أحادية القطبية أو القطبية الثنائية أو القطبية المتعددة أيهم أفضل للنظام الدولي؟

  • 9/17/2022
  • 22:08
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هناك أشكال مختلفة لكيفية توزيع القوى السياسية والعسكرية في نظام العلاقات الدولية المعاصرة.تدريجيا، يأخذ شكل العلاقات الدولية هيئة وجود عدد من الدول الكبيرة التي تعتبر قادرة على التأثير على الأحداث وممارسة نفوذ كبير في مجال العلاقات الدولية.يسعى عدد من خبراء العلاقات الدولية إلى نعت هذا النوع من العلاقات بأنه نظام دولي يتميز بتعدد القطبية، هذا يختلف عن نظام العلاقات الدولية الذي صاغ السياسة العالمية لفترة طويلة وبالذات أثناء الحرب الباردة، والذي عرف باسم سياسة القطبين والذي عكس طبيعة المنافسة ما بين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشيوعي الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفيتي.وكان لانهيار الاتحاد السوفيتي وهزيمة الشيوعية الأثر الكبير في إنهاء عصر القطبين والدخول في مرحلة جديدة عرفت باسم عصر القطب الواحد، والذي كثف من وجهة نظره على الولايات المتحدة الأمريكية كونها الدولة الوحيدة التي تستطيع قيادة العالم وتحديد التوجهات الاستراتيجية للعديد من الدول سواء كانت على صداقة أو في حالة عداء مع أمريكا، وسرعان ما استهل المجهود في صياغة مفهوم أو معادلة جديدة للعلاقات الدولية، والتي تؤكد أن هناك عوامل كثيرة تجعل من أسلوب العلاقات الدولية ما بين الأمم واحدا من تعدد الأقطاب وأصبحت القضية واحدة من إصدار الأحكام عن ما هو أفضل نظام لتعامل الدول بعضها البعض؟نظام القطبين كان له مخاوف لأنه زاد من احتمال الصدام العسكري ما بين الدولتين العظميين سواء عن طريق الأسلحة النووية والأسلحة التقليدية، لكنه أيضا كانت له مزاياه بسبب أنه كان يتجنب أي حرب نووية أو أي حرب كارثية ما بين الشرق والغرب، وعلى هذا تم الحفاظ على السلام في ظروف في غاية الصعوبة والخطورة.ومن الناحية الأخرى، يعدد أنصار نظام تعدد الاقطاب مزايا هذا النظام ومنها إتاحة الفرص للعديد من الدول لأن تمارس سياسة خارجية وداخلية خاصة بهم بدون التدخل من قبل دولة عظمى أو كبرى في شؤونهم، لكن عيوب هذا النظام المتعدد القطبية عديدة، ومنها أنه يسمح بقيام الصراعات بين الدول وبعضها البعض وبالذات تلك الخلافات التي تنشأ بسبب الانشقاقات التاريخية والعرقية والطائفية القديمة.وإذا اتخذنا المنطقة العربية كنموذج لقياس مدى نجاح نظام القطبية الثنائية فسنجد أنه سبب مشاكل كثيرة وبالذات خلال فترة الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا في عهد الشيوعية، حاول الاتحاد السوفيتي التدخل في منطقة الشرق الاوسط والخليج واصفا الدول المحافظة بأنها دول رجعية وعميلة للاستعمار، تاريخيا وسياسيا كان هذا الاتهام أمر بعيد كل البعد عن الواقع، ومن ناحية أخرى كانت تخشى الولايات المتحدة المد الشيوعي في العالم العربى وهذا جعلها تنظر إلى الأنظمة التي تدعو الى القومية العربية سواء من قبل حزب البعث أو من خلال تجربة الرئيس المصري جمال عبدالناصر على أنها عميلة للاتحاد السوفيتي وتخدم مصالح الشيوعية الدولية.ومع مرور الوقت وتنامي ظاهرة العولمة وصعود الصين إلى مكانة دولية لها ثقلها ازدادت الدعوة إلى إقامة نظام دولي متعدد الاقطاب، وتحبذ الصين وروسيا هذا العدد القطبي لمنظومة العلاقات الدولية لأن هذا الترتيب يحد من نفوذ أمريكا ويمثل تحديا لما يعتبرانه هيمنة أمريكية على النظام الدولي وبالذات في مجال الأمن والتدخل العسكري.وهذا التصور يطرح بدوره تساؤلات هامة إحداها يختص بإمكانية وقف أو منع أي تدخل أمريكي عسكري في منطقة ما من العالم لو كان هناك اعتراض روسي - صيني على هذا التدخل الأمريكي العسكري، ويمكن صياغة هذا السؤال بطريقة أخرى وهو «هل ستكون هناك حرب ما بين الولايات المتحدة من جهة وكل من روسيا والصين متحالفتين معا لوقف أي اعتداء أمريكي؟» والسؤال الأكثر أهمية هو «هل يقضي تعدد القطبية على منطق الردع النووي وبالتالي تصبح فرص حدوث حرب نووية ما بين أمريكا وروسيا والصين أمرا أكثر احتمالا إن لم يكن أمرا حتميا؟».القول الفصل في أي نظام دولي هو كيفية توزيع السلطة وهذا يعني دراسة ومراقبة ومتابعة كيف تحصل دولة ما تدريجيا على العوامل التي تؤهلها من ان تكون احد الاقطاب الدولية لإعلان النظام الدولي منظومة متعددة الأقطاب، وإذا كانت الصين هي الدولة المرشحة لكسر هذا النمط من العلاقات الدولية الذي تميز بثنائية المنافسة ما بين أمريكا وروسيا، فالمفترض طرح مثلا سؤال عن مدى قدرة الصين في تنمية قدراتها العسكرية التقليدية والنووية.أحد الإشكاليات الفكرية في قضية تعددية الأقطاب في منظومة العلاقات الدولية هو أنه يتجاهل قضية تتلخص في أن دولة ما قد لا تكون مرشحة لأن تكون قطبا دوليا مستقل لكنها تمتلك قدرات اقتصادية وسياسية كبيرة وهائلة وتستطيع التأثير على مسار الدول وسلوكها، وبالتالي مسار العلاقات الدولية.معظم خبراء العلاقات الدولية الآن يشككون في مصداقية الأطروحة التي سادت فترة نهاية الحرب الباردة وحتى حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 بأنه كان عصر أحادية القطبية متمثلا في سيادة أمريكية لا تعارضها أي قوى، الحجة المستخدمة هنا أن أمريكا شعرت بعد الحادي عشر من سبتمبر بحاجتها لدول أخرى لمواجهة تحدي أمني كوني جديد ألا وهو ظاهرة الإرهاب. والإجابة هنا تتمثل في أن قوة الولايات المتحدة كانت محدودة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بأنها لم تحل مشاكل العراق والصومال والبلقان ناهيك عن الصراع العربي - الإسرائيلي وغيرها من المشاكل مع فشلها في أن تقيم سياسة ردع كانت بمقدرتها منع أحداث الإرهاب من أن تقع وأن تستهدف أمريكا.القول اليقين هو أن العالم يمر بمرحلة تاريخية تتسارع فيها الأحداث، هناك حاجة للتوقف وقياس كيف يتغير النظام الدولي، أن صعود الصين الاقتصادي السياسي لا يمثل العامل الأوحد لجعل العالم ينتقل من مرحلة القطبية الثنائية إلى تعدد القطبية، فما يحدث الآن في العالم هو ظاهرة تركز الأقطاب، ويعني هذا أن هناك توازيا في ارتفاع نفوذ عدة دول تعتبر قوى اقليمية تسعى أن تكون قوى دولية، وتعتبر قارة آسيا المكان لهذا التركيز والتجميع لصعود العديد من القوى الإقليمية التي بإمكانها أن تخلق نظاما دوليا متعدد القطبية إلى حد ما، ولعل أكثر الأمثلة في هذا الأمر هو التصاعد المتوازي لكل من قوة الصين والهند سويا.هذا أمر ليس سهلا ويستغرق وقتا ويدعو القوتين العظميين وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية لأن يكونا لاعبين هامين في الإعداد للسياسات الحاضرة والمستقبلية لكيفية أن تزيد كل من الهند والصين من نفوذهما، ستؤدي هذه الحيوية القطبية الى زيادة المنافسة ما بين بكين ونيودلهي، وستأخذ تلك المنافسة صيغة التنافس العسكري، ولا يستبعد العديد من المراقبين الدوليين بأن تزيد كلا من الصين والهند من وجودهما العسكري فى منطقة الخليج العربي وأن يجعلا هذا الممر المائي الخيري مساحة جديدة من إقامة المنافسة الاستراتيجية بينهما.وخلاصة القول إنه لا يوجد نظام مثالي للعلاقات الدولية سواء كانت صياغته في شكل القطبين الكبيرين أم نظام متعدد الأقطاب، أفضل الأمور في تيار العلاقات الدولية هو أن يكون هناك نفوذ لدولة ما وراء حدودها ويجعلها هذا مؤثرة إيجابيا على السياسة الدولية، وهذا النموذج تعبر عنه السياسة الخارجية الحكيمة للمملكة العربية السعودية، وهذا يقلل من حدة المنافسة ما بين الدول ويزيد من فرص التعاون ما بين الشعوب من أجل سلام ورفاهية البشرية جمعاء.mr_alshammeri@

مشاركة :