عندما تصبح الأخبار الجيدة سيئة!

  • 9/11/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هذه الأيام الأخبار الاقتصادية الجيدة، كانخفاض معدلات البطالة وانخفاض معدلات الفائدة، أصبحت سيئة في أنظار المتابعين لحركة الأسهم الأمريكية، والسبب أن المستثمرين في أسواق الأسهم يعلمون أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في رفع معدلات الفائدة، إلا أن هناك بوادر ركود اقتصادي بدأت تظهر. لذا فإن الأخبار الجيدة تؤخذ على أن الوضع الاقتصادي قوي وقادر على تحمل مزيد من عمليات رفع أسعار الفائدة. والعكس من ذلك صحيح كذلك، فالأخبار السيئة تعد جيدة هذه الأيام! المشكلة التي تواجه رئيس "الفيدرالي" هي أن التضخم في الولايات المتحدة وصل هذا العام إلى مستويات لم يصلها منذ عقود عدة، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتحرك جاي باول ويتخذ الإجراء المتعارف عليه برفع معدل الفائدة المستهدف، وهو سعر الفائدة الفيدرالي الذي يؤخذ كإشارة لتوجه أسعار الفائدة في البلاد. هناك من يعارض هذا التوجه لكون مسببات التضخم هذه المرة ليست مرتبطة بارتفاع الطلب، بل إنها مرتبطة بنقص العرض. لذا فإن عمليات رفع أسعار الفائدة ربما ليست في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أنها بالفعل تحد من حجم الطلب الكلي في الاقتصاد، إلا أن مشكلة التضخم الحالية ليست بسبب ارتفاعات مفاجئة في الطلب، بل بسبب انخفاضات مفاجئة في العرض جراء الأوضاع السياسية في أوروبا والأوضاع الداخلية في الصين. عندما تتحسن سلاسل الإمداد وتتراجع أسعار الطاقة ستعود مستويات العرض إلى ما كانت عليه، وعندها ربما تكون هناك حالات تراجع حادة في الأسعار، وهي عكس التضخم وتعد حالة اقتصادية سيئة تسمى deflation. إن احتمال حدوث هذه الظاهرة وارد جدا إن عادت مستويات العرض إلى سابق عهدها، وفي الوقت نفسه نقص الطلب جراء رفع معدلات الفائدة من جهة، ونقص كذلك بسبب تلاشي ظاهرة الثراء المعروفة المصاحبة لارتفاع أسعار الأسهم. للمعلومية، هناك حالة disinflation وهي عبارة عن تراجع في معدلات التضخم، فمثلا عندما تكون نسبة التضخم 6 في المائة على أساس سنوي هذا الشهر، بينما كانت 6.5 في المائة الشهر السابق، فإن ذلك يعد تراجعا في معدل التضخم. أما deflation، فيحدث عندما تكون نسبة التضخم بالسالب، أي أن الأسعار الحالية أقل من الأسعار في الفترة السابقة. ولذلك يقال إن نسبة التضخم الطبيعية المقبولة نحو 2 في المائة، أي أن الأسعار من المفترض أن ترتفع من عام إلى آخر ليبقى النشاط الاقتصادي بشكل صحي. حتى أخبار انخفاض مستويات البطالة، التي عادة تعد إيجابية ومطلوبة، ليست مشجعة للفيدرالي الأمريكي هذه الأيام، والسبب أن بقاء مستويات التوظيف عالية يدل على قوة الاقتصاد وعدم تأثره بعمليات رفع الفائدة التي تمت هذا العام، وبالتالي يؤخذ ذلك على أن هناك حاجة إلى مزيد من عمليات رفع معدلات الفائدة، وإلى الآن لم يظهر هناك أي إشارات لضعف سوق العمل، حيث لا يزال الاقتصاد الأمريكي يولد وظائف جديدة بنسب عالية، ولا تزال طلبات المعونة المتعلقة بفقدان الوظائف متدنية. مشكلة المستثمرين في أسواق الأسهم أن الفيدرالي الأمريكي لا يسره ارتفاع أسعار الأسهم، أي مرة أخرى الأخبار الجيدة للمستثمرين تعد سيئة للفيدرالي، والسبب يعود إلى ظاهرة الثراء التي يشعر بها الناس عندما تكون الأسهم في حالة ارتفاع، وبالتالي استمرار الطلب العالي بالشكل الذي يخالف سياسة الفيدرالي في الحد من الطلب! ارتفاع أسعار العقارات يعد من الأخبار الإيجابية لمن يمتلك عقارات، حيث وصلت نسبة من يمتلكون منازلهم في أمريكا بنهاية الربع الثاني 2022 إلى 65.8 في المائة. إلا أن ارتفاع أسعار المنازل يرفع من مستويات التضخم نتيجة كون السكن أحد أهم محددات التضخم، وبالذات لكون ارتفاع أسعار العقارات يعني ارتفاع الإيجارات. لذا فإن الفيدرالي الأمريكي بشكل غير مباشر يحارب ارتفاع أسعار المنازل، التي وصل المؤشر الخاص بها Case-Shiller إلى 306 نقاط بنهاية الربع الثاني 2022، علما بأن أسعار المنازل في صعود مستمر منذ 2011 بعد الانخفاض الحاد نتيجة الأزمة المالية 2008. معظم الأخبار الاقتصادية الإيجابية ليست كذلك هذه الأيام، فبيانات النشاط الصناعي القوية تعني أن الطلب لا يزال عاليا، وبالتالي لن يتراجع التضخم ولن يتوقف الفيدرالي عن رفع معدلات الفائدة. كذلك انخفاض مستويات المخزون لدى الشركات ليس إيجابيا هذه الأيام لأنه يدل على قوة الطلب! أعين المستثمرين موجهة إلى البيانات الاقتصادية، ويزداد التفاؤل نحو توجه أسعار الأسهم كلما كانت هناك أخبار اقتصادية سيئة، على العكس من الأمر المعتاد، والسبب أن الكل يعلم أن استمرار الفيدرالي في رفع مستويات الفائدة له أضرار كبيرة على المستوى الاقتصادي من حيث ارتفاع مستويات البطالة وتراجع أرباح الشركات، وبالتالي تراجع أسهمها. كذلك ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن هناك انتخابات مقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر)، وهناك من يعتقد أن الأوضاع الاقتصادية لن يسمح لها بالتراجع، كون ذلك سيؤدي إلى خسارة الديمقراطيين كثيرا من المقاعد الانتخابية، وبالتالي هناك تخوف من استمرار تحسن الاقتصاد واستمرار الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة.

مشاركة :