شهدت أسواق الأسهم تصحيحاً كبيراً في جميع أنحاء العالم هذا العام، في الوقت نفسه، شهدنا ارتفاعاً في معدل التضخم في جميع أنحاء العالم لدرجة أن التضخم وصل إلى أعلى مستوى له في 40 عاماً في الولايات المتحدة، ليبلغ 9.1%، بينما ارتفع معدل التضخم إلى 7.01% في الهند في يونيو 2022، كما شاهدنا أيضاً قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادة أسعار الفائدة 225 نقطة أساس في عام 2022 وحده. إذا كنت تتساءل عما إذا كان هذان العاملان مرتبطين، فأنت على حق، لكن الجواب ليس بسيطاً كما يبدو، فهناك الكثير من الأمور الأخرى المؤثرة، لذلك دعونا أولاً نفهم ماهية التضخم وأنواعه المختلفة، قبل أن نستكشف كيف يؤثر على أسواق الأسهم. ما هو التضخم وكيف يعمل؟ - بمفهوم بسيط، التضخم هو الارتفاع المستمر للأسعار، فإذا كان سعر أحد المنازل، مثلاً، 200 ألف دولار في العام الماضي، وهناك تضخم حالي بنسبة 7%، فستكون قيمة نفس المنزل حالياً 214 ألف دولار. - وهناك عدة أنواع للتضخم، أحدهم هو التضخم بسبب ارتفاع الطلب، فعندما يكون لدينا دخل متاح، نشهد زيادة في قدرتنا الشرائية، لذلك يزداد الطلب على المنتجات والخدمات. - وعندما يحدث هذا، نرى ارتفاعاً في أسعار المنتجات والخدمات، وهذا بدوره يؤدي إلى زياد ربحية الشركات. - وهناك نوع آخر من التضخم يحدث بسبب حدوث اضطرابات في توريد المنتجات والخدمات بسبب نقصها. أحد الأمثلة على التضخم الحادث بسبب نقص المعروض هو الارتفاع الحاد في أسعار النفط بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. - في هذا النوع من التضخم، على الرغم من عدم وجود ارتفاع مفاجئ أو كبير في الطلب، ترتفع الأسعار بسبب النقص النسبي في المعروض من السلعة، وتتحمل الشركات أو المستهلكين عبء ارتفاع تكاليف الإنتاج. - إذا تحملت الشركات هذه التكلفة المرتفعة، فقد تنخفض أرباحها بشكل كبير، ونظراً لأن سعر سهم الشركة والعائدات طويلة الأجل تتحرك بالتزامن مع نمو أرباحها، فمن المرجح أن تؤثر أرباح الشركات الضعيفة على توقعات أسعار أسهمها. - على الجانب الآخر، إذا نُقلِت التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين، فسيؤدي ذلك إلى تقليل دخلهم المتاح بشكل كبير، وبالتالي تقليل الأموال المتاحة للاستثمار. ماذا يحدث عندما يرتفع التضخم؟ - لتعويض انخفاض القوة الشرائية بسبب ارتفاع التضخم، تقوم البنوك المركزية، مثل بنك الاحتياطي الهندي، برفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض. - والدافع وراء ذلك هو تحفيز المستهلكين على الادخار أكثر وبالتالي تقليل الطلب الزائد. - وتحاول البنوك المركزية، من خلال زيادة أسعار الفائدة، كبح السيولة الزائدة في الاقتصاد، والتي بدورها قد تقلل التضخم. - يمكن للبنوك المركزية التحكم في التضخم المتولد بسبب ارتفاع الطلب بينما يعتمد التضخم، الذي يحدث بسبب نقص المعروض من السلع على تدخل الحكومة وسياساتها. - وتستخدم الحكومات أدوات مثل أسعار الفائدة وعمليات السوق المفتوحة، أي شراء وبيع السندات الحكومية، وغيرها للسيطرة على المعروض من النقود في الاقتصاد. كيف يؤثر التضخم على سوق الأسهم؟ - لقد رأينا كيف أن ارتفاع التضخم يدفع السلطات النقدية إلى رفع أسعار الفائدة، وتؤدي الزيادات في أسعار الفائدة إلى تحول الأصول من الأسهم إلى الديون لأن نسبة المخاطرة إلى العائد قد تغيرت. - لنفترض أن أدوات الدين قدمت في السابق عوائد بنسبة 6% سنوياً، وتقدم الآن عائداً بنسبة 8% سنوياً بسبب زيادة أسعار الفائدة. - ولنفترض أن العوائد على الأسهم ظلت ثابتة عند 15%، فإن هذه المعطيات تعني أن نسبة المخاطرة إلى المكافأة قد انخفضت من 2.5 مرة (15% / 6%) إلى 1.9 مرة (15% / 8%). - ويعني هذا أن الأشخاص سيميلون أكثر للاستثمار في أدوات الدين لأن نسبة العائد الذي توفره مقارنة بمخاطر الاستثمار جعلتها خياراً من الاستثمار في الأسهم. - مع استمرار أسعار الفائدة، تستمر نسبة المخاطرة إلى المكافأة في الانخفاض، ويعد هذا أحد الأسباب الرئيسية لتحول المستثمرين من الأسهم إلى أدوات الدين. - لذا، عندما نستثمر أموالاً أكثر في الأدوات المدرة لدخل ثابت مثل أدوات الدين، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة التي تقدمها، فإن الطلب على الأصول الأكثر خطورة والتي يحتمل أن تكون ذات عوائد عالية، مثل الأسهم، تنخفض وكذلك نسبة المخاطرة إلى العائد، ويؤثر هذا بالسلب على أسواق الأسهم. - ومع ذلك، من المهم التأكد من أن صافي أسعار الفائدة الحقيقية، وهي العوائد المحققة على الاستثمار بعد احتساب الضرائب والتضخم، إيجابية، فإذا كان التضخم أعلى من الفائدة المكتسبة، فلا ينبغي لنا الاستثمار في أدوات الدخل الثابت. - وكما ذكرنا سابقاً، عندما يكون التضخم مرتفعاً، ترتفع أسعار الفائدة على القروض، مما يزيد تكلفة اقتراض الشركات وإنفاقها. - ومع زيادة تكلفة القروض، تزداد تكلفة رأس المال للشركات، وهي مزيج من تكلفة الأسهم والديون. - نتيجة لذلك، تقل قيمة التدفقات النقدية المتوقعة، ونظراً لأن تقييم الأسهم يتم عن طريق خصم التدفقات النقدية المتوقع، فسيؤدي ذلك إلى انخفاض تقييمات الأسهم مع ارتفاع معدل الخصم. - إن الشركات، التي لديها مستوى مرتفع من الديون، هي الأكثر معاناة خلال هذه الفترة.
مشاركة :