرحلة الأخيرة من المشروع السرديّ الخاص بالباحث سعيد جبّار الذي ركّز في مقارباته السابقة في مجال السرد العربيّ القديم على السرد في صورته البسيطة عبر تجليات خبرية متنوعة شكّلت نواة مركزية للسرد العربيّ، ثم انتقاله إلى الحديث عن التحوّل من البسيط إلى المركب عبر مفهوم التوالد السرديّ من خلال مقاربة أنساق التركيب السرديّ في السرد العربيّ لإعادة بناء مشروع الأدب على أسس معرفية فكرية، وليست على خلفية اعتباره إنتاجًا لغويًا تتمثّل أدبيته في جماليته الشكلية. تناولت هذه الدراسة مدخلاً نقديًا منهجيًا عن التداولية وتوسيع مشروع الأدب، وثلاثة فصول هي كليلة وِدمنة، بناء النموذج إذ عدَّ الباحث كتاب (كليلة ودِمنة) أول نص أمثوليّ متكامل في الثقافة العربيّة الإسلاميّة. وعلى الرغم من أنَّ معظم الدراسات تشير إلى أنَّ هذا النص هو مترجم من الهندية إلى الفهلوية ومنها إلى العربيّة، فإنَّ أثره كان واضحًا فيما تلاه من إنتاجات حكائية أمثولية، فكان بمثابة النص النموذج الذي ينسج كلّ مبدع في مجال الأمثولة على شاكلته، من ثم فإنَّ مقاربة هذا النص تضع القارئ أمام مجموعة من الثوابت الأساسية التي ميّزت السرد الأمثولي على مستوى بنائه ودلالاته ووظائفه. وفي الفصل الثاني المعنوّن بـ(الأسد والغوّاص، الفكر والسلطة العشق الممنوع) تناول الباحث حكاية «الأسد والغوّاص» بوصفها قائمة على التفاعل النصيّ مع النص الأنموذج «كليلة وِدمنة»؛ ثم تناول في الفصل الأخير من الدراسة المعنوّن بـ«الامتدادات، الثوابت والمتغيرات (كتاب النمر والثعلب) لسهل بن هارون، وكتاب (السلوانات في مسامرة الخلفاء والسادات) لابن ظفر الصقليّ بوصفيهما نصين متفاعلين مع خطاب الأمثولة في الثقافة العربيّة. وخلص الباحث في خاتمة دراسته بأنَّ خطاب الأمثولة يؤكِّد مجموعة من الثوابت التي امتدّت عبر النصوص المتعاقبة زمنيًا، وبالانتقال إلى البعد التداوليّ للنص الأمثوليّ يتبين أنَّ غالبية النصوص الأمثولية تمد الجسور تواصليًا مع متلق محدد. وقد يختلف سياق القراءة من قارئ إلى آخر، وقد تختلف كفايات القراءة ومرتكزاتها من زمن إلى آخر، لكن الموجهات النصية التي يمكن التقاطها عبر العتبات التي يتعمد المؤلف تمريرها عبر الموازيات النصية تقلص نسبيًا التباين بين القراءات خصوصًا في تحديد المقصديات الموجِّهة إلى النصوص وطبيعة المعرفة التي تقدمها للقارئ وهو يكتشف تدريجيًا المستوى التمثيليّ في النص ومكوناته. تشتغل هذه الدراسة على مقاربة خطاب الأمثولة لتعرّف خصائصه ومكوناته، وطرق اشتغال هذه المكونات من خلال المقاربة التداوليّة التواصلّية للبحث في مقصديات التخييل السردي وأبعاده المعرفية. لقد انطلق الباحث من التداولية لتوسيع مشروع خطاب الأدب من خلال ربطه بمفهوم تداولي هو (التخييل) منذ غرايس إلى حدود التداولية المعرفية مع سبيربر وويلسن وسورل وروبول وإمبرتو إيكو وغيرهم. وتتكئ الدراسة على المفاهيم التداولية المتصلة بالتخييل من خلال التركيز على مستويين هما التمثيل والتعبير لإبراز المقصدية التواصلية لخطاب الأمثولة في الحوار المركب بين الفكر والسلطة في الثقافة العربيّة الإسلامية، وهما (كليلة ودِمنة) و(الأسد والغوّاص)، وكتاب (النمر والثعلب) لسهل بن هارون وكتاب (السلوانات) لابن ظفر الصقلي. إنَّ المدخل المنهجي الذي انطلق الباحث منه في سبيل تأطير مقاربته النقدية والمتكئ بالأساس على مفهوم التخييل» التداول لم يكن مقنعًا؛ فقد اختزل الباحث التداولية في مفهوم «التخييل فقط رغم أنَّ دراسته تجاوزت هذا المفهوم إلى السيميائيات السردية والسيميائيات الثقافيّة إلى جانب إفادته من مفهوم) (التناص) في تطوراته المختلفة». يقع هذا الكتاب في سياق مشروع الباحث في السردية العربيّة القديمة في كتبه (الخبر في السرد العربي، الثوابت والمتغيرات) (2004) و(خطاب الرحلة، الذاكرة وآليات إنتاج الدلالة) (2017)، و(التوالد السردي، قراءة في أنساق التركيب في النص التراثي)، (2006)، و(من السردية إلى التخييلي) (2013).وقد اشتغل في هذه الكتب جميعها على مقاربات دلالية سياقية تداولية. أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين
مشاركة :