رغم تعدد مهرجانات السينما في الجزائر، ما يزال الحديث متواصلا عن أزمة السينما التي عرفت طفرة كبيرة في ستينيات وبدايات سبعينيات القرن العشرين، وبلغت أوجها عام 1975 عندما نال فيلم وقائع سنين الجمر السعفة الذهبية لمهرجان كان الدولي، قبل التراجع الكبير الذي حدث بعد ذلك. وشهدت الفترة الأخيرة إقامة عدة فعاليات كمهرجان وهران للفيلم العربي، ومهرجان قسنطينة للفيلم العربي المتوّج، ومهرجانات للسينما الأمازيغية والفيلم الملتزم والفيلم الوثائقي وغير ذلك. ويجمع المتحدثون الذين استطلعنا آراءهم على أنه من مؤشرات استمرار الأزمة تقلص عدد صالات العرض من حوالي أربعمئة صالة في بدايات الاستقلال، إلى عشرات فقط. واضطر المنظمون لبعض المهرجانات إلى عرض الأفلام في بعض المسارح مع غياب الصالات المخصصة للعروض في بعض المدن. ثقافة وسياسة ومع ذلك، يرى نقّاد ومتابعون أن هناك إرادة سياسية لتجاوز الصعاب، مثلما يؤكد الناقد السينمائي عبد الكريم قادري في تصريحه للجزيرة نت. وأضاف قادري أن عملية خلق عدد من المهرجانات السينمائية في الجزائر هو مشروع ثقافي مدعوم سياسيا، لهذا أتوقع أن تحقق جدواها الثقافية على المدى المتوسط والبعيد عبر خلق فعل سينمائي عام، من فتح قاعات وخلق نقاشات وإنتاج أفلام متنوعة. وتوقّع أن يتم تنظيم مهرجانات أخرى في الجنوب وحتى في منطقة الأوراس وتحت مسميات مختلفة لخلق توازن جغرافي وجهوي.. فقط أرجو أن يتم تسطير آليات تنظيم جديدة للوصول إلى الجدوى والهدف. ويذهب الكاتب والسيناريست رابح ظريف في الاتجاه نفسه عندما يقول في تصريح للجزيرة نت إن هناك إرادة سياسية في الجزائر لاستعادة جمهور السينما. ويؤكد ظريف أن المرحلة الأولى هي تنظيم المهرجانات، ثم استعادة صالات العرض التي أسندت إلى هيئات إدارية غير متخصصة، وصولا إلى تسطير جملة من القوانين لحماية المنتجين، وقبل كل هذا لا بد من استعداد الجمهور لاحتضانها. استثمار ثقافي ورغم اعترافه بوجود تنامٍ واضح لعدد المهرجانات، فإن الناقد عبد الكريم قادري يراه بغير هدى وليس له أي انعكاس إيجابي حاليا، وأن هذه المهرجانات تخبط خبط عشواء لغياب التنظيم الجيد الذي يعكسه سوء اختيار المشرفين عليها، مع تهميش الكوادر التي تعرف جيدا خبايا السينما وطرق تنشيطها وإنجاحها. ويؤكد مسؤول الإعلام بمهرجان قسنطينة للفيلم المتوّج فيصل شيباني أن المهرجانات تبقى غير كافية في ظل قلة الأفلام المنتجة سنويا، والتي تعتمد كليا على أموال الدولة وسط غياب تام للممولين الخواص، وهو الأمر الذي يسعى الوزير الحالي لاستدراكه من خلال إطلاق مشروع الاستثمار الثقافي، خصوصا في مجال السينما عبر البحث عن إقامة مدن ومجمعات سينمائية من طرف شركات خاصة. أما رابح ظريف فيختتم تصريحه بالقول إن الأمر المهم الذي يجب أن يؤكد عليه هو مشاركة المؤسسات والشركات الخاصة وتوجههم نحو الاستثمار في هذا القطاع، فالظروف مهيّأة سواء ما تعلق بالإمكانات الطبيعية ومناخ التصوير وتنوع الجزائر الجغرافي، أو ما تعلق بالجانب الإبداعي إخراجا وكتابة وتمثيلا.
مشاركة :