نابلس (الأراضي الفلسطينية) - اندلعت اليوم الثلاثاء في مدينة نابلس بالضفة الغربية صدامات عنيفة بين الشرطة وعشرات المحتجين قتل فيها احد المارة بالرصاص خلال اعتقال قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ناشطين من حركة حماس مطلوبين لإسرائيل. وتأتي هذه التطورات بينما تستضيف العاصمة الجزائرية لقاءات بين ممثلين عن الفصائل الفلسطينية بينهم حركتا فتح وحماس في محاولة لدفع المصالحة الفلسطينية وإنهاء سنوات طويلة من الانقسامات قبل قمة عربية في الجزائر تعقد مثقلة بخلافات عربية وبعدة أزمات بينها سوريا وليبيا والعراق وملف الصحراء المغربية وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا. كما تلتئم القمة في ظل اضطرابات جيوسياسية أرخت بظلالها على واقع عربي متأزم. وترخي أحداث نابلس بظلال ثقيلة على اللقاءات بين الفصائل الفلسطينية التي من المقرر أن تشارك في اجتماعات تعقد اعتبارا من الأسبوع المقبل من أجل البحث في صيغة تسوية تنهي الانقسامات الفلسطينية. وعلى الرغم من الخلاف المستمر منذ سنوات طويلة بين حركتي فتح التي يترأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، نادرا ما تحصل مواجهات بين الطرفين في الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967. ودعت الرئاسة الفلسطينية إلى التهدئة. وبدأت الاشتباكات في وقت متأخر من مساء الاثنين واستمر إطلاق النار المتقطع حتى ظهر الثلاثاء. وألقى مئات الشبان الحجارة على مركبات مدرعة تابعة للأمن الفلسطيني، وفق العديد من المصادر. وأدانت حركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة في بيان اعتقال "المطاردين مصعب اشتية وعميد طبيلة"، واصفة العملية بأنها "وصمة عار جديدة على جبين السلطة وسجل تنسيقها الأمني الأسود". وشبّه الناطق باسم الحركة فوزي برهوم عملية الاعتقال بأنها "خطف"، و"جريمة وطنية"، معتبرا أن السلطة الفلسطينية "وضعت نفسها وكيلا حصريا للاحتلال في مواجهة شعبنا الفلسطيني". وطالبت الحركة في بيانها "بضرورة الإفراج الفوري عنهما وكل المقاومين والمعتقلين السياسيين". وذكرت مصادر متطابقة أن المعتقلين عضوان في حركة حماس. وقتل خلال تبادل إطلاق النار فراس يعيش (53 عاما)، وفق ما ذكرت عائلته على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد الناطق باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية طلال دويكات، على ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا)، أن يعيش قضى في "مكان لم يتواجد فيه أي من عناصر الأمن"، مشيرا إلى أن "إصابته لم تحدّد طبيعتها بعد ونحن في انتظار التقرير الطبي". وقال "قرار التحفّظ على المواطنين مصعب اشتية وعميد طبيلة جاء لأسباب ودواع موجودة لدى المؤسسة الأمنية سيتم الإفصاح عنها لاحقا". وأشار دويكات إلى "أن المذكورين لم ولن يتعرضا لأي مساس بهما وسُمح لمؤسسات حقوق الإنسان بزيارتهما فورا". وأدانت حركة الجهاد الإسلامي حليفة حماس في بيان، عملية الاعتقال "بشدة"، فيما دعا المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينه إلى التهدئة. وقال في بيان "نطالب أبناء شعبنا بالتوحد والتكاتف... في هذه المرحلة الخطيرة وعدم الانجرار خلف الأجندات المغرضة". في نابلس، قال أحد المحتجين إن سبب ما جرى "التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال". وطالب الرئيس الفلسطيني بالرحيل قائلا "ارحل أبومازن، أنت لست فلسطينيا... أنت رجل يريد ملء جيوبه بالمال". وتظهر استطلاعات الرأي الفلسطينية أن التأييد لعباس والسلطة الفلسطينية في أدنى مستوياته، خصوصا منذ إلغاء الرئيس الفلسطيني الانتخابات التي كانت مقرّرة العام الماضي. ودعت مجموعة تطلق على نفسها "عرين الأُسود" في بيان إلى "النفير العام والعصيان المدني الشامل في جميع شوارع ومناطق مدينة نابلس وفي الريف والمخيم". كما دعت المجموعة إلى "إشعال الإطارات ووضع المتاريس وإغلاق الشوارع" في رسالة رفض لسياسة الاعتقال السياسي التي تنتهجها السلطة، مؤكدة أن دعوتها سارية إلى حين "تحقيق مطالبنا في الإفراج عن أخوينا مصعب اشتية وعميد طبيلة". وتتخذ المجموعة التي تأسست حديثا على يد عدد من النشطاء الفلسطينيين في البلدة القديمة لمدينة نابلس من "مقاومة الاحتلال" هدفا لها. ومن غير الشائع أن تنفذ السلطة الفلسطينية عمليات أمنية في الضفة الغربية. وحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة حماس على خلاف منذ أن استولت الحركة الإسلامية على السلطة في القطاع في العام 2007 بعد اشتباكات دامية بين أنصار الطرفين. وتشهد الضفة الغربية منذ أشهر أعمال عنف شبه يومية وعمليات عسكرية تنفذها إسرائيل لا سيما في مدينة جنين بهدف اعتقال فلسطينيين تقول إنهم "إرهابيون"، وتتخللها مواجهات مع فلسطينيين. وقد قُتل فيها عشرات الفلسطينيين. وتكثفت العمليات بعد هجمات نفذها فلسطينيون ضد إسرائيليين اعتبارا من شهر مارس/اذار. وقتل ضابط من القوات الإسرائيلية الخاصة وفلسطينيان خلال عملية في الضفة الغربية الأسبوع الماضي. وتبنت 'كتائب شهداء الأقصى' الجناح العسكري لحركة فتح، عملية مقتل الضابط. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد بعدها "لن نتردد في العمل في المكان الذي لا تحافظ السلطة الفلسطينية فيه على النظام". وتحض إسرائيل السلطة الفلسطينية على اتخاذ إجراءات مشددة ضد نشطاء في الضفة الغربية. لقاءات موسعة في الجزائر وتأتي أحداث نابلس بينما قال سفير فلسطين لدى الجزائر فايز أبوعيطة، إن لقاء موسعا بين الفصائل الفلسطينية، سيعقد في الجزائر خلال الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول القادم، لبحث ملف المصالحة وإنهاء الانقسام المستمر منذ عام 2007. وأضاف في حديثه لإذاعة صوت فلسطين (حكومية)، أن جولة حوارات جديدة تجري حاليا بين الفصائل الفلسطينية "تمهيدا للقاء موسع للفصائل الفلسطينية سيكون الأسبوع الأول من أكتوبر المقبل". وأعرب أبوعيطة عن أمله في أن "توفّق الجزائر في الوصول إلى صيغة توافقية يلتقي الكل الفلسطيني عليها، من أجل وضع حد لهذا الانقسام، والبدء في صفحة الوحدة الوطنية". والاثنين، وصل الجزائر وفد من حركة التحرير الوطني "فتح"، برئاسة نائب رئيس الحركة محمود العالول "بدعوة من القيادة الجزائرية في إطار التنسيق المشترك حول التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية"، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا). ومساء الأحد، وصل إلى الجزائر أيضا وفد من قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يرأسه رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في الحركة خليل الحية، وفق الموقع الإلكتروني للحركة على الإنترنت. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، ولاحقا استقبلت وفودا تمثّل الفصائل. وتعاني الساحة الفلسطينية منذ صيف 2007، من انقسام سياسي وجغرافي، حيث تسيطر حماس على قطاع غزة، في حين تُدار الضفة الغربية من طرف الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة فتح بزعامة عباس.
مشاركة :