إن التعويض عن الضرر المعنوي أثار جدلا كبيرا بين الفقهاء واستمر النقاش فيه زمنا طويلا قضاء وإفتاء، فلم يكن مقبولا فكرة التعويض عن الأضرار المعنوية التي تصيب الإنسان، حيث يصعب تقديرها.ويعرف الفقه الضرر المعنوي بأنه كل ما يصيب الإنسان في شرفه أو كرامته أو سمعته أو مركزه الاجتماعي أي أنه مساس بالناحية النفسية للإنسان دون أن يسبب له خسارة مالية، وعليه نكون أمام ضرر غير مالي في جميع الحالات فالطبيعة غير مالية لهذا الضرر كونها مساسا بالشرف والكرامة والسمعة، وهذا ما يشكل جوهر الضرر المعنوي.إن تقدير الضرر المعنوي يخضع لسلطة القاضي وهو ما جعل شراح القانون يطلقون على هذا النوع بالتعويض القضائي! فالقاضي يتمتع بحرية مطلقة في تقدير التعويض عن الضرر المعنوي.وإذا كان تقدير الضرر المعنوي يخضع إلى سلطة تقديرية للقاضي فإن عليه على الأقل أن يراعي مبدأ المساواة لتفادي التعسف في حكمه والمستقر لدينا في المملكة قضاء عدم جواز التعويض عن الأضرار المعنوية لعدم القدرة على تقديرها إلا أن المحاكم الإدارية لها سوابق في هذا الشأن وقضت بالتعويض في بعض الحالات ومنها واقعة إلزام مستشفى بالتعويض عن الأضرار المعنوية لمستفيد جراء نتائج التحاليل الخاطئة حيث إن المدعي تقدم لإجراء تحليل فحص الزواج ثم تفاجأ بالتقارير الصادرة من الجهة – أي المستشفى الحكومي – تفيد إصابته بمرض «الإيدز» خلافا للحقيقة، حيث تبين بعد إجرائه للعديد من التحاليل الطبية في عدة معامل ومستشفيات أهلية وحكومية أنه سليم وغير مصاب بالمرض وعلى ذلك قدرت الهيئة القضائية ناظرة الموضوع أنه تحقق الضرر المعنوي وعلى الجهة التعويض بذلك وهذا الحكم صدر في تاريخ 19 / 11 / 1436هـ بالقضية رقم 4618 / 2 / س لعام 1436 هـ مؤيدا من محكمة الاستئناف.وهذا ما يجعلنا نتحدث عن شروط التعويض عن الأضرار المعنوية التي من الممكن المطالبة بها قضاء وهي على النحو التالي:أولا: أن يكون الضرر المعنوي محققا، بمعنى أن الضرر المعنوي يشترط فيه أن يكون محققا مثله مثل الضرر المادي كما هو في السابقة القضائية التي أشرنا إليها فالعبرة في تحقق الضرر المعنوي بإيذاء الإنسان في شرفه واعتباره أو المساس في مشاعره بشكل واضح وجلي يدركه الإنسان العادي.ثانيا: أن يكون الضرر جسيما، بحيث يحط من كرامة الإنسان ويفقده مكانته الاجتماعية ويجعله في موضع حرج أمام العامة بما مس من سمعته وكرامته الأمر الذي يجعل الإنسان في عزلة عن الجماعة بسبب ذلك الضرر.ثالثا: ألا يكون الضرر قد سبق التعويض عنه، بحيث يكون هناك تعويض عن الأضرار المادية فيأتي المضرور يطالب في القضاء مرة أخرى عن الأضرار المعنوية التي أصابته، فهذان التعويضان لا يجتمعان فيما هو مستقر قضاء.رابعا: أن يكون الضرر شخصيا، والمراد بهذا الشرط أن يقتصر حق المطالبة بالتعويض على من لحقه الضر دون غيره، ولهذا لا يستطيع الغير ملاحقة المسؤول عن الضرر في حالة امتناع المعتدى عليه عن رفع الدعوى، فالمضرور هو الذي يكون له حق المطالبة بالتعويض فهو حق أصيل له وينقضي هذا الحق بوفاته أو بالتقادم ولا ينتقل إلى الورثة.ختاما: إن الضرر المعنوي لا يمكن قياسه بالنقود فهو غير قابل للتقويم فكرامة الشخص وشرفه لا يمكن أن يكونا محلا للمساومة أمام المحاكم؛ ولذا كانت سلطة القاضي في تقدير إزالة الضرر وآثاره من خلال المال أو نشر الحكم للعامة عبر الصحف المحلية إلى غيره من العقوبات التي من الممكن أن تزيل الضرر الذي مس الإنسان في كرامته من نفسه، والأصل أن التعويض لا يكون مستحقا إلا إذا أثبت المضرور أن السلوك أو الفعل الخاطئ قد تسبب له في ضرر مباشر محقق.expert_55@
مشاركة :