يظل التحدي الكبير للناقد، أي ناقد، يريد الكتابة عن إبداع محفوظ، هو ما الجديد الذي أضيفه، بعد صدور عشرات الكتب والرسائل العلمية، وتناول أعماله بمناهج نقدية تقليدية وحداثية، وعبر وجهات نظر مختلفة، وانطلاقاً من رؤى نقاد وباحثين ينتمون إلى أيديولوجيات مختلفة، من أقصى اليسار إلى دراسة الميول الدينية والروحية في أدبه. ويعترف الناقد المصري الدكتور ممدوح فراج النابي، في كتابه نجيب محفوظ.. الذاكرة والنسيان الصادر في سلسلة كتاب الهلال بأن الاقتراب من قامة محفوظ مجازفة محفوفة بالمخاطر، لكنه يعتصم بالثراء الإبداعي المحفوظي، في تنوعه وقدرته على أن يتيح للناقد الجديد أن يستخرج دلالات جديدة، متخذاً من المساحة العريضة، طوال مراحله الإبداعية من التاريخي إلى الاجتماعي إلى الرمزي وصولا إلى تخليص السرد من النثر والارتقاء به إلى صفاء الشعر في أحلام مدة النقاهة. ويرى النابي أنه رغم صدور إبداعات عربية جديدة فإن إبداعات محفوظ تظل بمثابة الذَّاكِرة الحيَّة والأمينة، على تاريخنا الوطني بنضالاته وإخفاقاته وانتصاراته، كما ظلّت هذه الإبداعات على تنوعها وثرائها بمثابة حائط الصّدِّ المقاوم لتغريب الهُوية وطمسها في بعض حالاتها على نحو ما كانت الثلاثيّة الاجتماعيّة (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) وقبلها الثلاثيّة التاريخيّة (عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة)، شاهدة على النسيج الوطني وتكاتفه من أجل هدف وحيد هو الاستقلال والحصول على الحربة، وأيضاً أكسيرا مقاوماً للنسيان، لكلِّ شيءٍ بدءا مِن ذاكرتنا وانتهاء بنكران الجميل. يعود النابي إلى أعمال محفوظ يستخرج منها دلالات متجددة في ضوء متغيرات عاصفة منذ ثورة 25 يناير 2011، حتى إنه يسأل: لماذا أخفقت الثورة؟ ثم يذهب إلى اللص والكلاب فيقول إن فيها إجابة عن أسباب هذا الإخفاق، وهو ما يثبت حيوية وديمومة نصوص محفوظ، وأنها تتجاوز أزمنة كتابتها. يشمل الكتاب دراسات في أعمال منها الثلاثية ورحلة ابن فطومة والطريق وأحلام مدة النقاهة ويعتبر الكتاب سياحة نقدية في أعمال محفوظ، وينتصر فيه المؤلف للقيمة الأدبية، وهي ما يبقى من المبدع، ويعيد الاعتبار حتى لروايات مظلومة مثل السراب التي ولدت يتيمة باختلافها عما قبلها وما بعدها، وكثيراً ما تجاهلها النقاد، كما يبطل أكثر مقولات محفوظ تكراراً في أولاد حارتنا وهي آفة حارتنا النسيان، فبهذا الكتاب، وما يليه من دراسات جادة مثله، يظل محفوظ ملء السمع والبصر.
مشاركة :