د. هيثم الزبيدي بوتين الجريح أخطر بكثير من بوتين المعافى. فكرة أن ينتهي طاووسا منتوف الريش لها تبعات قد لا يكون العالم قادرا على تحملها. في الحرب، مثلها مثل كرة القدم، عليك أن تحدّد لنفسك مستوى الهزيمة التي ستلحقها بالخصم القوي. فللهزيمة مستويان؛ هزيمة مذلة ومقصودة وفي عقر الدار متى أتيحت لك الفرصة، أو هزيمة إيحائية تترك فيها لخصمك بعضا من ماء الوجه ينقذ به نفسه من الإحراج. نبدأ بكرة القدم. هل تذكرون مونديال البرازيل 2014؟ في شبه النهائي التقت البرازيل -على أرضها- بألمانيا. لم يكن اللقاء اختبارا لمدى قوة الفريق البرازيلي وهو يلعب على أرضه فحسب، بل كان يُنتظر من المباراة أن تصبح استعراضا لطريقة لعب كرة القدم في أميركا اللاتينية القائمة على الإفراط في الاعتماد على مهارات اللاعبين الفردية، مقابل كرة القدم الأوروبية القائمة على فريق يلعب ضمن خطة تشمل كل لاعب بدور محدد. استعد البرازيليون جيدا لهزيمة “المحدلة الألمانية”. وذهب الجمهور إلى ملعب مينيراو وهو يحتفل مسبّقا بفوز فريقه. انتهى الشوط الأول بتقدم الفريق الألماني 5 – 0. أذكر جيدا الذهول المرتسم على وجوه المشجعين. هو الذهول نفسه الذي ارتسم على وجهي. ثم أمعن الألمان في ترويعهم للبرازيليين لتنتهي المباراة 7 – 1. كان القرار الألماني أن حان الوقت لهزْم الفريق البرازيلي هزيمة مذلة على أرضه؛ هزيمة للاعبين الاستعراضيين وهزيمة للفريق ولكرة القدم الفردية. خرج اللاعبون البرازيليون من الملعب مثل طواويس منتوفة الريش. في كرة القدم تلملم الفرق المهزومة جراحها وتبدأ من جديد. في الحروب الأمر مختلف؛ على المنتصر أن يحدد لنفسه درجة الهزيمة التي سيلحقها بالند القوي، خصوصا إذا كان هذا الند لم يستنفد كل قوته أو ترسانته. هذا ما يحدث الآن على الجبهة بين روسيا وأوكرانيا. القوات الأوكرانية، وبدعم غربي واضح، أنزلت هزائم قاسية بالمحتل الروسي. بخليط من المناورة والسلاح والخداع الإستراتيجي، تتقدم القوات الأوكرانية بسرعة لافتة في الشمال الشرقي من البلاد. انسحب الروس بعد أن أدركوا أنها معركة خاسرة. تركوا الكثير من المعدات، وتركوا الكثير من الآليات المدمرة. هنا على أوكرانيا، ومن خلفها الغرب، أن تسأل: هل نهزم القوات الروسية 7- 1 مثلما هزم الفريق الألماني الفريق البرازيلي؟ ستكون هذه هزيمة مذلة تعيد إلى الذاكرة هزيمة مشابهة للتي أُلحِقت بالقوات السوفياتية في أفغانستان قبل أكثر من 30 عاما. هل روسيا التي لا تزال تمتلك الكثير من عناصر القوة مستعدة لتقبّل هزيمة مذلة؟ ماذا سيكون رد فعل فلاديمير بوتين؟ لا تزال روسيا قادرة على إنزال الكثير من الأذى بأوكرانيا عسكريا وبالسلاح التقليدي أو، إذا وجدت نفسها مضطرة، بالسلاح النووي التكتيكي. ومازالت موسكو تلاعب الغرب بكميات الغاز التي تصل إلى أوروبا. فصل الشتاء لم يحلّ بعد. وأعصاب الأوروبيين متوترة الآن. سفن القمح الأوكراني والروسي يمكن أن تتوقف بدورها ونعود إلى خواء البطون. بوتين الجريح أخطر بكثير من بوتين المعافى. فكرة أن ينتهي طاووسا منتوف الريش لها تبعات قد لا يكون العالم قادرا على تحملها.
مشاركة :