كتابات ونقوش ورسومات، طيور وأشكال، على جدران المعابد والأوابد والآثار المصرية، خاصة الفرعونية، كانت غامضة قبل التوصل إلى فك رموز الكتابة القديمة التي فتحت أمام العالم أسرار آلاف السنين من تاريخ كان مجهولاً عن مظاهر حياة وعلوم الفراعنة. وقبل 200 عام، وبالتحديد في سبتمبر من عام 1822، كان الكشف الأهم للعالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، الأكاديمي والعالم اللغوي، الذي تمكن من فكّ رموز «حجر رشيد» وكان ذلك بداية فهم اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة ووضع أسس علم المصريات. وعلى مدى قرون طويلة، ظلت الرسومات والأشكال الموجودة على جدران المقابر والمعابد المصرية نقوشاً مجهولة وغير مفهومة، إلى درجة أن أحجارها كان يتم استخدامها في بناء بعض المنشآت العامة، ولكن فك رموزها كان بداية لكشف جوانب مبهرة من أسرار حضارة الفراعنة. اكتشاف حجر رشيد ويشرح الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، تفاصيل فك رموز اللغة المصرية القديمة، بأنه في 19 يوليو 1799 أثناء الحملة الفرنسية على مصر، نجح ضابط فرنسي يُدعى بيير فرانسوا بوشار في اكتشاف حجر رشيد متعدد اللغات الذي يحمل نقوشاً لنصوص هيروغليفية وديموطيقية ويونانية، ويعود تاريخه إلى عام 196 ق.م، وقد سجل عليه محضر تنصيب الكهنة للملك بطليموس الخامس. وأضاف لـ«الاتحاد» أن الحجر يبلغ ارتفاعه 113 سنتيمتراً وعرضه 75 سنتيمتراً وسمكه 27.5، منقوش عليه كتابة بثلاث من اللغات القديمة هي الهيروغليفية والديموطيقية (أو القبطية) واليونانية، نقشت في عهد بطليموس الخامس اعترافاً بفضله في إصدار إعفاءات من الضرائب. وكان هناك العديد من المحاولات لفك رموز هذا الحجر بعد اكتشافه حسب كبير الأثريين، أولها محاولة السويدي توماس أكربال، والبريطاني توماس ينج، ولكنها فشلت، حتى نجح شامبليون في فك رموزه عام 1822 بمضاهاة حروف اللغة المصرية القديمة ببعضها بعضاً، بعد 11 سنة من العمل على ذلك النص- النقش. ويؤكد شاكر أن هذا الأثر ليس فقط حجراً ولكن لوحة كاشفة تحمل معاني كثيرة، فالحضارة المصرية قبل هذا التاريخ كانت مجهولة للمصريين والعالم، فكان بداية اكتشاف أسرار تلك الحضارة. احتفال بالرموز وعلى مدى شهر سبتمبر، تحتفل مصر بفك الرموز القديمة، بإقامة عدد من المعارض بالمتحف المصري بالتحرير، منها معرض لمجموعة من القطع الأثرية التي تلقي الضوء على الحضارة المصرية، ومعرض صور للآثار خلال القرن التاسع عشر، ومجموعة من الصور الأرشيفية من مركز تسجيل الآثار، ومعرض آخر بمشاركة البعثات الأجنبية، ومجموعة من اللافتات والملصقات التي تبرز دور مصر الحضاري. أخبار ذات صلة «ياس للثقافة والفنون والمسرح» تنظم ملتقى في واحة الكرامة أمل الرندي: أدب الطفل فضاء للإلهام اللغة القديمة وكان اكتشاف حجر رشيد بداية لكشف رموز الكتابة المصرية ثم تأسيس علم المصريات الذي يُدرس الآن في عشرات الجامعات حول العالم، وحسب عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، فإن الأقدمين والمحدثين انشغلوا، على حد سواء، بمحاولات تفسير الكتابة الهيروغليفية، ومنهم قديماً المؤرخ الإغريقي خايرمون الذي كان معلماً للإمبراطور الروماني نيرون، ثم الأديب المصري حورابللو الذي عاش في القرن الثامن الميلادي وكتب كتاباً عن الخط الهيروغليفي، وكذلك المؤرخ كليمنت السكندري، ثم الأب أثناسيوس كيرشر الذي بذل أهم المحاولات لفك رموز الهيروغليفية قبل اكتشاف حجر رشيد، وكان على دراية باللغة القبطية وربط بينها وبين اللغة المصرية القديمة. ويوضح عالم المصريات أن المتحف البريطاني قام بتوزيع نسخ من حجر رشيد على المعاهد والجامعات الأوروبية بغية التوصل لسر الكتابات التي يحملها ذلك الحجر العجيب، وبعدها اجتهد عدد ليس بالقليل من المهتمين في فك طلاسم الحجر مثل عالم الطبيعة الفرنسي والمستشرق سلفستر دي ساسي، وقارن النص الديموطيقي بالنص الإغريقي، وتعرف إلى بعض الأسماء مثل بطليموس والإسكندر والإسكندرية. وأضاف عبد البصير أن محاولات شامبليون كانت هي الأخيرة والناجحة لقراءة اللغة المصرية القديمة وفك أسرارها، وساعده وجود حجر رشيد ومسلة فيلة التي تزين أحد ميادين إنجلترا، ومعرفته باللغتين القبطية والإغريقية ونتائج الباحثين السابقين عليه، ورؤيته المنهجية في المقارنة والاستنباط والتحليل، لينجح في النهاية في التعرف على علامات كثيرة. وتضم الكتابة الهيروغليفية 1000 حرف تم تقليلها في عهد المملكة الوسطى لتصبح 750 حرفاً، ما يجعلها من الأغزر ضمن النظم الأبجدية المعروفة في العالم، بحسب أثريين متخصصين.
مشاركة :